للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الطَّاعَةُ بِقَدَر , وَالْمَعْصِيَةُ بِقَدَر

قَالَ تَعَالَى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً (١)} (٢)

(خ م ت د) , وَعَنْ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: (" إِنَّ مُوسَى - عليه السلام - قَالَ: يَا رَبِّ , أَرِنَا آدَمَ الَّذِي أَخْرَجَنَا وَنَفْسَهُ مِنْ الْجَنَّةِ , فَأَرَاهُ اللهُ آدَمَ , فَقَالَ مُوسَى: أَنْتَ آدَمُ؟ , أَنْتَ أَبُونَا آدَمُ؟ , فَقَالَ لَهُ آدَمُ: نَعَمْ) (٣) (قَالَ: أَنْتَ الَّذِي خَلَقَكَ اللهُ بِيَدِهِ , وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ (٤) وَأَسْجَدَ لَكَ مَلَائِكَتَهُ , وَأَسْكَنَكَ فِي جَنَّتِهِ؟) (٥) (أَنْتَ الَّذِي أَشْقَيْتَ النَّاسَ وَأَخْرَجْتَهُمْ مِنْ الْجَنَّةِ) (٦) (بِخَطِيئَتِكَ إِلَى الْأَرْضِ؟) (٧) (قَالَ: نَعَمْ , قَالَ: فَمَا حَمَلَكَ عَلَى أَنْ) (٨) (خَيَّبْتَنَا (٩)) (١٠) (وَأَخْرَجْتَنَا وَنَفْسَكَ مِنْ الْجَنَّةِ (١١)؟، فَقَالَ لَهُ آدَمُ: وَمَنْ أَنْتَ؟ , قَالَ: أَنَا مُوسَى , قَالَ: أَنْتَ نَبِيُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّذِي كَلَّمَكَ اللهُ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ , وَلَمْ يَجْعَلْ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ رَسُولًا مِنْ خَلْقِهِ؟ , قَالَ: نَعَمْ) (١٢) (قَالَ: وَأَعْطَاكَ اللهُ الْأَلْوَاحَ فِيهَا تِبْيَانُ كُلِّ شَيْءٍ؟ , وَكَتَبَ لَكَ التَّوْرَاةَ بِيَدِهِ؟ قَالَ: نَعَمْ , قَالَ: فَبِكَمْ وَجَدْتَ اللهَ كَتَبَ التَّوْرَاةَ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَنِي؟ , وفي رواية: (قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ) (١٣)؟ , قَالَ: بِأَرْبَعِينَ سَنَةً , قَالَ آدَمُ: فَهَلْ وَجَدْتَ فِيهَا: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى؟} (١٤) قَالَ: نَعَمْ , قَالَ: أَفَتَلُومُنِي عَلَى أَنْ عَمِلْتُ عَمَلًا كَتَبَهُ اللهُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَنِي بِأَرْبَعِينَ سَنَةً (١٥)؟) (١٦) (قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى، فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى ") (١٧)

الشرح (١٨)


