عن أبيه -وكان أحد الثلاثة الذين تِيبَ عليهم-: وكان كعْب بن الأشرفِ يَهجُو النبىَّ - صلَّى الله عليه وسلم - ويُحرَّضُ عليه كفارَ قريشٍ، وكان النبي - صلَّى الله عليه وسلم - حين قدم المدينةَ وأهْلُهَا أخلاطٌ منهم المسلمون والمشركون يعبُدون الأوثانَ، واليهودُ، وكانوا يُؤْذونَ النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلم - وأصحابَه، فأمر اللهُ نبيّه بالصبرِ والعفْوِ، ففيهم أنزلَ اللهُ:{وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ}[آل عمران: ١٨٦]، فلما أبى كعبُ بن الأشرفِ أن يَنزِعَ عن أذى النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلم - أمرَ النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلم - سعدَ بن مُعاذٍ أن يبعث رهْطاً يقتُلُونه، فبعث محمدَ بن مَسلَمةَ، وذكر قصةَ قتْلِه، فلمَّا قتلُوه فزِعَتِ اليهودُ والمشركُون، فغَدَوْا على النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلم - فقالوا: طُرقَ صاحبُنا فقُتل، فذكَر لهم النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلم - الذي كان يقول، ودعاهم النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلم - إلى أن يكتب بينه وبينهم كتاباً ينتهون إلى ما فيه، فكتب النبي - صلَّى الله عليه وسلم - بينه وبينهم وبين المسلمين عامةً صحيفةً (١).
(١) رجاله ثقات، وقوله: "عن أبيه، وكان أحد الثلاثة الذين تيب عليهم" قال الحافظ المنذري في "اختصار السنن": أبوه عبد الله بن كعب، ليست له صحبة، ولا هو أحد الثلاثة الذين تيب عليهم، ويكون الحديث على هذا مرسلاً، ويحتمل أن يكون أراد بأبيه جده، وهو كعب بن مالك، وقد سمع عبد الرحمن من جده كعب، فيكون الحديث على هذا مسنداً. قلنا: بل لا يمكننا الجزم بكونه مسنداً إن كان المقصودُ جدَّه، لأن معمر بن راشد وعقيل بن خالد الأيلى قد رويا الحديث عن الزهري، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك، مرسلاً، ولهذا فقد أورد البخاري في "تاريخه الكبير" ٥/ ٣٠٨ رواية شعيب بن أبي حمزة -يعني التي عند المصنف هنا- ثم أتبعها برواية معمر المرسلة، ولم يقض فيهما بشيء، ولكن الحافظ ابن حجر في "العُجاب" ١/ ٣٥٦ صحح سند رواية شعيب بن أبي حمزة! مع أن في الحديث اختلافاً في الوصل والإرسال، وتردُّداً أيضاً في تعيين المقصود بقوله: "أبيه"، كما بينه الحافظ المنذري. الحكم بن نافع: هو أبو اليمان مشهور بكنيته، ومحمد بن يحيى بن فارس: هو الذهلي الحافظ صاحب "الزهريات". =