للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

شُرُوطُ قَصْرِ الصَّلَاة

طُولُ السَّفَرِ لِقَصْر الصَّلَاة

الْمَسَافَةُ الَّتِي تُقْصَرُ فِيهَا الصَّلَاة

(م) , وَعَنْ يَحْيَى بْنِ يَزِيدَ الْهُنَائِيِّ قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ - رضي الله عنه - عَنْ قَصْرِ الصَّلَاةِ فَقَالَ: " كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - " إِذَا خَرَجَ مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ أَوْ ثَلَاثَةِ فَرَاسِخ (١) - شُعْبَةُ الشَّاكُّ - صَلَّى رَكْعَتَيْنِ (٢) " (٣)


(١) قال الألباني في الصحيحة ١٦٣ (الفرسخ) ثلاثة أميال، والميل من الأرض منتهى مد البصر , لأن البصر يميل عنه على وجه الأرض حتى يفنى إدراكه، وبذلك جزم الجوهري، وقيل: حدُّه أن ينظر إلى الشخص في أرض مسطحة فلا يدري أهو رجل أو امرأة، وهو ذاهب أو آت، كما في " الفتح " , وهو في تقدير بعض علماء العصر الحاضر يساوي ١٦٨٠ مترا. أ. هـ
(٢) قال الألباني في الإرواء تحت حديث٥٦٥: فالعُمدة على حديث أنس , وقد قال الحافظ في " الفتح ": (وهو أصح حديث ورد في بيان ذلك وأصرحه , وقد حمله من خالفه على أن المراد به المسافة التي يبتدأ منها القصر لَا غاية السفر , ولا يخفى بُعد هذا الحَمل مع أن البيهقي - قلت: وكذا أحمد - ذكر في روايته من هذا الوجه أن يحيى بن يزيد راويه عن أنس قال: سألت أنسا عن قصر الصلاة وكنت أخرج إلى الكوفة - يعني من البصرة - فأصلي ركعتين حتى أرجع , فقال أنس فذكر الحديث , فظهر أنه سأله عن جواز القصر في السفر , لَا عن الموضع الذي يبتدأ القصر منه.
ثم إن الصحيح في ذلك أنه لَا يتقيد بمسافة , بل بمجاوزة البلد الذي يخرج منها.
وردَّه القرطبي بأنه مشكوك فيه فلا يحتج به , فإن كان المراد به أنه لَا يحتج به في التحديد بثلاثة أميال فمسلَّم , لكن لَا يمتنع أن يحتج به في التحديد بثلاثة فراسخ , فإن الثلاثة أميال مندرجة فيه , فيؤخذ بالأكثر احتياطا.
وقد روى ابن أبي شيبة عن حاتم بن اسماعيل عن عبد الرحمن بن حرملة قال: قلت لسعيد ابن المسيب: أقصر الصلاة وأفطر في بريد من المدينة؟ , قال: نعم " , وإسناد هذا الأثر عند بن أبي شيبة صحيح.
قلت: وقد صح عن ابن عمر - رضي الله عنه - جواز القصر في ثلاثة أميال كما سيأتي وهي فرسخ , فالأخذ بحديث أنس أولى من حديث ابن عباس لصحته ورفعه , وعمل بعض الصحابة به، والله أعلم.
على أن قَصْره - صلى اللهُ عليه وسلَّم - في المدة المذكورة لَا ينفي جواز القصر في أقل منها إذا كانت في مسمَّى السفر.
ولذلك قال ابن القيم في " الزاد ": ولم يحدَّ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - لأمته مسافة محدودة للقصر والفِطر , بل أطلق لهم ذلك في مطلق السفر والضرب في الأرض , كما أطلق لهم التيمم في كل سفر.
وأما ما يروى من التحديد باليوم واليومين أو الثلاثة فلم يصح عنه منها شئ البتة، والله أعلم أ. هـ
وقال الألباني في الصحيحة ١٦٣ بعد أن صحح الحديث: يدل هذا الحديث على أن المسافر إذا سافر مسافة ثلاثة فراسخ جاز له القصر،
وقد قال الخطابي في " معالم السنن ": إن ثبت الحديث , كانت الثلاثة الفراسخ حدَّا فيما يقصر إليه الصلاة، إِلَّا أني لَا أعرف أحدا من الفقهاء يقول به "
وفي هذا الكلام نظر من وجوه:
الأول: أن الحديث ثابت كما تقدم، وحسبك أن مسلما أخرجه ولم يضعفه غيره.
