مِنْ عَلَامَاتِ السَّاعَةِ الصُّغْرَى مَقْتَلُ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ - رضي الله عنه -
(م) , عَنْ جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللهِ البَجَلِيِّ قَالَ: جِئْتُ يَوْمَ الْجَرَعَةِ (١) فَإِذَا رَجُلٌ جَالِسٌ , فَقُلْتُ: لَيُهْرَاقَنَّ الْيَوْمَ هَاهُنَا دِمَاءٌ , فَقَالَ ذَاكَ الرَّجُلُ: كَلَّا وَاللهِ , فَقُلْتُ: بَلَى وَاللهِ , فَقَالَ: كَلَّا وَاللهِ , فَقُلْتُ: بَلَى وَاللهِ , فَقَالَ: كَلَّا وَاللهِ , إِنَّهُ لَحَدِيثٌ حَدَّثَنِيهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - , فَقُلْتُ لَهُ: بِئْسَ الْجَلِيسُ لِي أَنْتَ مُنْذُ الْيَوْمِ , تَسْمَعُنِي أُخَالِفُكَ وَقَدْ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فلَا تَنْهَانِي؟ , ثُمَّ قُلْتُ: مَالِي وَلِلْغَضَبِ؟ , فَأَقْبَلْتُ عَلَيْهِ أَسْأَلُهُ فَإِذَا الرَّجُلُ حُذَيْفَةُ. (٢)
الشرح (٣)
(١) (الْجَرَعَة): مَوْضِع بِقُرْبِ الْكُوفَة عَلَى طَرِيق الْحِيرَة. النووي (٩/ ٢٧٢)
(٢) (م) ٢٨٩٣ , (حم) ٢٣٤٣٦
(٣) قال ابن كثير في (البداية والنهاية) ط إحياء التراث (٧/ ١٨٥ - ١٩٠) (مُخْتَصَرًا):
سَنَةُ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ , وَفِيهَا سَيَّرَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَان جَمَاعَةً مِنْ " قُرَّاءِ أَهْلِ الْكُوفَةِ " إِلَى الشَّامِ, وَكَانَ سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّهُمْ تَكَلَّمُوا بِكَلَامٍ قَبِيحٍ فِي مَجْلِسِ سَعِيدِ بْنِ العاص (أمير الكوفة من جهة عثمان) فَكَتَبَ إِلَى عُثْمَانَ فِي أَمْرِهِمْ , فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُثْمَانُ أَنْ يُجْلِيَهُمْ عَنْ بَلَدِهِ إِلَى الشَّامِ , وَكَتَبَ عُثْمَانُ إِلَى مُعَاوِيَةَ أَمِيرِ الشَّامِ أَنَّهُ قد خَرَج إِلَيْكَ قُرَّاءٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ , فَأَنْزِلْهُمْ وَأَكْرِمْهُمْ وَتَألَفْهُمْ.
فلمَّا قَدِمُوا أَنْزَلَهُمْ مُعَاوِيَةُ وَأَكْرَمَهُمْ , وَاجْتَمَعَ بِهِمْ , وَوَعَظَهُمْ وَنَصَحَهُمْ فِيمَا يَعْتَمِدُونَهُ مِنِ اتِّبَاعِ الجماعة وترك الانفراد والابتعاد , فأجاب مُتَكَلِّمُهُمْ وَالْمُتَرْجِمُ عَنْهُمْ بِكَلَامٍ فِيهِ بَشَاعَةٌ وَشَنَاعَةٌ , فَاحْتَمَلَهُمْ مُعَاوِيَةُ لِحِلْمِهِ , وَأَخَذَ فِي مَدْحِ قُرَيْشٍ - وَكَانُوا قَدْ نَالُوا مِنْهُمْ - وَأَخَذَ فِي الْمَدْحِ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ , وَالصَّلَاةِ وَالتَّسْلِيمِ , فَإِذَا هُمْ يَتَمَادَوْنَ فِي غَيِّهِمْ , وَيَسْتَمِرُّونَ عَلَى جَهَالَتِهِمْ وَحَمَاقَتِهِمْ , فَعِنْدَ ذَلِكَ أَخْرَجَهُمْ مِنْ بَلَدِهِ , وَنَفَاهُمْ عَنِ الشَّامِ لِئَلَّا يُشَوِّشُوا عُقُولَ الطَّغَامِ , وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ يَشْتَمِلُ مَطَاوِي كَلَامِهِمْ عَلَى الْقَدْحِ فِي قُرَيْشٍ , كَوْنَهُمْ فَرَّطُوا وَضَيَّعُوا مَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنَ الْقِيَامِ فِيهِ مِنْ نُصْرَةِ الدِّينِ وَقَمْعِ الْمُفْسِدِينَ , وَإِنَّمَا يُرِيدُونَ بِهَذَا التَّنْقِيصَ وَالْعَيْبَ وَرَجْمَ الْغَيْبِ. وَكَانُوا يَشْتُمُونَ عُثْمَانَ , وَسَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ , وَكَانُوا تِسْعَةً: كُمَيْلُ بْنُ زِيَادٍ، وَالْأَشْتَرُ النَّخَعِيُّ - وَاسْمُهُ مَالِكُ بْنُ يَزِيدَ - وَعَلْقَمَةُ بْنُ قَيْسٍ النَّخَعِيِّ، وَثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ النَّخْعِيُّ، وَجُنْدُبُ بْنُ زُهَيْرٍ الْعَامِرِيُّ، وَجُنْدُبُ بْنُ كَعْبٍ الْأَزْدِيُّ , وَعُرْوَةُ بْنُ الْجَعْدِ , وَعَمْرُو بْنُ الْحَمِقِ الْخُزَاعِيُّ. وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ سَيَّرَ عُثْمَانُ بَعْضَ أَهْلِ الْبَصْرَةِ مِنْهَا إِلَى الشَّامِ وَإِلَى مِصْرَ بِأَسْبَابٍ مُسَوِّغَةٍ لِمَا فَعَلَهُ - رضي الله عنه - فَكَانَ هَؤُلَاءِ مِمَّنْ يُؤَلِّبُ عَلَيْهِ , وَيُمَالِئُ الْأَعْدَاءَ فِي الْحَطِّ وَالْكَلَامِ فِيهِ , وَهُمُ الظَّالِمُونَ فِي ذَلِكَ , وَهُوَ الْبَارُّ الرَّاشِدُ - رضي الله عنه -.
ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ أَرْبَعٍ وَثَلَاثِينَ
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ تَكاتَبَ المنحرفون عن طاعة عثمان , " وَكَانَ جُمْهُورُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ " , وَثَارُوا عَلَى سعيدِ بن العاص أَمِيرِ الْكُوفَةِ , وَتَأَلَّبُوا عَلَيْهِ , وَنَالُوا مِنْهُ وَمِنْ عُثْمَانَ , وَبَعَثُوا إِلَى عُثْمَانَ مَنْ يُنَاظِرُهُ فِيمَا فَعَلَ , وَفِيمَا اعْتَمَدَ مَنْ عَزْلِ كَثِيرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ , وَتَوْلِيَةِ جَمَاعَةٍ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ مِنْ أَقْرِبَائِهِ , وَأَغْلَظُوا لَهُ فِي الْقَوْلِ , وَطَلَبُوا مِنْهُ أن يعزِل عُمَّالَه , ويستبدل أئمةً غَيْرَهُمْ مِنَ السَّابِقَيْنَ وَمِنَ الصَّحَابَةِ , حتَّى شقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ جِدًّا , وَبَعَثَ إِلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ فَأَحْضَرَهُمْ عِنْدَهُ لِيَسْتَشِيرَهُمْ، فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ أَمِيرُ الشَّامِ، وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ أَمِيرُ مِصْرَ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ أبي سرح أمير المغرب، وسعيد بن الْعَاصِ أَمِيرُ الْكُوفَةِ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ عَامِرٍ أَمِيرُ الْبَصْرَةِ , فَاسْتَشَارَهُمْ فِيمَا حَدَثَ مِنَ الْأَمْرِ وَافْتِرَاقِ الْكَلِمَةِ. فَعِنْدَ ذَلِكَ قَرَّرَ عُثْمَانُ عُمَّالَهُ عَلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ , وَتَأَلَّفَ قُلُوبَ أُولَئِكَ بِالْمَالِ , وَأَمَرَ بأن يُبعثوا إلى الْغَزْوِ إِلَى الثُّغُورِ. وَلَمَّا رَجَعَتِ الْعُمَّالُ إِلَى أَقَالِيمِهَا امْتَنَعَ أَهْلُ الْكُوفَةِ مِنْ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِمْ سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ , وَلَبِسُوا السِّلَاحَ , وَحَلَفُوا أَنْ لَا يُمَكِّنُوهُ من الدخول فيها حَتَّى يَعْزِلَهُ عُثْمَانُ , وَيُوَلِّيَ عَلَيْهِمْ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ , وَكَانَ اجْتِمَاعُهُمْ بِمَكَانٍ يُقَالُ لَهُ: الْجَرَعَةُ , وَقَدْ قَالَ يومئذٍ الْأَشْتَرُ النَّخَعِيُّ: وَاللهِ لَا يُدْخِلُهَا عَلَيْنَا مَا حَمَلْنَا سُيُوفَنَا , " وَتَوَاقَفَ النَّاسُ بِالْجَرَعَةِ " , وَأَحْجَمَ سَعِيدٌ عَنْ قِتَالِهِمْ , وَصَمَّمُوا عَلَى مَنْعِهِ , فَكَرَّ سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ رَاجِعًا إِلَى الْمَدِينَةِ , وَكَسَرَ الْفِتْنَةَ , فَأَعْجَبَ ذَلِكَ أَهْلَ الْكُوفَةِ , وَكَتَبُوا إِلَى عُثْمَانَ أن يولِّي عليهم أبا موسى الأشعري بذلك , فَأَجَابَهُمْ عُثْمَانُ إِلَى مَا سَأَلُوا إِزَاحَةً لِعُذْرِهِمْ , وَإِزَالَةً لِشُبَهِهِمْ , وَقَطْعًا لِعِلَلِهِمْ. أ. هـ