وقوله: "أي غُدر" فهو نعت، يُنعت الرجلُ به عند المبالغة في الغَدْر. وفي قوله -صلَّى الله عليه وسلم- للمغيرة: "أما الإسلام فقد قبلنا، وأما المال، فإنه مالُ غدر، لا حاجة لنا فيه" دليل على أن أموال أهل الشرك -وإن كانت مباحة للمسلمين مغنومة إذا أخذوها منهم قهراً- فإنها ممنوعة بالأمان لهم، مردودة إلى أربابها إذا أخذت في حال المسالمة والأمان، وذلك أن المغيرة إنما صحِبهم صحبة الرفقاء في الأسفار"، والرفيق في السفر يأمن رفيقه على نفسه وماله، فكان ما أتاه المغيرة من سفك دمائهم وأخذ أموالهم غدراً منه، والغدر محظور غير جائز، والأمانة مؤادة إلى البرِّ والفاجر. ثم قال الخطابي: وفي إجابته -صلَّى الله عليه وسلم- إياهم إلى ذلك أن يرد إلى الكفار من جاءه منهم مسلماً، دليل على جواز أن يُقِرَّ الإمامُ فيما يصالح عليه العدو ببعض ما فيه الضيمُ على أهل الدين إذا كان يرجو لذلك فيما يستقبله عاقبةً حميدةً، سيما إذا وافق ذلك زمانَ ضعفِ المسلمين عن مقاومة الكفار، وخوفهم الغلبة منهم. قال: وفي أمر رسول الله -صلَّى الله عليه وسلم- أصحابه بعد فراغه من الكتاب أن ينحروا ويحلقوا رؤوسهم، دليل على أن من أحرم بحج أو عمرة فأُحْصِر بعدوٍّ، فإنه ينحر الهدي مكانه ويَحِلّ، وإن لم يكن بلغ هديهُ الحرم، والموضع الذي نحر رسول الله -صلَّى الله عليه وسلم- هديه فيه بالحديبية حلٌّ، إذ كان مصدوداً عن دخول الحرم. وقوله في قصة أبي بصير: "فضربه بالسيف حتى برد" معناه حتى مات وسكنت منه حرارة الحياة، وأصل البرد: السكون والثبوت. وقوله: "ويلُ أمه مِسْعَر حرب" كلمة تعجب، يصفه بالمبالغة في الحروب، وجودة معالجتها، وسرعة النهوض فيها، يقال: فلان مسعر حرب: إذا كان أولَ من يوقد نارها ويَصلى حرَّها، من قولك: سعَّرت النار، إذا أوقدتَها، ومنه السعير: وهو النار الموقدة.