سبق لئلا يتكرر الجهدُ، إلا إن بدا لنا أن الحكم الذي كنا قد ذكرناه هناك لم يكن سديداً، لوقوفنا على شيء في الحديث لم نكن قد اطلعنا عليه وقتئذٍ، وذلك قليل بحمد الله تعالى وتوفيقه، وأما الأحاديث التي وردت في الكتاب، وليست في "مسند أحمد" ولا في "صحيح ابن حبان" فإنا كنا نقوم بدراسةِ أسانيدِها، ونستوفي تخريجها، ونحكمُ على كلِّ حديث بما يليقُ بحاله مِن صحةٍ أو حسنٍ أو ضعفٍ.
٤ - ولما كانَ الإمامُ أبو داودَ كسائرِ أصحاب السُّنَن لم يشترط في كتابه إيرادَ الأحاديث الصحيحة فقط، بل أدرَجَ فيه الصحيحَ والضعيفَ، فكان لا بد من تمييز صحيحها من سقيمها، وتبييِن ما يُحتج به مما لا يُحتجُّ بهِ منها، كما دعا إلى ذلك غير واحد من الأئمة، نصحاً لله ولِرسوله ولِعامة المسلمين، فقد قُمنا بدراسةِ إسنادِ كُل حديث مِن أحاديثِ "السنن"، وحَكَمْنا عليه بما يليقُ بحاله من صحةٍ أو حُسنٍ أو ضعفٍ، مسترشدين بما أصَّله جهابذةُ الحديث ونُقّاده مِن أصولٍ وقواعدَ لتوثيق الروايات، وفحصِ الأسانيد، وتنقيدِ المتون، فقد ذكر الحافظ ابن حجر رحمه الله في "نكته على ابن الصلاح"(١): أن في السنن شيئاً كثيراً لا يَصْلُحُ للاحتجاجِ به من حديث المتروكين ... ثم قال: وإذا تقرَّرَ هذا، فسبيلُ مَنْ أراد أن يحتجَّ بحديثِ من السنن، أو بأحاديثَ من المسانيد واحد، إذ جميعُ ذلك لم يَشتَرطْ مَن جَمَعَه الصحةَ ولا الحسنَ خاصة، فهذا المحتج إن كان متأهلاً لمعرفةِ الصحيح مِن غيره، فليس له أن يحتج بحديث