(١) مع أنه سبحانه عندما خلق آدم وضعه في الجنة, ولم يُنْزِله إلى الأرض مباشرة ولم يقل سبحانه: إني سأخلق بشرا , وسأضعه في الجنة , وقد علمتُ أنه سيعصيني , ولذلك فإني سأنزلُه إلى الأرض! , بل قال للملائكة قبل أن يخلق آدم: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} , وهذا ما أقرَّ به آدمُ - عليه السلام - نفسُه في حديثِ محاجَّته لموسى - عليه السلام - حيث قال لموسى: " أَفَتَلُومُنِي عَلَى أَنْ عَمِلْتُ عَمَلًا " كَتَبَهُ اللهُ عَلَيَّ " قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَنِي بِأَرْبَعِينَ سَنَةً؟ ".ع
(٢) [البقرة/٣٠]
(٣) (د) ٤٧٠٢
(٤) أَيْ: مِنْ الرُّوحِ الَّذِي هُوَ مَخْلُوقٌ , وَلَا يَدَ لِأَحَدٍ فِيهِ , فَالْإِضَافَةُ لِلتَّشْرِيفِ وَالتَّخْصِيصِ. تحفة الأحوذي - (ج ٥ / ص ٤٢٢)
(٥) (م) ٢٦٥٢
(٦) (خ) ٤٤٥٩
(٧) (م) ٢٦٥٢
(٨) (د) ٤٧٠٢
(٩) أَيْ: أَوْقَعْتنَا فِي الْخَيْبَة , وَهِيَ الْحِرْمَان وَالْخَسْرَان. عون المعبود (١٠/ ٢١٩)
(١٠) (خ) ٦٢٤٠
(١١) أَيْ: بِخَطِيئَتِكَ الَّتِي صَدَرَتْ مِنْك , وَهِيَ أَكْلُكَ مِنْ الشَّجَرَة. عون (١٠/ ٢١٩)
(١٢) (د) ٤٧٠٢
(١٣) (ت) ٢١٣٤ , و (حم) ٩١٦٥
(١٤) [طه/١٢١]
(١٥) قَالَ النَّوَوِيّ: الْمُرَاد بِالتَّقْدِيرِ هُنَا: الْكِتَابَة فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ , أَوْ فِي صُحُف التَّوْرَاة وَأَلْوَاحهَا، أَيْ: كَتَبَهُ عَلَيَّ قَبْل خَلْقِي بِأَرْبَعِينَ سَنَة.
وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُرَاد بِهِ حَقِيقَةُ الْقَدَر، فَإِنَّ عِلْمَ اللهِ تَعَالَى , وَمَا قَدَّرَهُ عَلَى عِبَادِهِ , وَأَرَادَ مِنْ خَلْقِهِ , أَزَلِيٌّ لَا أَوَّل لَهُ. عون المعبود - (ج ١٠ / ص ٢١٩)
(١٦) (م) ٢٦٥٢ , (خ) ٦٢٤٠
(١٧) (خ) ٣٢٢٨ , (د) ٤٧٠٢
(١٨) " فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى " أَيْ: غَلَبَهُ بِالْحُجَّةِ , وَظَهَرَ عَلَيْهِ بِهَا.
قَالَ النَّوَوِيّ: فَإِنْ قِيلَ: فَالْعَاصِي مِنَّا لَوْ قَالَ: هَذِهِ الْمَعْصِيَةُ قَدَّرَهَا اللهُ عَلَيَّ , لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ اللَّوْمُ وَالْعُقُوبَةُ بِذَلِكَ , وَإِنْ كَانَ صَادِقًا فِيمَا قَالَهُ.
فَالْجَوَاب أَنَّ هَذَا الْعَاصِي بَاقٍ فِي دَارِ التَّكْلِيف , جَارٍ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمُكَلَّفِينَ مِنْ الْعُقُوبَةِ وَاللَّوْمِ وَالتَّوْبِيخِ وَغَيْرهَا، وَفِي لَوْمِهِ وَعُقُوبَتِهِ زَجْرٌ لَهُ وَلِغَيْرِهِ عَنْ مِثْلِ هَذَا الْفِعْل , وَهُوَ مُحْتَاجٌ إِلَى الزَّجْرِ مَا لَمْ يَمُتْ، فَأَمَّا آدَم , فَمَيِّتٌ خَارِجٌ عَنْ دَارِ التَّكْلِيفِ , وَعَنْ الْحَاجَةِ إِلَى الزَّجْر , فَلَمْ يَكُنْ فِي الْقَوْلِ الْمَذْكُورِ لَهُ فَائِدَة , بَلْ فِيهِ إِيذَاءٌ وَتَخْجِيلٌ. عون المعبود - (ج ١٠ / ص ٢١٩)