وفيه من الفقه أن الدعوى في القسامة مخالفة لسائر الدعاوى، وأن اليمين يبدأ فيها بالمُدير قبل المُدّعَى عليه. وفيه دلالة على وجوب رد اليمين على المدعي عند نكول المُدعى عليه. وقد اختلف الناس فيمن يبدأ فيه بالقسامة، فقال مالك والشافعي وأحمد بن حنبل: يبدأ بالمدعين قولاً بظاهر الحديث. وقال أبو حنيفة وأصحابه: يبدأ بالمدعى عليه على قضية سائر الدعارى. قلت [القائل الخطابي]: وهذا حكم خاص ّجاءت به السنة، لا يقاس على سائر الأحكام، وللشريعة أن تخص كما لها أن تعم، ولها أن تخالف بين سائر الأحكام المتشابهة في الصفة، كما لها أن توفق بينها، ولها نظائر كثيرة في الأصول. وقال أبو حنيفة وأصحابُه: إن المدعى عليهم يحلفون ويغرمون الدية، وليس في شيء من الأصول اليمين مع الغرامة، وإنما جاءت اليمين في البراءة أو الاستحقاق على مذهب من قال باليمين مع الشاهد، وقد بُدئ في اللعان بالمدعي وهو الزوج وإنما هو أيمان. ألا ترى أن المتلاعنين يقولان: نشهد بالله، فلو كان معنى اللعان معنى الشهادة لجاز فيه حذف الاسم واقتصر على مجرد قولهما: نشهد، وقد قال -صلَّى الله عليه وسلم- في حديث الملاعنة: "لولا الأيمان لكان لي ولها شأن" فثبت أن اللعان أيمان ثم كان مبدوءاً فيه بالمدعي كما ترى. قلت: وفي إلزامه اليهود بقوله: "فيدفع برُمَّته" دليل على أن الدية تجب على سكان المحلة دون أرباب الخطة؛ لأن خيبر كانت للمهاجرين والأنصار. وفيه دليل على أن المدعى عليهم إذا حلفوا برئوا من الدم، وهو قوله: "فتبرِّئكم يهود بإيمان خمسين منهم". وفيه أن الحكم بين المسلم والذمي كالحكم بين المسلمين في الاحتساب بيمينه وإبرائه بها عن الحق المدعى قبله. وفيه أن يمين المشرك مسموعة على المسلم كيمين المسلم عليه، وقال مالك: لا تسمع أيمانهم على المسلمين كشهاداتهم. =