للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فكتابُ أبي داود أعلى ما فيه من الثابت ما أخرجه الشيخان، وذلك نحو مِنْ شطرِ الكتاب، ثم يليه ما أخرجه أحد الشيخين، ورغب عنه الآخرُ، ثم يليه ما رغبا عنه وكان إسناده جيداً، وسالماً من علة وشذوذ، ثم يليه ما كان إسنادُه صالحاً، وقبله العلماء لمجيئه من وجهين ليِّنَين فصاعداً يعضد كل منهما الآخر، ثم يليه ما ضعف إسناده لنقص حفظ راويه، فمثل هذا يمشيه أبو داود ويسكت عنه غالباً، ثم يليه ما كان بين الضعفِ من جهة راويه، فهذا لا يسكت عنه، بل يوهنه غالباً، وقد يسكت عنه بحسب شهرته ونكارته، والله أعلم (١).

وقال الحافظ البقاعي في "النكت الوفية" الورقة ٧٢ ب-٧٣أ: ليس بمسلم أن كل ما سكت عليه أبو داود يكون حسناً، بل هو وهم أتى من جهة أن أبا داود يريدُ بقوله: "صالح" الصلاحية الاصطلاحية، ومِن فهمِ أن" أصح" في قوله: "وبعضها أصح من بعض" تقتضي اشتراكاً في الصحة، وكذا قوله: "إنه يذكر في كل باب أصح ما عرف فيه" وليس الأمر في ذلك كذلك، أما من جهة قوله: "صالح" فلأنه يحتمل أن يريد صلاحيته للاحتجاج، فكذا يحتمل أن يريد صلاحيته للاعتبار، فإن أبا داود قال في "الرسالة" التي أرسلها إلى من سأله عن اصطلاحه في كتابه: "ذكرت فيه الصحيح، وما يشبهه ويقاربه، وما فيه وهن شديد بينته، وما لا فصالح، وبعضها أصح من بعض (٢).


(١) "سير أعلام النبلاء" ١٣/ ٢١٤.
(٢) كلمة أبي داود هذه ليست في "رسالته" المعروفة، وإنما رواها عنه ابن داسه، رواها الخطيب في "تاريخ بغداد" ٩/ ٥٧ بإسناده، وقد نبّه على ذلك الشيخ عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>