وحدَّثنا هَنَّادُ بنُ السَّريِّ، عن قَبيصةَ، قالا: حدَّثنا أبو رجاء، عن أبي الصَّلْت -وهذا لفظ حديث ابن كثير ومعناهم- قال:
كَتَبَ رجلٌ إلى عمر بن عبد العزيز يسأله عن القدَر، فكَتَب: أما بعدُ، أوصيكَ بتقوى الله، والاقتصادِ في أمره، واتباعِ سنَةِ رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وتركِ ما أحدَثَ المُحْدِثون بعد ما جَرَت به سُنته، وكفُوا مُؤْنته، فعليكَ بلزوم السنة، فإنها لك -بإذن الله- عصمة.
ثم اعلَمْ أنه لم يبتدع الناسُ بدعةً إلا قد مضى قبلها ما هو دَليلٌ عليها أو عِبرةٌ فيها، فإن السنَّةَ إنما سنَّها مَن قد علم ما في خلافه -ولم يقل ابن كثير: من قد علم- من الخطا والزَّلَل والحُمقِ والتَعَمُّقِ، فارضَ لنفسك ما رَضي به القومُ لأنفسهم، فنهم على علمٍ وقَفُوا، وببصرٍ نافذٍ كفُوا، وهم على كشفِ الأمور كانوا أقوى، وبفضل ما كانوا فيه أولى، فإن كان الهدى ما أنتم عليه لقد سَبقْتُموهم إليه، ولَئنْ قلتم: إنما حدث بعدهم ما أحدثه إلا من اتبعَ غيرَ سبيلِهم، ورَغِبَ بنفسه عنهم، فإنهم هم السَّابقون، فقد تكلَّموا فيه بما يكفي، ووصفوا منه ما يشفي، فما دونهم مِن مَقْصَرٍ، وما فوقهم مِن مَحْسَرٍ، وقد قَصَّرَ قوم دونهم فجَفَوْا، وطَمَحَ عنهم أقوام فغَلَوْا، وإنّهم بين ذلك لعلى هدًى مستقيم، كتبتَ تسالُ عن الإقرارِ بالقَدَرِ، فعلى الخبير -بإذن الله- وقَعْتَ، ما أعلَمُ ما أحْدَثَ الناسُ من مُحْدَثةٍ، ولا ابتدعوا من بدعةٍ هي أبينُ أثراً ولا أثبتُ أمراً من الإقرار بالقَدَر، لقد كان ذكرُه في الجاهليةِ الجهلاء، يتكلمون به في كلامهم وفي شعرهم، يُعَزُّون به أنفسَهم على ما فاتهم، ثم لم يَزِدْهُ الإسلام بعدُ إلا شِدَّةً، ولقد ذكرَهُ رسولُ الله-صلى الله عليه وسلم -