وأما الاثم المذكور ثانياً فهو إثمه فيما قارفه من الذنوب التي بينه وبين الله عز وجل، سوى الإثم الذي قارفه من القتل، فهو يبوء به إذا أعفي عن القتل، ولو قتل لكان القتل كفارة، والله أعلم. قلنا: وقد روي بلفظ: "يبوء بإثمك وإثم صاحبك" عند مسلم (١٦٨٠) وغيره وعليه يكون المعنى على ما قاله النووي في "شرح مسلم": قيل: معناه يتحمل إثم المقتول بإتلافه مُهجته، وإثم الولي لكونه فجعه في أخيه، ويكون قد أوحي إليه -صلَّى الله عليه وسلم- بذلك في هذا الرجل خاصة. ويحتمل أن معناه: يكون عفوك عنه سبباً لسقوط إثمك وإثم أخيك المقتول، والمراد إثمهما السابق بمعاصٍ لهما متقدمة، لا تعلق لها بهذا القاتل، فيكون معنى "يبوء": يسقط، وأطلق هذا اللفظ عليه مجازاً. (١) إسناده صحيح. وقال يحيى بن سعيد القطان فيما نقله عنه النسائي في "الكبرى" (٥٩٣٥): وهذا أحسن من الذي قبله. وأخرجه النسائي في "الكبرى" (٥٩٣٥) و (٦٩٠١) من طريق يحيى بن سعيد القطان، و (٦٩٠٢) من طريق حفص بن عمر الحوضي، كلاهما عن جامع بن مطر، به. وقد ذكر حفص لفظه بتمامه، وفيه أنه -صلَّى الله عليه وسلم- أمره بالعفو ثلاث مرات، ثم قال له: "اذهب، إن قتلته، كنت مثله". وقوله في هذه الرواية: "إن قتلته كنت مثله" سيأتي في رواية سماك عن علقمة الآتية بعده. وانظر تأويلها هناك. وأخرجه مسلم (١٦٨٠)، والنسائي في "الكبرى" (٦٩٠٥) من طريق إسماعيل ابن سالم، عن علقمة، عن أبيه قال: أتي رسول الله - صلَّى الله عليه وسلم - برجل قتل رجلاً، فأقاد وليّ المقتول منه، فانطلق به وفي عنقه نسعة يجرها فلما أدبر، قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلم -: "القاتل والمقتول في النار" فأتى رجلٌ الرجلَ فقال له مقالة رسول الله - صلَّى الله عليه وسلم -، فخلّى عنه. =