للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

رُؤْيَا الْكَافِر وَالْفَاسِق

قَالَ تَعَالَى: {وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ , قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا , وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأسِي خُبْزًا تَأكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ , نَبِّئْنَا بِتَأوِيلِهِ , إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} (١)

وَقَالَ تَعَالَى: {وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ , وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ , يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ} (٢)

الشرح (٣)


(١) [يوسف: ٣٦]
(٢) [يوسف/٤٣]
(٣) قَدْ وَقَعَتِ الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ مِنْ بَعْضِ الْكُفَّارِ كَمَا فِي رُؤْيَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ مَعَ يُوسُفَ - عليه السلام - وَرُؤْيَا مَلِكِهِمَا , وَغَيْرِ ذَلِكَ.
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: الْمُسْلِمُ الصَّادِقُ الصَّالِحُ هُوَ الَّذِي يُنَاسِبُ حَالُهُ حَالَ الْأَنْبِيَاءِ فَأُكْرِمَ بِنَوْعٍ مِمَّا أُكْرِمَ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ , وَهُوَ الِاطِّلَاعُ عَلَى الْغَيْبِ , وَأَمَّا الْكَافِرُ وَالْفَاسِقُ وَالْمُخَلِّطُ , فَلَا , وَلَوْ صَدَقَتْ رُؤْيَاهُمْ أَحْيَانًا , فَذَاكَ كَمَا قَدْ يَصْدُقُ الْكَذُوبُ , وَلَيْسَ كُلُّ مَنْ حَدَّثَ عَنْ غَيْبٍ يَكُونُ خَبَرُهُ مِنْ أَجْزَاءِ النُّبُوَّةِ , كَالْكَاهِنِ , وَالْمُنَجِّمِ.
قَالَ الْمُهَلَّبُ: الْمُرَادُ غَالِبُ رُؤْيَا الصَّالِحِينَ , وَإِلَّا فَالصَّالِحُ قَدْ يَرَى الْأَضْغَاثَ , وَلَكِنَّهُ نَادِرٌ لِقِلَّةِ تَمَكُّنِ الشَّيْطَانِ مِنْهُمْ , بِخِلَافِ عَكْسِهِمْ ,
فَإِنَّ الصِّدْقَ فِيهَا نَادِرٌ , لِغَلَبَةِ تَسَلُّطِ الشَّيْطَانِ عَلَيْهِمْ.
قَالَ: فَالنَّاسُ عَلَى هَذَا ثَلَاثُ دَرَجَاتٍ:
الْأَنْبِيَاءُ: وَرُؤْيَاهُمْ كُلُّهَا صِدْقٌ , وَقَدْ يَقَعُ فِيهَا مَا يَحْتَاجُ إِلَى تَعْبِيرٍ. وَالصَّالِحُونَ: وَالْأَغْلَبُ عَلَى رُؤْيَاهُمُ الصِّدْقُ , وَقَدْ يَقَعُ فِيهَا مَا لَا يَحْتَاجُ إِلَى تَعْبِيرٍ.
وَمَنْ عَدَاهُمْ: يَقَعُ فِي رُؤْيَاهُمُ الصِّدْقُ وَالْأَضْغَاثُ , وَهِيَ على ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ مَسْتُورُونَ: فَالْغَالِبُ اسْتِوَاءُ الْحَالِ فِي حَقِّهِمْ.
وَفَسَقَةٌ: وَالْغَالِبُ عَلَى رُؤْيَاهُمُ الْأَضْغَاثُ , وَيَقِلُّ فِيهَا الصِّدْقُ.
وَكُفَّارٌ: وَيَنْدُرُ فِي رُؤْيَاهُمُ الصِّدْقُ جِدًّا. فتح الباري (١٢/ ٣٦٢)