ولو جعل لأفناء الناس ولآحادهم أن يعقدوا لعامة الكفار كلما شاؤوا، صار ذلك ذريعةً إلى إبطال الجهاد، وذلك غير جائز. وقوله: "وهم يدٌ على مَن سِواهم" فإن معنى اليد المعاونة والمظاهرة: إذا استُنفِروا وجب عليهم النفير، وإذا استُنجِدوا أنجدوا، ولم يتخلفوا، ولم يتخاذلوا. و"المُشِدُّ" المقوي، و"المضعف" من كانت دوابه ضعافاً. قلنا: وقال ابن الأثير: المُشِدُّ: الذي دوابه شديدة قوية، والمضعف الذي دوابُّه ضعيفة، يريد أن القوي من الغزاة يُساهم الضعيف فيما يكسبه من الغنيمة. قال الخطابي: وجاء في بعض الحديث: "المضعف أمير الرُّفقة" يريد أن الناس يسيرون بسير الضعيف لا يتقدمونه، فيتخلف عنهم، ويبقى بمضْيَعة. و"المتسري" هو الذي يخرج في السرية، ومعناه: أن يخرج الجيش فيُنيخوا بقرب دار العدو، ثم ينفصل منهم سرية، فيغنموا، فإنهم يردون ما غنموه على الذين هم ردءٌ لهم، لا ينفردون به، فأما إذا كان خروج السرية من البلد، فإنهم لا يردون على المقيمين في أوطانهم شيئاً. وقوله: "لا يقتل مؤمن بكافر" فإنه قد دخل فيه كل كافر، له عهد وذمة، أو لا عهد له ولا ذمة. وقوله: "ولا ذو عهد في عهده"، فإن العهد للكفار على ضربين: أحدهما: عهد متأبِّد، كمن حُقن دمه للجزية. والآخر: من كان له عهد إلى مدة، فإذا انقضت تلك المُدة عاد مباح الدم، كما كان. وقد تأوله مَن ذهب من الفقهاء إلى أن المسلم يقتل بالذمي، على أن قوله: "ولا ذو عهد في عهده" معطوف على قوله:. لا يقتل مؤمن بكافر" ويقع في الكلام على مذهبه تقديم وتأخير، فيصير كأنه قال: لا يقتل مؤمن، ولا ذو عهد في عهده بكافر، وإلى هذا ذهب أصحاب الرأي. =