للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الدَّمُ الْخَارِجُ مِنَ السَّبِيلَيْن

(خ م د) , عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ - رضي الله عنها - قَالَتْ: (جَاءَتْ امْرَأَةٌ إلَى النَّبِيِّ - صلى اللهُ عليه وسلَّم -) (١) (فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ , أَرَأَيْتَ إِحْدَانَا إِذَا أَصَابَ ثَوْبَهَا الدَّمُ مِنْ الْحَيْضَةِ) (٢) (كَيْفَ تَصْنَعُ بِهِ؟ , قَالَ: " تَحُتُّهُ , ثُمَّ تَقْرُصُهُ بِالْمَاءِ , ثُمَّ) (٣) (لْتَنْضَحْ مَا لَمْ تَرَ , وَلْتُصَلِّ فِيهِ ") (٤)

الشَّرْح:

(جَاءَتْ امْرَأَةٌ إلَى النَّبِيِّ - صلى اللهُ عليه وسلَّم -) (فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ , أَرَأَيْتَ إِحْدَانَا إِذَا أَصَابَ ثَوْبَهَا الدَّمُ مِنْ الْحَيْضَةِ , كَيْفَ تَصْنَعُ بِهِ؟)

(قَالَ: تَحُتُّهُ) أَيْ: تَقْشُرهُ وَتَحُكّهُ وَتَنْحِتهُ. النووي (١١٠ - ٢٩١)

وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ إِزَالَةُ عَيْنِهِ. فتح٢٢٧

قَالَ الْأَزْهَرِيّ: الْحَتّ , أَيْ: يَحُكُّ بِطَرَفِ حَجَرٍ أَوْ عُودٍ. عون٣٦١

(ثُمَّ تَقْرُصُهُ بِالْمَاءِ) أَيْ: تُدَلِّكُ مَوْضِعَ الدَّمِ بِأَطْرَافِ أَصَابِعِهَا لِيَتَحَلَّلَ بِذَلِكَ وَيَخْرُجَ مَا تَشَرَّبَهُ الثَّوْبُ مِنْهُ. فتح٢٢٧

قَالَ الْأَزْهَرِيّ: الْقَرْص: أَنْ يَدْلُك بِأَطْرَافِ الْأَصَابِع وَالْأَظْفَار دَلْكًا شَدِيدًا , وَيَصُبّ عَلَيْهِ الْمَاء , حَتَّى تَزُولَ عَيْنُه وَأَثَرُه. عون٣٦١

والحاصل أن قوله: (تَحُتُّهُ) المراد به: الفرك يابسا , وقوله: (تَقْرُصُهُ بِالْمَاءِ) المراد به الدلك مع صبِّ الماء ليتحلَّل. ذخيرة٢٩٣

(ثُمَّ لْتَنْضَحْ) أَيْ: تَغْسِلَهُ , قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ. فتح٢٢٧

(مَا لَمْ تَرَ) أَيْ: الْمَوْضِع الَّذِي لَمْ تَرَ فِيهِ أَثَر الدَّم وَلَكِنْ شَكَّتْ فِيهِ. عون٣٦٠

وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: الْمُرَادُ بِهِ الرَّشُّ؛ لِأَنَّ غَسْلَ الدَّمِ اسْتُفِيدَ مِنْ قَوْلِهِ تَقْرُصُهُ بِالْمَاءِ، وَأَمَّا النَّضْحُ فَهُوَ لِمَا شَكَّتْ فِيهِ مِنَ الثَّوْبِ. فتح٢٢٧

قُلْتُ: ويؤيد ما ذهب إليه القرطبي رواية الترمذي (١٣٨) فهي صريحة في ذكر الرَّشّ: " حُتِّيهِ، ثُمَّ اقْرُصِيهِ بِالمَاءِ، ثُمَّ رُشِّيهِ، وَصَلِّي فِيهِ "

قَالَ الْحَافِظُ: فَعَلَى هَذَا , فَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ تَنْضَحُهُ يَعُودُ عَلَى الثَّوْبِ بِخِلَافِ " تَحُتُّهُ " فَإِنَّهُ يَعُودُ عَلَى الدَّمِ فَيَلْزَمُ مِنْهُ اخْتِلَافُ الضَّمَائِرِ , وَهُوَ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ.

