قال الخطابي: يشبه أن يكون النهي متقدماً وآخر الأمرين الأباحة. وقال النووي في "شرح مسلم": قال القاضي [يعني عياضاً]: كان بين السلف من الصحابة والتابعين اختلاف كثير في كتابة العلم فكرهها كثيرون منهم وأجازها أكثرهم، ثم أجمع المسلمون على جوازها وزال ذلك الخلاف، واختلفوا في المراد بهذا الحديث الوارد في النهي، فقيل: هو في حقٌ من يُوثق بحفظه ويخاف اتكاله على الكتابة إذا كتب، وتحمل الأحاديث الواردة بالإباحة على من لا يوثق بحفظه، كحديث: "اكتبوا لأبي شاه" وحديث صحيفة علي رضي الله عنه، وحديث كتاب عمرو بن حزم الذي فيه الفرائض والسنن والديات، وحديث كتاب الصدقة ونُصُب الزكاة الذي بعث به أبو بكر رضي الله عنه أنساً رضي الله عنه حين وجهه إلى البحرين، وحديث أبي هريرة أن ابن عمرو بن العاص كان يكتب ولا أكتب، وغير ذلك من الأحاديث. وقيل: إن حديث النهي منسوخ بهذه الأحاديث، وكان النهي حين خيف اختلاطه بالقرآن، فلما أُمن ذلك أَذِن في الكتابة. وقيل: إنما نهى عن كتابة الحديث مع القرآن في صحيفة واحدة، لئلا يختلط فيشتبه على القارئ، والله أعلم. وقال الإِمام ابن القيم في "تهذيب السنن" ٥/ ٢٤٥: قد صحَّ عن النبي - صلَّى الله عليه وسلم - النهي عن الكتابة والإذن فيها، والإذن متأخر، فيكون ناسخاً لحديث النهي، فإن النبي - صلَّى الله عليه وسلم - قال في غزاة الفتح: "اكتبوا لأبي شاه" يعني خطبته التي سأل أبو شاه كتابتها، وأذن لعبد الله ابن عمرو في الكتابة، وحديثه متأخر عن النهي، لأنه لم يزل يكتب، ومات وعنده كتابته وهي الصحيفة النبي - صلَّى الله عليه وسلم - كان يُسميها الصادقة ولو كان النص عن الكتابة متاخراً، لمحاها عبد الله، لأمر النبي - صلَّى الله عليه وسلم - ما كُتِبَ عنه غير القرآن، فلما لم يمحُها وأثبتها دل على أن الإذن في الكتابة متأخر عن النهي عنها، وهذا واضح والحمد لله. وكتب النبي - صلَّى الله عليه وسلم - لعمرو بن حزم كتاباً عظيماً، فيه الديات وفرائض الزكاة وغيرها، وكتبه في الصدقات معروفة مثل كتاب عمر بن الخطاب وكتاب أبي بكر الصديق الذي دفعه إلى أنس رضي الله عنهم. =