فأخرجه أحمد (١٨٩١٠) عن يزيد بن هارون، والبيهقي ٩/ ٢٢١ و ٢٢٧ من طريق يونس بن بكير، كلاهما عن محمد بن إسحاق، بهذا الإسناد. قال الخطابي: اختلفوا في المدة التي يجوز أن يُهادن إليها الكفار: فقال الشافعي: أقصاها عشر سنين، لا يُزادُ عليها، وما وراءها محظور، لأن الله سبحانه أمر بقتال الكفار، فاستثنينا ما أباحه رسولُ -صلَّى الله عليه وسلم- في قصة الحديبية، وما وراء ذلك محظور. وقال قوم: لا يجوز ذلك أكثرَ من أربع سنين. وقال قوم: ثلاث سنين، لأن الصلح لم يبق فيما بينهم أكثر من ثلاث سنين، ثم إن المشركين نقضوا العهد، فخرج رسول الله -صلَّى الله عليه وسلم- إلى مكة، وكان الفتح. وقال بعضهم: ليس لذلك حدٌّ معلوم، وهو إلى الإمام يفعل ذلك على حسب ما يرى من المصلحة. قلت (القائل الخطابي): كان سببُ نقضِ العهد: أن خزاعة كانت حلفاء رسول الله -صلَّى الله عليه وسلم- فقاتلهم بنو بكر، فأعانت قريش بنى بكر على خزاعة، فنقضوا بذلك العهد. وقوله: "عيبة مكفوفة" المكفوفة: المشرجة، وهي المشدودة بشَرَجها، أي: بعراها، والعيبة -هي وعاء تجعل فيه الثياب ونفيس المتاع- وهاهنا مَثَلٌ والمعنى: أن بيننا صدوراً سليمة، وعقائد صحيحة في المحافظة على العهد الذي عقدناه بيننا، وقد يشبه صدر الإنسان الذي هو مستودع سره وموضع مكنون أمره بالعيبه التي يودعها حُرَّ متاعه، ومصون ثيابه، قال الشاعر: وكادت عِيابُ الوُدِّ مِنا ومِنكُمُ ... وإن قِيل أبناءُ العمومةِ تَصفَرُ أراد بعياب الودِّ: صدورهم. وقوله: "لا إسلال ولا إغلال" فإن "الإسلال" من السلة، وهى السرقه، و"الإغلال" الخيانة، يقال: أغل الرجلُ -إذا خان- إغلالاً، وغل في الغنيمة غلولاً. =