للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله: مَا عَنِتُّمْ، (ما) : مصدرية، وليست موصولة؛ أي: عنتكم؛ أي: مشقتكم؛ لأن العنت بمعنى المشقة، قال تعالى: {ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ} [النساء: ٢٥] .

والفعل بعد: (ما) يئول إلى مصدر مرفوع، لكن بماذا هو مرفوع؟

يختلف باختلاف (عزيز) إذا قلنا: بأن (عزيز) صفة لرسول؛ صار المصدر المئول فاعلا به؛ أي: عزيز عليه عنتكم، وإن قلنا: عزيز خبر مقدم، صار عنتكم مبتدأ، والجملة حينئذ تكون كلها صفة لرسول، أو يقال: عزيز مبتدأ، وعنتكم فاعل سد مسد الخبر على رأي الكوفيين الذي أشار ابن مالك في قوله: وقد يجوز نحو فائز أولو الرشد.

قوله: {حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ} ، الحرص: بذل الجهد لإدراك أمر مقصود، والمعنى: باذل غاية جهده في مصلحتكم؛ فهو جامع بين أمرين: دفع المكروه الذي أفاده قوله: {عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ} ، وحصول المحبوب الذي أفاده قوله: {حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ} ؛ فكان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جامعا بين هذين الوصفين، وهذا من نعمة الله علينا وعلى الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يكون على هذا الخلق العظيم الممثل بقوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: ٤] .

قوله: {بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} ، بِالْمُؤْمِنِينَ: جار ومجرور خبر مقدم، و (رءوف) : مبتدأ مؤخر، و (رحيم) : مبتدأ ثان، وتقديم الخبر يفيد الحصر.

والرأفة: أشد الرحمة وأرقها.

والرحمة: رقة بالقلب تتضمن الحنو على المرحوم والعطف عليه بجلب الخير له ودفع الضرر عنه.

وقولنا: رقة في القلب هذا باعتبار المخلوق، أما بالنسبة لله تعالى؛ فلا

<<  <  ج: ص:  >  >>