وروى أبو بكر بن عياش، عن يزيد بن أبي زياد، عن مقسم، عن ابن عباس؛ أنه صلَّى عليهم. رواه البيهقي، وقال: لا يحفظ إلا من حديثهما، وكانا غير حافظين، يعني أبا بكر ويزيد بن أبي زياد. وقد روى ابن إسحاق، عن رجل من أصحابه، عن مقسم، عن ابن عباس: أن النبي -صلَّى الله عليه وسلم- صلَّى على حمزة، فكبر سبع تكبيرات، ولم يؤت بقتيل إلا صلَّى عليه معه، حتى صلَّى عليه اثنتين وسبعين صلاة. ولكن هذا الحديث له ثلاث علل: إحداها: أن ابن إسحاق عنعنه، ولم يذكر فيه سماعاً، والثانية: أنه رواه عمن لم يسمّه، الثالثة: أن هذا قد روي من حديث الحسن بن عُمارة، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس، والحسن لا يحتج به. وقد سئل الحكم: أصلى النبي -صلَّى الله عليه وسلم- على قتلى أُحد؟ قال: لا. سأله شعبة. وقد روى أبو داود عن أبي سلام، عن رجل من أصحاب النبي -صلَّى الله عليه وسلم- وفيه: فصلى عليه ودفنه، فقالوا: يا رسول الله، أشهيد هو؟ قال: "نعم، وأنا له شهيد" وقد تقدم. قالوا: وهذه آثار يقوي بعضها بعضا، ولم يختلف فيها، وقد اختُلف في شهداء أحد. فكيف يؤخذ بما اختُلف فيه، وتترك هذه الآثار؟ والصواب في المسألة: أنه مخير بين الصلاة عليهم وتركها، لمجيء الآثار بكل واحد من الأمرين، وهذا إحدى الروايات عن الإمام أحمد، وهي الأليق بأصوله ومذهبه. والذي يظهر من أمر شهداء أحد: أنه لم يصل عليهم عند الدفن، وقد قتل معه بأُحد سبعون نفساً، فلا يجوز أن تخفى الصلاة عليهم. وحديث جابر بن عبد الله في ترك الصلاة عليهم صحح صريح، وأبوه عبد الله أحد القتلى يومئذٍ، فله من الخبرة ما ليس لغيره. وقد ذهب الحسن البصري وسعيد بن المسيب إلى أنهم يغسَّلون ويُصلى عليهم. وهذا تردُّة السنة المعروفة في ترك تغسيلهم. فأصح الأقوال: أنهم لا يُغسَّلون، ويخيَّر في الصلاة عليهم. وبهذا تتفق جميع الأحاديث، وبالله التوفيق. =