وقال ابن عبد البر في"التمهيد" ١٤/ ٢١٩: وفي معنى هذا الحديث تدخل عندي إباحة اقتناء الكلاب للمنافع كلها ودفع المضارّ إذا احتاج الإنسان إلى ذلك، إلا أنه مكروه اقتناؤها في غير الوجوه المذكورة في هذه الآثار لنقصان أجر مقتنيها، والله أعلم. وقال الخطابي: كان ابن عمر لا يذكر في هذا الحديث كلب الزرع. وقيل له: إن أبا هريرة ذكر كلب الزرع. فقال: إن لأبي هريرة زرعا. فتأوله بعض من لم يوفق للصواب على غير وجهه، وذهب إلى أنه قصد بهذا القول إنكاره، والتهمة له من أجل حاجته إلى الكلب لحراسة زرعه. وليس الأمر كما قال، وإنما أراد ابن عمر تصديق أبي هريرة، وتوكيد قوله، وجعل إلى ذلك شاهدا له على علمه ومعرفته به. لأن من صدقت حاجته إلى شيء كثرت مسألته عنه، ودام طلبه له، حتى يدركه ويُحكمه. وقد رواه عبد الله بن مغفل المزنى وسفيان بن أبي وهب عن النبي - صلَّى الله عليه وسلم - فذكرا فيه: "الزرع" كما ذكره أبو هريرة. قلنا: أما حديث عبد الله بن مغفّل فهو عند ابن ماجه (٣٢٠٥)، والترمذي (١٥٦٠)، والنسائي (٤٢٨٠) و (٤٢٨٨) وإسناده صحيح. وأما حديث سفيان بن أبي زهير -لا ابن أبي وهب كما قال الخطابي- فهو عند البخاري (٢٣٢٣)، ومسلم (١٥٧٦)، وابن ماجه (٣٢٠٦)، والنسائي (٤٢٨٥). وفي بيان القيراطين المذكورين قال الحافظ في "الفتح" ٥/ ٧: اختلف في القيراطين المذكورين هنا، هل هما كالقيراطين المذكورين في الصلاة على الجنازة واتباعها؟ فقيل: بالتسوية، وقيل: اللذان في الجنازة من باب الفضل، واللذان هنا من باب العقوبة، وباب الفضل أوسع من غيره. قلنا: القيراطان في الجنازة جاء في نص الحديث أنهما مثل الجبلين العظيمين، وهو حديث أبي هريرة الذي أخرجه البخاري (١٣٢٥)، ومسلم (٩٤٥)، وفي رواية أخرى لحديث أبي هريرة عند البخاري (٤٧)، ومسلم (٩٤٥): "كل قيراط مثل أُحُد".