للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

التَّمَسُّكُ بِالْجَمَاعَة

قَالَ تَعَالَى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا , وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا , وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا , كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} (١)

(ت حم) , وَعَنْ الْحَارِثِ الْأَشْعَرِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: (" إِنَّ اللهَ أَمَرَ يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا - عليه السلام - بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ أَنْ يَعْمَلَ بِهَا وَيَأمُرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يَعْمَلُوا بِهَا , وَإِنَّهُ كَادَ أَنْ يُبْطِئَ بِهَا , فَقَالَ عِيسَى - عليه السلام -: إِنَّ اللهَ أَمَرَكَ بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ لِتَعْمَلَ بِهَا , وَتَأمُرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يَعْمَلُوا بِهَا , فَإِمَّا أَنْ تَأمُرَهُمْ , وَإِمَّا أَنْ آمُرَهُمْ , فَقَالَ يَحْيَى: أَخْشَى إِنْ سَبَقْتَنِي بِهَا أَنْ يُخْسَفَ بِي أَوْ أُعَذَّبَ , فَجَمَعَ النَّاسَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ , فَامْتَلَأَ الْمَسْجِدُ , وَتَعَدَّوْا عَلَى الشُّرَفِ (٢) فَقَالَ: إِنَّ اللهَ أَمَرَنِي بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ أَنْ أَعْمَلَ بِهِنَّ , وَآمُرَكُمْ أَنْ تَعْمَلُوا بِهِنَّ , أَوَّلُهُنَّ: أَنْ تَعْبُدُوا اللهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا , وَإِنَّ مَثَلَ مَنْ أَشْرَكَ بِاللهِ كَمَثَلِ رَجُلٍ اشْتَرَى عَبْدًا مِنْ خَالِصِ مَالِهِ بِذَهَبٍ أَوْ وَرِقٍ (٣) فَقَالَ: هَذِهِ دَارِي , وَهَذَا عَمَلِي , فَاعْمَلْ وَأَدِّ إِلَيَّ , فَكَانَ يَعْمَلُ وَيُؤَدِّي إِلَى غَيْرِ سَيِّدِهِ , فَأَيُّكُمْ يَرْضَى أَنْ يَكُونَ عَبْدُهُ كَذَلِكَ؟) (٤) (وَإِنَّ اللهَ - عز وجل - خَلَقَكُمْ وَرَزَقَكُمْ , فَاعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا) (٥) (وَإِنَّ اللهَ أَمَرَكُمْ بِالصَلَاةِ , فَإِذَا صَلَّيْتُمْ فلَا تَلْتَفِتُوا , فَإِنَّ اللهَ يَنْصِبُ وَجْهَهُ لِوَجْهِ عَبْدِهِ فِي صَلَاتِهِ مَا لَمْ يَلْتَفِتْ , وَآمُرُكُمْ بِالصِّيَامِ , فَإِنَّ مَثَلَ ذَلِكَ كَمَثَلِ رَجُلٍ فِي عِصَابَةٍ (٦) مَعَهُ صُرَّةٌ فِيهَا مِسْكٌ , فَكُلُّهُمْ يُعْجِبُهُ رِيحُهَا , وَإِنَّ رِيحَ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ , وَآمُرُكُمْ بِالصَّدَقَةِ , فَإِنَّ مَثَلَ ذَلِكَ كَمَثَلِ رَجُلٍ أَسَرَهُ الْعَدُوُّ , فَأَوْثَقُوا يَدَهُ إِلَى عُنُقِهِ , وَقَدَّمُوهُ لِيَضْرِبُوا عُنُقَهُ) (٧) (فَقَالَ: هَلْ لَكُمْ أَنْ أَفْتَدِيَ نَفْسِي مِنْكُمْ؟ , فَجَعَلَ يَفْتَدِي نَفْسَهُ مِنْهُمْ بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ حَتَّى فَكَّ نَفْسَهُ , وَآمُرُكُمْ بِذِكْرِ اللهِ كَثِيرًا , فَإِنَّ مَثَلَ ذَلِكَ) (٨) (كَمَثَلِ رَجُلٍ خَرَجَ الْعَدُوُّ فِي أَثَرِهِ سِرَاعًا (٩)) (١٠) (فَأَتَى حِصْنًا حَصِينًا (١١) فَتَحَصَّنَ فِيهِ) (١٢) (فَأَحْرَزَ نَفْسَهُ مِنْهُمْ (١٣) وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ , لَا يُحْرِزُ نَفْسَهُ مِنْ الشَّيْطَانِ إِلَّا بِذِكْرِ اللهِ , ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: " وَأَنَا آمُرُكُمْ بِخَمْسٍ , اللهُ أَمَرَنِي بِهِنَّ: بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ (١٤) وَالْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللهِ , وَالْهِجْرَةِ (١٥) وَالْجَمَاعَةِ (١٦)) (١٧) (فَإِنَّهُ مَنْ خَرَجَ مِنْ الْجَمَاعَةِ قِيدَ شِبْرٍ (١٨) فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الْإِسْلَامِ (١٩) مِنْ عُنُقِهِ , إِلَّا أَنْ يَرْجِعَ , وَمَنْ ادَّعَى دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ (٢٠) فَهُوَ مِنْ جُثَاءِ جَهَنَّمَ (٢١) ") (٢٢) (فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ , وَإِنْ صَلَّى وَصَامَ؟) (٢٣) (قَالَ: " وَإِنْ صَلَّى وَصَامَ , وَزَعَمَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ , فَادْعُوا الْمُسْلِمِينَ) (٢٤) (بِدَعْوَى اللهِ الَّذِي سَمَّاكُمْ: الْمُسْلِمِينَ الْمُؤْمِنِينَ , عِبَادَ اللهِ - عز وجل - ") (٢٥)


(١) [آل عمران/١٠٣]
(٢) (الشُّرَفِ):جَمْعُ شُرْفَةٍ. تحفة الأحوذي - (ج ٧ / ص ١٨٣)
(٣) أَيْ: فِضَّة.
(٤) (ت) ٢٨٦٣
(٥) (حم) ١٧٨٣٣ , وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط: إسناده حسن.
(٦) العِصَابة: الجماعة من الرجال.
(٧) (ت) ٢٨٦٣
(٨) (حم) ١٧٨٣٣
(٩) أَيْ: مُسْرِعِينَ. تحفة الأحوذي - (ج ٧ / ص ١٨٣)
(١٠) (ت) ٢٨٦٣
(١١) الْحِصْنُ: كُلُّ مَكَانٍ مَحْمِيٍّ مَنِيعٍ لَا يُوصَلُ إِلَى جَوْفِهِ.
وَالْحَصِينُ مِنْ الْأَمَاكِنِ: الْمَنِيعُ، يُقَالُ: دِرْعٌ حَصِينٌ: أَيْ: مُحْكَمَةٌ , وَحِصْنٌ حَصِينٌ: لِلْمُبَالَغَةِ. تحفة الأحوذي - (ج ٧ / ص ١٨٣)
(١٢) (حم) ١٧٨٣٣
(١٣) أَيْ: حَفِظَهَا مِنْهُمْ.
(١٤) أَيْ: السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ لِلْأَمِيرِ فِي غَيْرِ الْمَعْصِيَةِ.
