للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

حُكْم سُقُوط الْحَدِّ بالتَّوبَة

(م د حم) , عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ: (بَيْنَمَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْمَسْجِدِ , وَنَحْنُ قُعُودٌ مَعَهُ , إِذْ جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي أَصَبْتُ حَدًّا , فَأَقِمْهُ عَلَيَّ) (١) وفي رواية: (أَصَبْتُ حَدًّا , فَأَقِمْ عَلَيَّ كِتَابَ اللهِ) (٢) (" فَسَكَتَ عَنْهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - " , ثُمَّ أَعَادَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ , إِنِّي أَصَبْتُ حَدًّا , فَأَقِمْهُ عَلَيَّ , " فَسَكَتَ عَنْهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - " , وَأُقِيمَتْ الصَلَاةُ) (٣) (" فَصَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَلَمَّا فَرَغَ , خَرَجَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ") (٤) (فَاتَّبَعَ الرَّجُلُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ انْصَرَفَ , وَاتَّبَعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْظُرُ مَا يَرُدُّ عَلَى الرَّجُلِ , فَلَحِقَ الرَّجُلُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ , إِنِّي أَصَبْتُ حَدًّا , فَأَقِمْهُ عَلَيَّ , فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: " أَرَأَيْتَ حِينَ خَرَجْتَ مِنْ بَيْتِكَ؟ , أَلَيْسَ قَدْ تَوَضَّأتَ فَأَحْسَنْتَ الْوُضُوءَ؟ " , قَالَ: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ , قَالَ: " ثُمَّ شَهِدْتَ الصَلَاةَ مَعَنَا؟ " , فَقَالَ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللهِ , فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: " فَإِنَّ اللهَ قَدْ غَفَرَ لَكَ حَدَّكَ وفي رواية: ذَنْبَكَ ") (٥)

وفي رواية: " اذْهَبْ , فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ عَفَا عَنْكَ " (٦)


(١) (م) ٤٥ - (٢٧٦٥) , (حم) ٢٢٢١٧
(٢) (حم) ٢٢٢١٧ , وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط: إسناده حسن.
(٣) (م) ٤٥ - (٢٧٦٥) , (حم) ٢٢٢١٧
(٤) (حم) ٢٢٢١٧ , (م) ٤٥ - (٢٧٦٥)
(٥) (م) ٤٥ - (٢٧٦٥) , (حم) ٢٢٢١٧
(٦) (د) ٤٣٨١ , (حم) ٢٢٣٤٠
قال ابن القيم في إعلام الموقعين ج٢ص٦٠: فَهَذَا لَمَّا جَاءَ تَائِبًا بِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَطْلُبَ غَفَرَ اللهُ لَهُ , وَلَمْ يُقِمْ عَلَيْهِ الْحَدَّ الَّذِي اعْتَرَفَ بِهِ , وَهُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ , وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ , وَهُوَ الصَّوَابُ. فَإِنْ قِيلَ: فَمَاعِزٌ جَاءَ تَائِبًا , وَالْغَامِدِيَّةُ جَاءَتْ تَائِبَةً , وَأَقَامَ عَلَيْهِمَا الْحَدَّ. قِيلَ: لَا رَيْبَ أَنَّهُمَا جَاآ تَائِبَيْنِ , وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْحَدَّ أُقِيمَ عَلَيْهِمَا , وَبِهِمَا احْتَجَّ أَصْحَابُ الْقَوْلِ الْآخَرِ , وَسَأَلْتُ شَيْخَنَا عَنْ ذَلِكَ , فَأَجَابَ بِمَا مَضْمُونُهُ: بِأَنَّ الْحَدَّ مُطَهِّرٌ , وَأَنَّ التَّوْبَةَ مُطَهِّرَةٌ , وَهُمَا اخْتَارَا التَّطْهِيرَ بِالْحَدِّ عَلَى التَّطْهِيرِ بِمُجَرَّدِ التَّوْبَةِ , وَأَبَيَا إلَّا أَنْ يُطَهَّرَا بِالْحَدِّ , فَأَجَابَهُمَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إلَى ذَلِكَ , وَأَرْشَدَ إلَى اخْتِيَارِ التَّطْهِيرِ بِالتَّوْبَةِ عَلَى التَّطْهِيرِ بِالْحَدِّ , فَقَالَ فِي حَقِّ مَاعِزٍ: " هَلَّا تَرَكْتُمُوهُ يَتُوبُ , فَيَتُوبَ اللهُ عَلَيْهِ " , وَلَوْ تَعَيَّنَ الْحَدُّ بَعْدَ التَّوْبَةِ لَمَا جَازَ تَرْكُهُ , بَلْ الْإِمَامُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَتْرُكَهُ كَمَا قَالَ لِصَاحِبِ الْحَدِّ الَّذِي اعْتَرَفَ بِهِ: " اذْهَبْ فَقَدْ غَفَرَ اللهُ لَكَ " , وَبَيْنَ أَنْ يُقِيمَ , كَمَا أَقَامَهُ عَلَى مَاعِزٍ وَالْغَامِدِيَّةِ لَمَّا اخْتَارَا إقَامَتَهُ وَأَبَيَا إلَّا التَّطْهِيرَ بِهِ , وَلِذَلِكَ رَدَّهُمَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِرَارًا , وَهُمَا يَأبَيَانِ إلَّا إقَامَتَهُ عَلَيْهِمَا , وَهَذَا الْمَسْلَكُ مَسْلَكٌ وَسَطٌ بَيْنَ مَنْ يَقُولُ: لَا تَجُوزُ إقَامَتُهُ بَعْدَ التَّوْبَةِ أَلْبَتَّةَ , وَبَيْنَ مَسْلَكِ مَنْ يَقُولُ: لَا أَثَرَ لِلتَّوْبَةِ فِي إسْقَاطِهِ أَلْبَتَّةَ , وَإِذَا تَأَمَّلْتَ السُّنَّةَ , رَأَيْتَهَا لَا تَدُلُّ إلَّا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ الْوَسَطِ , وَاللهُ أَعْلَمُ. أ. هـ