قَالَ الْحَافِظُ: ثُمَّ إِنَّ الرَّشَّ عَلَى الْمَشْكُوكِ فِيهِ لَا يُفِيدُ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ طَاهِرًا فَلَا حَاجَةَ إِلَيْهِ , وَإِنْ كَانَ مُتَنَجِّسًا لَمْ يَطْهُرْ بِذَلِكَ , فَالْأَحْسَنُ مَا قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ. فتح٢٢٧

(ثُمَّ تُصَلِّي فِيهِ) أَيْ: في ذلك الثوب الذي طهر على الكيفية المذكورة , وهو أمر إباحة , لأنه لا يجب عليها أن تصلي في ذلك الثوب إذا كان لها ثوب غيره. ذخيرة٢٩٣

فَوائِدُ الْحَدِيث:

فِيهِ جَوَازُ سُؤَالِ الْمَرْأَةِ عَمَّا يُسْتَحَى مِنْ ذِكْرِهِ، وَالْإِفْصَاحُ بِذِكْرِ مَا يُسْتَقْذَرُ لِلضَّرُورَةِ. فتح٣٠٧

وَأَنَّ دَمَ الْحَيْضِ كَغَيْرِهِ مِنَ الدِّمَاءِ فِي وُجُوبِ غَسْلِهِ. فتح٣٠٧

وأن طهارة السترة شرط لصحة الصلاة. ذخيرة٢٩٣

وأن المرأة تصلي في الثوب الذي تحيض فيه , وإن أصابه دم الحيض إذا غسلته , فلا يلزمها إعداد ثوب آخر للصلاة. ذخيرة٢٩٣

وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ فَرْكِ النَّجَاسَةِ الْيَابِسَةِ لِيَهُونَ غَسْلُهَا. فتح٣٠٧

وَفِيهِ أَنَّ إِزَالَة النَّجَاسَة لَا يُشْتَرَط فِيهَا الْعَدَد بَلْ يَكْفِي فِيهَا الْإِنْقَاء. النووي (١١٠ - ٢٩١)

قَالَ الْخَطَّابِيُّ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ النَّجَاسَاتِ إِنَّمَا تُزَالُ بِالْمَاءِ دُونَ غَيْرِهِ مِنَ الْمَائِعَاتِ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ النَّجَاسَاتِ بِمَثَابَةِ الدَّمِ لَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِجْمَاعًا وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ أَيْ يَتَعَيَّنُ الْمَاءُ لِإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ.

قَالَ الْحَافِظُ: تُعُقِّبَ اسْتِدْلَالُ مَنِ اسْتَدَلَّ عَلَى تَعْيِينِ إِزَالَةِ النَّجَاسَةِ بِالْمَاءِ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ بِأَنَّهُ مَفْهُومُ لَقَبٍ , وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ عِنْدَ الْأَكْثَرِ؛ وَلِأَنَّهُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ فِي الِاسْتِعْمَالِ لَا الشَّرْطِ.

وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْخَبَرَ نَصَّ عَلَى الْمَاءِ , فَإِلْحَاقُ غَيْرِهِ بِهِ بِالْقِيَاسِ، وَشَرْطُهُ أَنْ لَا يَنْقُصَ الْفَرْعُ عَنِ الْأَصْلِ فِي الْعِلَّةِ , وَلَيْسَ فِي غَيْرِ الْمَاءِ مَا فِي الْمَاءِ مِنْ رِقَّتِهِ وَسُرْعَةِ نُفُوذِهِ , فَلَا يَلْحَقُ بِهِ. فتح٢٢٧


(١) (م) ١١٠ - (٢٩١) , (خ) ٢٢٥
(٢) (خ) ٣٠١ , بَاب غَسْلِ دَمِ الْمَحِيضِ
(٣) (م) ١١٠ - (٢٩١) , (خ) ٢٢٥ , (ت) ١٣٨ , (س) ٢٩٣
(٤) (د) ٣٦٠