(١٥) الْهِجْرَةُ: الِانْتِقَالُ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ، وَمِنْ دَارِ الْكُفْرِ إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ , وَمِنْ دَارِ الْبِدْعَةِ إِلَى دَارِ السُّنَّةِ، وَمِنْ الْمَعْصِيَةِ إِلَى التَّوْبَةِ لِقَوْلِهِ - صلى الله عليه وسلم -: " الْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللهُ عَنْهُ " تحفة الأحوذي (٧/ ١٨٣)
(١٦) الْمُرَادُ بِالْجَمَاعَةِ: الصَّحَابَةُ , وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ التَّابِعِينَ , وَتَابِعِي التَّابِعِينَ مِنْ السَّلَفِ الصَّالِحِينَ، أَيْ: آمُرُكُمْ بِالتَّمَسُّكِ بِهَدْيِهِمْ وَسِيرَتِهِمْ , وَالِانْخِرَاطِ فِي زُمْرَتِهِمْ. تحفة الأحوذي (٧/ ١٨٣)
(١٧) (ت) ٢٨٦٣
(١٨) الْمُرَاد بِالْخُرُوج: السَّعْيُ فِي حَلِّ عَقْدِ الْبَيْعَةِ الَّتِي حَصَلَتْ لِذَلِكَ الْأَمِيرِ وَلَوْ بِأَدْنَى شَيْء، فَكُنِّيَ عَنْهَا بِمِقْدَارِ الشِّبْر , لِأَنَّ الْأَخْذَ فِي ذَلِكَ يَئُولُ إِلَى سَفْكِ الدِّمَاءِ بِغَيْرِ حَقٍّ. (فتح) - (ج ٢٠ / ص ٥٨)
(١٩) الرِّبْقَةُ فِي الْأَصْلِ: عُرْوَةٌ فِي حَبْلٍ , يُجْعَلُ فِي عُنُقِ الْبَهِيمَةِ أَوْ يَدِهَا , تُمْسِكُهَا , فَاسْتَعَارَهَا لِلْإِسْلَامِ، يَعْنِي: مَا شَدَّ الْمُسْلِمُ بِهِ نَفْسَهُ مِنْ عُرَى الْإِسْلَامِ , أَيْ: حُدُودِهِ وَأَحْكَامِهِ , وَأَوَامِرِهِ وَنَوَاهِيهِ. تحفة (٧/ ١٨٣)
(٢٠) هذا إِيذَانٌ بِأَنَّ التَّمَسُّكَ بِالْجَمَاعَةِ وَعَدَمَ الْخُرُوجِ عَنْ زُمْرَتِهِمْ مِنْ شَأنِ الْمُؤْمِنِينَ , وَالْخُرُوجَ مِنْ زُمْرَتِهِمْ مِنْ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ , كَمَا قَالَ - صلى الله عليه وسلم -: " مَنْ خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ , لَقِيَ اللهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا حُجَّةَ لَهُ، وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ , مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً " , فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ تُفَسَّرَ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ بِسُنَنِهَا عَلَى الْإِطْلَاقِ , لِأَنَّهَا تَدْعُو إِلَيْهَا. تحفة الأحوذي (ج ٧ / ص ١٨٣)
وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنهما - قَالَ: (غَزَوْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَقَدْ ثَابَ مَعَهُ نَاسٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ حَتَّى كَثُرُوا , وَكَانَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلٌ لَعَّابٌ , فَكَسَعَ أَنْصَارِيًّا , فَغَضِبَ الْأَنْصَارِيُّ غَضَبًا شَدِيدًا حَتَّى تَدَاعَوْا , فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ: يَا لَلْأَنْصَارِ , وَقَالَ الْمُهَاجِرِيُّ: يَا لَلْمُهَاجِرِينَ) (فَسَمِعَ ذَلِكَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -) (فَخَرَجَ فَقَالَ:) (" مَا بَالُ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ؟) (دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ ").
(٢١) أَيْ: مِنْ جَمَاعَاتِ جَهَنَّمَ , وجُثَى: جَمْعُ جُثْوَةٍ، كَخُطْوَةٍ , وَخُطًى , وَهِيَ الْحِجَارَةُ الْمَجْمُوعَةُ، وَرُوِيَ " مِنْ جُثِيِّ " بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ , جَمْعُ جَاثٍ , مِنْ جَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ , وَقُرِئَ بِهِمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا}.فتح الباري (ج١٣ص ١٩٩)
(٢٢) (حم) ١٧٨٣٣
(٢٣) (ت) ٢٨٦٣
(٢٤) (حم) ١٧٨٣٣
(٢٥) (ت) ٢٨٦٣ , صَحِيح الْجَامِع: ١٧٢٤ , صحيح الترغيب والترهيب: ٥٥٢