للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٣١٣٠ - حدَّثنا عثمانُ بن أبي شيبةَ، حدَّثنا جَريرٌ، عن منصورٍ، عن إبراهيمَ


= أحدها: أن ذلك خاص بمن أوصى أن يناح عليه، فيكون النوح بسبب فعله، ويكون هذا جارياً على المتعارف من عادة الجاهلية كما قال قائلهم:
إذا مت فانعيني بما أنا أهلُه ... وشقي على الجيبَ يا ابنة معبد
وهو كثير في أشعارهم ...
الثاني: أن ذلك خاص بمن كان النوح من عادته وعادة قومه وأهله وهو يعلم أنهم ينوحون عليه إذا مات، فإذا لم ينههم كان ذلك رضا منه بفعلهم، وذلك سبب عذابه، وهذا مسلك الإِمام البخاري في "صحيحه" قبل الحديث (١٢٨٤)، فإنه ترجم عليه وقال: إذا كان النوح من سننه.
الثالث: أن المراد بالحديث ما يتألم به الميت ويتعذب به من بكاء الحي عليه، وليس المراد أن الله تعالى يعاقبه ببكاء الحي عليه، فإن التعذيب هو من جنس الألم الذي يناله بمن يجاوره مما يتأذى به ونحوه، قال النبي -صلَّى الله عليه وسلم-: "السفر قطعة من العذاب " وليس هذا عذاباً على ذنب، وإنما هو تعذيب وتألم، فإذا وبخ الميت على ما يناح به عليه لحقه ذلك ألم وتعذيب، ويدل على ذلك ما روى البخاري في صحيحه (٤٢٦٧) عن النعمان بن بشير قال: أغمي على عبد الله بن رواحة، فجعلت أخته عمرة تبكي: واجبلاه واكذا واكذا تعدد عليه، فقال حين أفاق ما قلت شيئاً إلا قيل لي: أأنت كذلك؟ وهذا أصح ما قيل في هذا الحديث. ولا ريب أن الميت يسمع بكاء الحَيِّ ويسمع قرع نعالهم، وتعرض عليه أعمال أقاربه الأحياء، فماذا رأى ما يسوؤهم تالم له، وهذا ونحوه مما يتعذب به الميت ويتألم، ولا تعارض بين ذلك وبين قوله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} بوجه ما.
قال الحافظ ابن حجر في "الفتح" ٣١/ ١٥٥: وهذا اختيار أبي جعفر الطبري من المتقدمين، ورجحه ابن المرابط وعياض ومن تبعه، ونصره ابن تيمية وجماعة من المتأخرين.
قلنا: والمراد من البكاء بعضه لا جميعه وهو النوح، فقد جاءت الرخصة في البكاء عند المصيبة في غير نوح، فقد بكى رسول الله -صلَّى الله عليه وسلم- على ابنه إبراهيم، وقال لابن عوف: "إنها رحمة، وإن العين لتدمع والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا" رواه البخاري (١٣٠٣) وقد بكى رسول الله -صلَّى الله عليه وسلم- على عدد من الموتى كما ثبت في الأحاديث الصحيحة انظر تخريجها في التعلبق على "مستدركات عائشة" ص ١٨٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>