للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلا يخفى على فضيلتكم أن هذا الكلام من ابن القيم - كما تفضلتم في تعليقكم في الرسالة- يدل على قرن المقيم في البلد بالمستوطن بها، وككلامها لا يسوغ له استباحة رخص السفر. ولكن ماذا يعني ابن القيم - رحمه الله- بالإقامة؟ أيعني بها مطلق الإقامة الصادق بإقامة اليوم واليومين والساعة والساعتين؟ أم يعني بها الإقامة المحددة بمدة تبلغ أربعة أيام أو أقل أو أكثر حسب أقوال المحددين؟ أم يعني بها الإقامة المطلقة التي ينهى المسافر بها سفره ويلقي عصا التسيار ولا يقيدها بعمل ولا زمن؟ هذه هي الاحتمالات التي يحتمل أن يعني بها الإقامة:

أما الاحتمال الأول: فلا يمكن لمخالفته النص.

وأما الاحتمال الثاني: فلا يمكن أيضاً إذ لو كان معيناً لحدد الإقامة به، ولأنه صرح في صرح في كلامه هذا أن طول هذه المدة وقصرها سواء، ولأنه قال في نفس الصفحة، فهذا هدي رسول الله صلي الله عليه وسلم ما ترى، وهو الصواب، ثم ذكر في الصفحة التالية والتي بعدها مذاهب الناس في التحديد، ومنها ما قاله عن عائشة -رضي الله عنها- يقصر ما لم يضع الزاد والمزاد.

وإذا لم يمكن أن يعني ابن القيم بالإقامة الاحتمالين الأولين تعين الاحتمال الثالث وهو أن يعني بها الإقامة المطلقة التي ينهي بها المسافر سفره، ويلقى عصا التسيار ولا يقيدها بزمن ولا عمل، وذلك لأنه أنهى سفره وصار كالمستوطن، إلا أن الفرق بينهما أن المستوطن يتخذ البلد وطناً يأتي بأهله إليها إن كان ذا أهل ويقطع بنيته صلته ببلده، أما المقيم بدون استطيان فهو الذي يقيم في البلد

<<  <  ج: ص:  >  >>