للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

حُكْمُ تَفْرِيقِ الزَّكَاةِ دُونَ الرُّجُوعِ إِلَى الْإِمَام

(خ م حم) , وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: (" أَمَرَ رَسُولُ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - بِالصَّدَقَةِ) (١) (وَبَعَثَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - عَلَى الصَّدَقَةِ (٢) ") (٣) (فَقِيلَ: مَنَعَ ابْنُ جَمِيلٍ , وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ , وَعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ (٤) فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم -: " مَا يَنْقِمُ ابْنُ جَمِيلٍ (٥) إِلَّا أَنَّهُ كَانَ فَقِيرًا فَأَغْنَاهُ اللهُ وَرَسُولُهُ (٦)؟ , وَأَمَّا خَالِدٌ فَإِنَّكُمْ تَظْلِمُونَ خَالِدًا , قَدْ احْتَبَسَ أَدْرَاعَهُ وَأَعْتَادَهُ (٧) فِي سَبِيلِ اللهِ، وَأَمَّا الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ , فَعَمُّ رَسُولِ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - فَهِيَ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ وَمِثْلُهَا مَعَهَا (٨)) (٩) وفي رواية: (فَهِيَ عَلَيَّ وَمِثْلُهَا مَعَهَا) (١٠) (ثُمَّ قَالَ: يَا عُمَرُ , أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَمَّ الرَّجُلِ صِنْوُ أَبِيهِ (١١)؟) (١٢) "


(١) (خ) ١٣٩٩ , (س) ٢٤٦٤
(٢) هذا مُشْعِرٌ بِأَنَّهَا صَدَقَة الْفَرْض، لِأَنَّ صَدَقَةَ التَّطَوُّعِ لَا يُبْعَثُ عَلَيْهَا السُّعَاة , وَقَالَ اِبْن الْقَصَّارِ الْمَالِكِيّ: الْأَلْيَقُ أَنَّهَا صَدَقَةُ التَّطَوُّعِ , لِأَنَّهُ لَا يُظَنُّ بِهَؤُلَاءِ الصَّحَابَة أَنَّهُمْ مَنَعُوا الْفَرْض , وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُمْ مَا مَنَعُوهُ كُلّهمْ جَحْدًا وَلَا عِنَادًا، أَمَّا اِبْن جَمِيل فَقَدْ قِيلَ: إِنَّهُ كَانَ مُنَافِقًا ثُمَّ تَابَ بَعْدَ ذَلِكَ، كَذَا حَكَاهُ الْمُهَلَّب، وَجَزَمَ الْقَاضِي حُسَيْن فِي تَعْلِيقِهِ أَنَّ فِيهِ نَزَلَتْ (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللهَ) الْآيَة , وَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي ثَعْلَبَة، وَأَمَّا خَالِدٌ فَكَانَ مُتَأَوِّلًا بِإِجْزَاءِ مَا حَبَسَهُ عَنْ الزَّكَاةِ، وَكَذَلِكَ الْعَبَّاس لِاعْتِقَادِهِ مَا سَيَأتِي التَّصْرِيحُ بِهِ، وَلِهَذَا عَذَرَ النَّبِيُّ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - خَالِدًا وَالْعَبَّاس وَلَمْ يَعْذُرْ اِبْن جَمِيل. فتح الباري (ج ٥ / ص ٨٦)
(٣) (م) ٩٨٣
(٤) قَائِل ذَلِكَ عُمَرُ - رضي الله عنه -. فتح الباري (ج ٥ / ص ٨٦)
(٥) أَيْ: مَا يُنْكِرُ أَوْ يَكْرَهُ. فتح الباري (ج ٥ / ص ٨٦)