الثاني: أنه لَا يضر الحديث ولا يمنع العمل به عدم العلم بمن قال به من الفقهاء، لأن عدم الوجدان لَا يدل على عدم الوجود.
الثالث: أنه قد قال به راويه أنس بن مالك - رضي الله عنه - وأفتى به يحيى بن يزيد الهنائي راويه عنه كما تقدم، بل ثبت عن بعض الصحابة القصر في أقل من هذه المسافة، فروى ابن أبي شيبة عَنْ محمد بن زيد بن خليدة عن ابن عمر قال: " تُقصر الصلاة في مسيرة ثلاثة أميال " وإسناده صحيح كما بينته في " إرواء الغليل " (رقم ٥٦١).
ثم روى من طريق أخرى عنه أنه قال: " إني لأسافر الساعة من النهار وأقصر " وإسناده صحيح، وصححه الحافظ في " الفتح " ثم روى عنه:" أنه كان يقيم بمكة، فإذا خرج إلى منى قصر " وإسناده صحيح أيضا.
ويؤيده أن أهل مكة لما خرجوا مع النبي - صلى اللهُ عليه وسلَّم - إلى منى في حجة الوداع قصروا أيضا كما هو معروف مشهور في كتب الحديث والسيرة , وبين مكة ومنى فرسخ , كما في " معجم البلدان ".
وقال جبلة بن سحيم: سمعت ابن عمر يقول: " لو خرجتُ ميلا قصرت الصلاة " ذكره الحافظ وصححه.
ولا ينافي هذا ما في الموطأ وغيره بأسانيد صحيحة عن ابن عمر أنه كان يقصر في مسافة أكثر مما تقدم، لأن ذلك فِعلٌ منه، لَا يُنافي القصر في أقل منها لو سافر إليها.
فهذه النصوص التي ذكرناها صريحة في جواز القصر في أقل منها، فلا يجوز ردُّها، مع دلالة الحديث على الأقل منها.
وروي عن اللجلاج قال: " كنا نسافر مع عمر - رضي الله عنه - ثلاثة أميال فنتجوز في الصلاة ونفطر " وإسناده محتمل للتحسين رجاله كلهم ثقات غير أبي الورد بن ثمامة روى عنه ثلاثة، وقال ابن سعد: " كان معروفا قليل الحديث ".
وقد دلت هذه الآثار على جواز القصر في أقل من المسافة التي دل عليها الحديث، وذلك من فقه الصحابة - رضي الله عنهم - فإن السفر مطلق في الكتاب والسنة، لم يقيَّد بمسافة محدودة كقوله تعالى: {وإذا ضربتم في الأرض فلا جناح عليكم أن تقصروا من الصلاة} الْآية.
وحينئذ فلا تعارُض بين الحديث وهذه الآثار، لأنه لم ينف جواز القصر في أقل من المسافة المذكورة فيه.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: " كل اسم ليس له حد في اللغة ولا في الشرع , فالمرجع فيه إلى العرف , فما كان سفرا في عرف الناس، فهو السفر الذي علَّق به الشارع الحكم "
وقد اختلف العلماء في المسافة التي تُقصر فيها الصلاة اختلافا كثيرا جدا، على نحو عشرين قولا، وما ذكرناه عن ابن تيمية وابن القيم أقربها إلى الصواب، وأليَق بيُسر الإسلام، فإن تكليف الناس بالقصر في سفر محدود بيوم أو بثلاثة أيام وغيرها من التحديدات، يستلزم تكليفهم بمعرفة مسافات الطرق التي قد يطرقونها، وهذا مما لَا يستطيعه أكثر الناس، لا سيما إذا كانت مما لم تُطرق من قبل!
وفي الحديث فائدة أخرى، وهي أن القصر مَبدؤه من بعد الخروج من البلدة , وهو مذهب الجمهور من العلماء، كما في " نيل الأوطار "
قال: " وذهب بعض الكوفيين إلى أنه إذا أراد السفر , يصلي ركعتين ولو كان في منزله.
ومنهم من قال: إذا ركب قصر إن شاء , ورجح ابن المنذر الأول , بأنهم اتفقوا على أنه يقصر إذا فارق البيوت، واختلفوا فيما قبل ذلك، فعليه الإتمام على أصل ما كان عليه , حتى يثبت أن له القصر.
قال: ولا أعلم النبي - صلى اللهُ عليه وسلَّم - قصر في سفر من أسفاره إِلَّا بعد خروجه من المدينة ".
قلت: والأحاديث في هذا المعنى كثيرة. أ. هـ
(٣) (م) ١٢ - (٦٩١) , (د) ١٢٠١ , (حم) ١٢٣٣٥ , (ش) ٨١٢٣ , (حب) ٢٧٤٥ , (يع) ٤١٩٨ , (هق) ٥٢٣١