قوله: مَا عَنِتُّمْ، (ما) : مصدرية، وليست موصولة؛ أي: عنتكم؛ أي: مشقتكم؛ لأن العنت بمعنى المشقة، قال تعالى:{ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ}[النساء: ٢٥] .
والفعل بعد:(ما) يئول إلى مصدر مرفوع، لكن بماذا هو مرفوع؟
يختلف باختلاف (عزيز) إذا قلنا: بأن (عزيز) صفة لرسول؛ صار المصدر المئول فاعلا به؛ أي: عزيز عليه عنتكم، وإن قلنا: عزيز خبر مقدم، صار عنتكم مبتدأ، والجملة حينئذ تكون كلها صفة لرسول، أو يقال: عزيز مبتدأ، وعنتكم فاعل سد مسد الخبر على رأي الكوفيين الذي أشار ابن مالك في قوله: وقد يجوز نحو فائز أولو الرشد.
قوله:{حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ} ، الحرص: بذل الجهد لإدراك أمر مقصود، والمعنى: باذل غاية جهده في مصلحتكم؛ فهو جامع بين أمرين: دفع المكروه الذي أفاده قوله: {عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ} ، وحصول المحبوب الذي أفاده قوله:{حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ} ؛ فكان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جامعا بين هذين الوصفين، وهذا من نعمة الله علينا وعلى الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يكون على هذا الخلق العظيم الممثل بقوله تعالى:{وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}[القلم: ٤] .