والجملة: أنه كان فتنة قد امتحن الله به عباده المؤمنين يهلك من هلك عن بينة، ويحيى من حَىَّ عن بينة، وقد امتحن الله قوم موسى عليه السلام في زمانه بالعجل فافتتن به قوم، وهلكوا، ونجا من هداه الله وعصمه منهم. وقد اختلفت الروايات في أمره، وما كان من شأنه بعد كبره، فروي أنه قد تاب عن ذلك القول، ثم إنه مات بالمدينة وأنهم لما أرادوا الصلاة عليه كشفوا عن وجهه حتى رآه الناس، وقيل لهم: اشهدوا. وروي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال: شتمت ابن صيَّاد، فقال: ألم تسمع رسول الله - صلَّى الله عليه وسلم - يقول: "لا يدخل الدَّجَّال مكة"، وقد حججتُ معك، وقال: "لا يولد له" وقد ولِد لي. وكان ابن عمر وجابر بن عبد الله رضي الله عنهما فيما روي عنهما يحلفان أن ابن صياد هو الدَّجَّال لا يشكان فيه، فقيل لجابر: وإن أسلم؟ فقال: وإن أسلم، فقيل له: دخل مكة وكان بالمدينة؟ قال: وإن دخل. وقد روي عن جابر أنه قال: فقدنا ابن صَيَّاد يوم الحرة. قلت [القائل الخطابي]: وهذا خلاف رواية من روى أنه مات بالمدينة. قلنا: ونقل الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" ١٣/ ٣٢٦ عن الإِمام البيهقي أنه قال: الدَّجَّال الأكبر الذي يخرج في آخر الزمان غير ابن صياد، وكان ابن صياد أحد الدجالين الكذابين الذين أخبر -صلَّى الله عليه وسلم- بخروجهم، وقد خرج أكثرهم، وكأن الذين يجزمون بأن ابن صياد هو الدَّجَّال لم يسمعوا بقصة تميم وإلا فالجمع بينهما بعيد جداً، إذ كيف يلتئم أن يكون من كان في أثناء الحياة النبوية شبه المحتلم، ويجتمع به النبي - صلَّى الله عليه وسلم -، ويسأله، أن يكون في آخرها شيخا كلبيراً مسجوناً في جزيرة من جزائر البحر مُوثقاً بالحديد، يستفهم عن خبر النبي - صلَّى الله عليه وسلم -، هل خرج أو لا، فالأولى أن يُحمل على عدم الاطلاع، أما عمر فيحتمل أن يكون ذلك منه (يعني قسمه أمام النبي - صلَّى الله عليه وسلم - أن ابن صياد هو الدَّجَّال =