(٦) إِنَّمَا ذَكَرَ رَسُول اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - نَفْسه لِأَنَّهُ كَانَ سَبَبًا لِدُخُولِهِ فِي الْإِسْلَامِ , فَأَصْبَحَ غَنِيًّا بَعْدَ فَقْرِهِ بِمَا أَفَاءَ الله عَلَى رَسُولِهِ وَأَبَاحَ لِأُمَّتِهِ مِنْ الْغَنَائِمِ، وَهَذَا السِّيَاق مِنْ بَابِ تَأكِيدِ الْمَدْحِ بِمَا يُشْبِهُ الذَّمِّ , لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عُذْرٌ إِلَّا مَا ذَكَرَ مِنْ أَنَّ اللهَ أَغْنَاهُ فَلَا عُذْرَ لَهُ، وَفِيهِ التَّعْرِيضُ بِكُفْرَانِ النِّعَمِ , وَتَقْرِيعٌ بِسُوءِ الصَّنِيعِ فِي مُقَابَلَةِ الْإِحْسَانِ. فتح الباري (ج ٥ / ص ٨٦)
(٧) الْأَعْتَاد: آلَات الْحَرْب مِنْ السِّلَاح وَالدَّوَابّ وَغَيْرهَا، وَالْوَاحِد عَتَاد، وَمَعْنَى الْحَدِيث: أَنَّهُمْ طَلَبُوا مِنْ خَالِد زَكَاة أَعْتَادِهِ ظَنًّا مِنْهُمْ أَنَّهَا لِلتِّجَارَةِ، وَأَنَّ الزَّكَاة فِيهَا وَاجِبَة، فَقَالَ لَهُمْ: لَا زَكَاة لَكُمْ عَلَيَّ، فَقَالُوا لِلنَّبِيِّ - صلى اللهُ عليه وسلَّم -: إِنَّ خَالِدًا مَنَعَ الزَّكَاة، فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّكُمْ تَظْلِمُونَهُ؛ لِأَنَّهُ حَبَسَهَا وَوَقَفَهَا فِي سَبِيل الله قَبْل الْحَوْل عَلَيْهَا، فَلَا زَكَاة فِيهَا , وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْمُرَاد: لَوْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ زَكَاة لَأَعْطَاهَا وَلَمْ يَشِحَّ بِهَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ وَقَف أَمْوَاله للهِ تَعَالَى مُتَبَرِّعًا فَكَيْف يَشِحّ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ؟ , وَاسْتَنْبَطَ بَعْضهمْ مِنْ هَذَا وُجُوب زَكَاة التِّجَارَة، وَبِهِ قَالَ جُمْهُور الْعُلَمَاء مِنْ السَّلَف وَالْخَلَف خِلَافًا لِدَاوُدَ , وَفِيهِ دَلِيل عَلَى صِحَّة الْوَقْف، وَصِحَّة وَقْف الْمَنْقُول، وَبِهِ قَالَتْ الْأُمَّة بِأَسْرِهَا إِلَّا أَبَا حَنِيفَة وَبَعْض الْكُوفِيِّينَ. شرح النووي على مسلم - (ج ٣ / ص ٤١٦)
(٨) أَيْ: فَهِيَ صَدَقَةٌ ثَابِتَةٌ عَلَيْهِ سَيَصَّدَّقُ بِهَا وَيُضِيفُ إِلَيْهَا مِثْلَهَا كَرَمًا، وَدَلَّتْ رِوَايَة مُسْلِمٍ عَلَى أَنَّهُ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - اِلْتَزَمَ بِإِخْرَاجِ ذَلِكَ عَنْهُ لِقَوْلِهِ " فَهِيَ عَلَيَّ " وَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى سَبَبِ ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُهُ " إِنَّ الْعَمَّ صِنْو الْأَب " تَفْضِيلًا لَهُ وَتَشْرِيفًا، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ تَحَمَّلَ عَنْهُ بِهَا , فَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ الزَّكَاةَ تَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ كَمَا هُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ، وَقِيلَ مَعْنَى قَوْلِهِ " عَلَيَّ " أَيْ: هِيَ عِنْدِي قَرْض , لِأَنَّنِي اِسْتَسْلَفْت مِنْهُ صَدَقَة عَامَيْنِ، وَقَدْ وَرَدَ ذَلِكَ صَرِيحًا فِيمَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْره مِنْ حَدِيثٍ عَلِيٍّ وَفِي إِسْنَادِهِ مَقَال، وَفِي الدَّارَقُطْنِيّ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - قَالَ: " إِنَّا كُنَّا اِحْتَجْنَا فَتَعَجَّلْنَا مِنْ الْعَبَّاس صَدَقَة مَالِهِ سَنَتَيْنِ " وَهَذَا مُرْسَل، وَفِي الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ اِبْن عَبَّاس " أَنَّ النَّبِيَّ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - بَعَثَ عُمَر سَاعِيًا، فَأَتَى الْعَبَّاس فَأَغْلَظَ لَهُ، فَأَخْبَرَ النَّبِيّ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - فَقَالَ: إِنَّ الْعَبَّاس قَدْ أَسْلَفَنَا زَكَاة مَالِهِ الْعَامَ، وَالْعَامَ الْمُقْبِلَ " وَفِي إِسْنَادِهِ ضَعْف، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا هُوَ وَالطَّبَرَانِيّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي رَافِع نَحْوَ هَذَا وَإِسْنَاده ضَعِيف أَيْضًا، وَمِنْ حَدِيثِ اِبْن مَسْعُود " أَنَّ النَّبِيَّ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - تَعَجَّلَ مِنْ الْعَبَّاس صَدَقَتَهُ سَنَتَيْنِ " وَإِسْنَاده ضَعِيف، وَلَوْ ثَبَتَ لَكَانَ رَافِعًا لِلْإِشْكَالِ , وَلَرَجَحَ بِهِ سِيَاق رِوَايَةِ مُسْلِمٍ عَلَى بَقِيَّةِ الرِّوَايَاتِ، وَفِيهِ رَدٌّ لِقَوْلِ مَنْ قَالَ: إِنَّ قِصَّة التَّعْجِيل إِنَّمَا وَرَدَتْ فِي وَقْتٍ غَيْر الْوَقْتِ الَّذِي بَعَثَ فِيهِ عُمَرَ لِأَخْذِ الصَّدَقَةِ، وَلَيْسَ ثُبُوت هَذِهِ الْقِصَّةِ فِي تَعْجِيل صَدَقَة الْعَبَّاس بِبَعِيدٍ فِي النَّظَرِ بِمَجْمُوعِ هَذِهِ الطُّرُقِ وَاللهُ أَعْلَمُ , وَقِيلَ: الْمَعْنَى اِسْتَسْلَفَ مِنْهُ قَدْر صَدَقَة عَامَيْنِ؛ فَأَمَرَ أَنْ يُقَاصَّ بِهِ مِنْ ذَلِكَ، وَاسْتُبْعِدَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ وَقَعَ لَكَانَ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - أَعْلَمَ عُمَرَ بِأَنَّهُ لَا يُطَالِبُ الْعَبَّاس، وَلَيْسَ بِبَعِيد , وَمَعْنَى " عَلَيْهِ " أَيْ: لَازِمَة " لَهُ " وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَقْبِضُهَا , لِأَنَّ الصَّدَقَةَ عَلَيْهِ حَرَام لِكَوْنِهِ مَنْ بَنِي هَاشِم. فتح الباري (ج ٥ / ص ٨٦)
(٩) (خ) ١٣٩٩ , (م) ٩٨٣
(١٠) (م) ٩٨٣ , (د) ١٦٢٣
(١١) أَيْ: مِثْل أَبِيهِ، وَفِيهِ تَعْظِيم حَقّ الْعَمّ. شرح النووي على مسلم - (ج ٣ / ص ٤١٦)
(١٢) (حم) ٨٢٦٧ , (م) ٩٨٣