للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

مَا يُكْرَهُ فِي زِيَارَةِ الْقُبُور

الْجُلُوس عَلَى الْقَبْر

(ت س) , عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنهما - قَالَ: (" نَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - أَنْ تُجَصَّصَ الْقُبُورُ , وَأَنْ يُكْتَبَ عَلَيْهَا , وَأَنْ يُبْنَى عَلَيْهَا) (١) (أَوْ يُزَادَ عَلَيْهِ (٢)) (٣) (أَوْ يَجْلِسَ عَلَيْهَا أَحَدٌ ") (٤)


(١) (ت) ١٠٥٢ , (م) ٩٤ - (٩٧٠) , (س) ٢٠٢٧ , (د) ٣٢٢٥ , (حم) ١٤١٨١
(٢) قال الألباني في أحكام الجنائز ص٢٠٥: قال الشافعي: فإن زاد فلا بأس،
قال النووي: قال أصحابنا: معناه أنه ليس بمكروه.
قلت: وهذا خلاف ظاهر النهي , فإن الأصل فيه التحريم، فالحق ما قاله ابن حزم في (المحلى) (٥/ ٣٣): " ولا يحلُّ أن يُبنى القبر، ولا أن يجصص، ولا أن يُزاد على ترابه شيء , ويُهدم كل ذلك ".
وهو ظاهر قول الإمام أحمد، فقال أبو داود في (المسائل) (ص ١٥٨): (سمعت أحمد قال: لا يُزاد على القبر من تراب غيره، إلا أن يُسوى بالأرض فلا يُعرف , فكأنه رخص إذ ذاك) ,
لكن ذكر في (الانصاف) (٢/ ٥٤٨) عنه الكراهة فقط! ,
وقال الإمام محمد في (الاثار) (ص ٤٥): " أخبرنا أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم قال: كان يُقال: ارفعوا القبر حتى يعرف أنه قبر فلا يوطأ.
قال محمد: وبه نأخذ، ولا نرى أن يُزاد على ما خرج منه، ونكره أن يجصص أو يطيَّن، أو يُجعل عنده مسجدا أو عَلما، أو يُكتب عليه، ويُكْره الآجر أن يُبنى به أو يُدخل القبر، ولا نرى برش الماء عليه بأسا، وهو قول أبي حنيفة ".
قلت: ويدل الحديث بمفهومه على جواز رفع القبر بقدر ما يساعد عليه التراب الخارج منه، وذلك يكون نحو شبر، فهو موافق للنص المتقدم في المسألة (١٠٧).
وأما التجصيص فهو من (الجص) وهو الكلس. والمراد: الطلي به قال في (القاموس): (وجصص الأناء: ملأه، والبناء: طلاه بالجص)
ولعل النهي عن التجصيص من أجل أنه نوع زينة كما قال بعض المتقدمين.
وعليه فما حكم تطيين القبر؟ ,
للعلماء فيه قولان: الأول: الكراهة، نص عليه الإمام محمد فيما نقلتُه آنفا عنه، والكراهة عنده للتحريم إذا أُطلقت.
وبالكراهة قال أبو حفص من الحنابلة كما في (الانصاف) (٢/ ٥٤٩)
والآخر: أنه لا بأس به , حكاه أبو داود (١٥٨) عن الإمام أحمد , وجزم به في (الانصاف) , وحكاه الترمذي (٢/ ١٥٥) عن الإمام الشافعي،
قال النووي عقبه: " ولم يتعرض جمهمور الأصحاب له، فالصحيح أنه لا كراهة فيه كما نص عليه، ولم يرد فيه نهي "
قلت: ولعل الصواب التفصيل على نحو ما يأتي:
إن كان المقصود من التطيين المحافظة على القبر وبقائه مرفوعا قدر ما سمح به الشرع، وأن لا تنسفه الرياح ولا تبعثره الأمطار، فهو جائز بدون شك لأنه يحقق غاية مشروعة , ولعل هذا هو وجه من قال من الحنابلة أنه يُستحب.
وإن كان المقصود الزينة ونحوها مما لا فائدة فيه , فلا يجوز , لأنه مُحْدَث.
وأما الكتابة فظاهر الحديث تحريمها , وهو ظاهر كلام الإمام محمد، وصرح الشافعية والحنابلة بالكراهة فقط!
وقال النووي (٥/ ٢٩٨): " قال أصحابنا: وسواء كان المكتوب على القبر في لوح عند رأسه كما جرت عادة بعض الناس، أم في غيره، فكله مكروه لعموم الحديث "
واستثنى بعض العلماء كتابة اسم الميت , لا على وجه الزخرفة، بل للتعرُّف قياسا على وضع النبي - صلى اللهُ عليه وسلَّم - الحجر على قبر عثمان بن مظعون.
قال الشوكاني: " وهو من التخصيص بالقياس , وقد قال به الجمهور، لا أنه قياس في مقابلة النص كما قال في (ضوء النهار) "
ولكن الشأن في صحة هذا القياس , والذي أراه - والله أعلم - أن القول بصحة هذا القياس على إطلاقه بعيد، والصواب تقييده بما إذا كان الحجر لا يحقق الغاية التي من أجلها وضع رسول الله صلى اللهُ عليه وسلَّم الحجر، ألا وهي التعرُّف عليه، وذلك بسبب كثرة القبور مثلا , وكثرة الأحجار المعرِّفة! فحينئذ يجوز كتابة الاسم بقدر ما تتحقق به الغاية المذكورة. أ. هـ
(٣) (س) ٢٠٢٧ , (د) ٣٢٢٦
(٤) (س) ٢٠٢٨ , (ت) ١٠٥٢ , (م) ٩٤ - (٩٧٠) , (د) ٣٢٢٥ , انظر صحيح موارد الظمآن: ٦٥٧، أحكام الجنائز ص٢٠٤