للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(طب) , وَعَنْ زُرَارَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ , إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} , قَالَ: نَزَلَتْ فِي أُنَاسٍ مِنْ أُمَّتِي فِي آخِرِ الزَّمَانِ , يُكَذِّبُونَ بِقَدَرِ اللهِ " (١)

الشرح (٢)


(١) (طب) ٥٣١٦ , انظر الصَّحِيحَة: ١٥٣٩
(٢) قال النووي في شرح مسلم (١/ ٧٠): اعْلَمْ أَنَّ مَذْهَب أَهْل الْحَقّ إِثْبَات الْقَدَر وَمَعْنَاهُ: أَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَدَّرَ الْأَشْيَاء فِي الْقِدَم، وَعَلِمَ سُبْحَانه أَنَّهَا سَتَقَعُ فِي أَوْقَات مَعْلُومَة عِنْدَه سُبْحَانَه وَتَعَالَى , وَعَلَى صِفَاتٍ مَخْصُوصَة , فَهِيَ تَقَعُ عَلَى حَسْبِ مَا قَدَّرَهَا سُبْحَانه وَتَعَالَى.
وَأَنْكَرَتْ الْقَدَرِيَّةُ هَذَا , وَزَعَمْت أَنَّهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى لَمْ يُقَدِّرْهَا , وَلَمْ يَتَقَدَّمْ عِلْمُهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى بِهَا , وَأَنَّهَا مُسْتَأنَفَةُ الْعِلْمِ , أَيْ: إِنَّمَا يَعْلَمُهَا سُبْحَانَهُ بَعْدَ وُقُوعِهَا , وَكَذَبُوا عَلَى اللهِ سُبْحَانه وَتَعَالَى , وَجَلَّ عَنْ أَقْوَالِهِمْ الْبَاطِلَة عُلُوًّا كَبِيرًا.
وَسُمِّيَتْ هَذِهِ الْفِرْقَةُ " قَدَرِيَّةً " , لِإِنْكَارِهِمْ الْقَدَرَ , قَالَ أَصْحَاب الْمَقَالَات مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ: وَقَدْ اِنْقَرَضَتْ الْقَدَرِيَّة الْقَائِلُونَ بِهَذَا الْقَوْل الشَّنِيع الْبَاطِل، وَلَمْ يَبْقَ أَحَد مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ عَلَيْهِ، وَصَارَتْ الْقَدَرِيَّةُ فِي الْأَزْمَانِ الْمُتَأَخِّرَةِ تَعْتَقِدُ إِثْبَاتَ الْقَدَرِ؛ وَلَكِنَّهُم يَقُولُونَ: الْخَيْرُ مِنْ اللهِ , وَالشَّرُّ مِنْ غَيْره، تَعَالَى اللهُ عَنْ قَوْلِهِمْ. وقال الحافظ في الفتح (ح٥٠): وَالْقَدَرِيَّة الْيَوْم مُطْبِقُونَ عَلَى أَنَّ اللهَ عَالِمٌ بِأَفْعَالِ الْعِبَاد قَبْل وُقُوعهَا، وَإِنَّمَا خَالَفُوا السَّلَف فِي زَعْمِهِمْ بِأَنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ مَقْدُورَةٌ لَهُمْ وَوَاقِعَة مِنْهُمْ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِقْلَال، وَهُوَ - مَعَ كَوْنه مَذْهَبًا بَاطِلًا - أَخَفُّ مِنْ الْمَذْهَبِ الْأَوَّلِ , وَأَمَّا الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْهُمْ , فَأَنْكَرُوا تَعَلُّقَ الْإِرَادَةِ بِأَفْعَالِ الْعِبَاد , فِرَارًا مِنْ تَعَلُّقِ الْقَدِيم بِالْمُحْدَثِ، وَهُمْ مَخْصُومُونَ بِمَا قَالَ الشَّافِعِيّ: إِنْ سَلَّمَ الْقَدَرِيُّ بِالْعِلْمِ خُصِمَ , يَعْنِي: يُقَال لَهُ: أَيَجُوزُ أَنْ يَقَع فِي الْوُجُودِ خِلَافُ مَا تَضَمَّنَهُ الْعِلْم؟ , فَإِنْ مَنَعَ , وَافَقَ قَوْلَ أَهْلِ السُّنَّة، وَإِنْ أَجَازَ , لَزِمَهُ نِسْبَةُ الْجَهْل، تَعَالَى الله عَنْ ذَلِكَ.