للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

مَا يُطْهُرُ بِالدِّبَاغ

(ت) , عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم -: " أَيُّمَا إِهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ " (١)

مَذَاهِبُ الْفُقَهَاءِ فِي الْمَسْأَلَة:

ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّ جِلْدَ الْمَيْتَةِ - بِصِفَةٍ عَامَّةٍ - يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ لِلأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي ذَلِكَ، وَمِنْهَا " أَيُّمَا إِهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ " وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " قَالَ فِي شَاةِ مَيْمُونَةَ: هَلا أَخَذْتُمْ إِهَابَهَا فَدَبَغْتُمُوهُ فَانْتَفَعْتُمْ بِهِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهَا مَيْتَةٌ، قَالَ: إِنَّمَا حَرُمَ أَكْلُهَا ".

وَقَالُوا: إِنَّهُ جِلْدٌ طَاهِرٌ طَرَأَتْ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ فَجَازَ أَنْ يُطَهَّرَ كَجِلْدِ الْمُذَكَّاةِ إِذَا تَنَجَّسَ؛ لأَنَّ نَجَاسَةَ الْمَيْتَةِ لِمَا فِيهَا مِنَ الرُّطُوبَاتِ وَالدِّمَاءِ السَّائِلَةِ، وَأَنَّهَا تَزُولُ بِالدِّبَاغِ فَتَطْهُرُ كَالثَّوْبِ النَّجِسِ إِذَا غُسِلَ، وَلأَنَّ الدِّبَاغَ يَحْفَظُ الصِّحَّةَ عَلَى الْجِلْدِ، وَيُصْلِحُهُ لِلانْتِفَاعِ بِهِ كَالْحَيَاةِ، ثُمَّ الْحَيَاةُ تَدْفَعُ النَّجَاسَةَ عَنِ الْجِلْدِ فَكَذَلِكَ الدِّبَاغُ. ثُمَّ قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: كُلُّ إِهَابٍ دُبِغَ وَهُوَ يَحْتَمِلُ الدِّبَاغَةَ طَهُرَ، وَمَا لا يَحْتَمِلُهَا لا يَطْهُرُ، إِلا أَنَّ جِلْدَ الْخِنْزِيرِ لا يَطْهُرُ؛ لأَنَّ الْخِنْزِيرَ نَجِسُ الْعَيْنِ بِمَعْنَى أَنَّ ذَاتَهُ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ نَجِسَةٌ حَيًّا وَمَيِّتًا فَلَيْسَتْ نَجَاسَتُهُ لِمَا فِيهِ مِنَ الدَّمِ كَنَجَاسَةِ غَيْرِهِ مِنَ الْحَيَوَانَاتِ، فَلِذَا لَمْ يَقْبَلِ التَّطْهِيرَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ إِلا فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ ذَكَرَهَا فِي كِتَابِ " مُنْيَةِ الْمُصَلِّي ".

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: كُلُّ الْجُلُودِ النَّجِسَةِ بَعْدَ الْمَوْتِ تَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ إِلا الْكَلْبَ وَالْخِنْزِيرَ وَالْمُتَوَلِّدَ مِنْ أَحَدِهِمَا، فَلا يَطْهُرُ جِلْدُهُمَا بِالدِّبَاغِ، لأَنَّ الدِّبَاغَ كَالْحَيَاةِ، ثُمَّ الْحَيَاةُ لا تَدْفَعُ النَّجَاسَةَ عَنِ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ فَكَذَلِكَ الدِّبَاغُ، وَلا يَزِيدُ الدِّبَاغُ عَلَى الْحَيَاةِ.

وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: الدِّبَاغُ تَطْهِيرٌ لِلْجُلُودِ، وَلا يُحْتَاجُ بَعْدَهُ إِلَى تَطْهِيرٍ بِالْمَاءِ.

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ - فِي الأَصَحِّ عِنْدَهُمْ - لا يَطْهُرُ الْجِلْدُ الْمَدْبُوغُ حَتَّى يُغْسَلَ بِالْمَاءِ؛ لأَنَّ مَا يُدْبَغُ بِهِ تَنَجَّسَ بِمُلاقَاةِ الْجِلْدِ، فَإِذَا زَالَتْ نَجَاسَةُ الْجِلْدِ بَقِيَتْ نَجَاسَةُ مَا يُدْفَعُ بِهِ، فَوَجَبَ أَنْ يُغْسَلَ حَتَّى يَطْهُرَ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ - فِي الْمَشْهُورِ عِنْدَهُمْ - وَالْحَنَابِلَةُ - فِي الْمَشْهُورِ فِي الْمَذْهَبِ وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ - إِلَى أَنَّ جِلْدَ الْمَيْتَةِ نَجِسٌ وَلَوْ دُبِغَ، وَلا يُفِيدُ دَبْغُهُ طَهَارَتَهُ، وَلَكِنْ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ فِي غَيْرِ الْمَائِعَاتِ.

وَمُقَابِلُ الْمَشْهُورِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ، وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: أَنَّهُ يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ جِلْدُ مَا كَانَ طَاهِرًا فِي حَالِ الْحَيَاةِ. (٢)


(١) (ت) ١٧٢٨ , (م) ١٠٥ - (٣٦٦) , (س) ٤٢٤١ , (حم) ١٨٩٥
(٢) رد المحتار على الدر المختار ١/ ١٣٦، وبدائع الصنائع ١/ ٨٥، والخرشي ١/ ٨٩، والمجموع ١/ ٢١٤ ـ ٢٢١ ـ ٢٢٥، والمغني ١/ ٦٦.