للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= قال الخطابي: وفي هذا بيان جواز أخذ الأجرة على تعليم القرآن. ولو كان ذلك حراماً لأمرهم النبي - صلَّى الله عليه وسلم - برد القطيع، فلما صوّب فعلهم، وقال لهم: "أحسنتم" ورضي الأجرة التي أخذوها لنفسه، فقال: "اضربوا لي معكم بسهم" ثبت أنه طِلْق مباح، وأن المذهب الذي ذهب إليه مَن جمع بين أخبار الأباحة والكراهة في جواز أخذ الأجرة على ما لا يتعين الفرض فيه على معلمه، ونفى جوازه على ما يتعين فيه التعليم مذهب سديد، وهو قول أبي سعيد الأصطخرى (قلنا: وقال المانعون من أخذ الأجرة: إن التَّطبُّب بالقرآن وأخذ الأجرة عليه حلال، وأما قراءة القرآن وأخذ الأجرة على تعليمه فغير جائز، لأنه عبادة وأخذ الأجرة على العبادة لا يجوز، وحجتهم حديث عبادة بن الصامت السالف برقم (٣٤١٦) وحديث عبد الرحمن بن شبل "اقرؤوا القرآن ولا تغلوا فيه ولا تجفوا عنه، ولا تأكلوا به، ولا تستكثروا به" وهو حديث صحيح أخرجه أحمد في "المسند" (١٥٥٢٩) وانظر تمام تخريجه فيه، وحديث عثمان بن أبي العاص قلت: يا رسول الله اجعلني إمام قومي، فقال: أنت إمامهم، واقتدِ بأضعفهم، واتخذ مؤذناً لا يأخذ على أذانه أجراً" أخرجه أحمد (١٦٢٧٠) وإسناده صحيح.
وقال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في تعليقه على "مختصر سنن أبي داود" للمنذري ٥/ ٧١: ليس في الحديث دلالة على أخذ الأجرة، لا على قراءة القرآن، ولا على تعليمه، فإن أهل الحي ما طلبوا أبا سعيد ليقرأ لهم قرآناً، ولا ليعلمهم، وإنما طلبوه ليعالج مريضَهم، فطلبوه طبيباً لا قارئاً ولا معلماً؟ وهو لم يجهر بما قرأ، ولا يعلمهم ما قرأ، ولم يكن يعلم أن في ذلك شفاء المريض. ولكنه أيقنَ أن الله عاقَب أهلَ الحي على منعهم أبا سعيد ورفقته حقهم من الضيافة. فسلط على رئيسهم ما لسعه مِن الهوام، ليلجئهم إلى أبي سعيد ورفقته، ويضطرهم إلى أن يرضخوا لحكمه فيما يطلب من الجعل، لأنه ورفقته بأشد الحاجة إلى الطعام. كل هذا فهمه أبو سعيد وصحبه، وعلى ذلك لم يقع من أبي سعيد ولا غيره من صحبه أنهم فعلوا ذلك مرة أخرى. ولو أنهم فهموا ذلك على أنه قاعدة مضطردة لفعلوه، وتتابعوا على فعله، ولاشتهر ذلك. والله أعلم. ومن يرد الله به خيراً يفقهه في الدين.

<<  <  ج: ص:  >  >>