للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

تَفْسِيرُ السُّورَة

{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ، قُلْ: الأَنْفَالُ للهِ وَالرَّسُولِ، فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ , وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (١)

(ط) , عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَجُلًا يَسْأَلُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - عَنْ الْأَنْفَالِ , فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْفَرَسُ مِنْ النَّفَلِ , وَالسَّلَبُ (٢) مِنْ النَّفَلِ , ثُمَّ عَادَ الرَّجُلُ لِمَسْأَلَتِهِ , فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ذَلِكَ أَيْضًا , ثُمَّ قَالَ الرَّجُلُ: الْأَنْفَالُ الَّتِي قَالَ اللهُ فِي كِتَابِهِ , مَا هِيَ؟، قَالَ الْقَاسِمُ: فَلَمْ يَزَلْ يَسْأَلُهُ حَتَّى كَادَ أَنْ يُحْرِجَهُ , فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَتَدْرُونَ مَا مَثَلُ هَذَا؟ , مَثَلُهُ مَثَلُ صَبِيغٍ الَّذِي ضَرَبَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه -. (٣)

الشرح (٤)


(١) [الأنفال: ١]
(٢) السَّلَب: ما يأخُذُه أَحدُ المتقاتلين في الحربِ من خصمه، مما يكونُ عليه ومعه من ثِيابٍ وسلاحٍ ودابَّةٍ.
(٣) (ط) ٩٧٤ , (خم) ج٦ص٦١.
(٤) قال في المنتقى شرح الموطأ (ج ٣ / ص ٤٢): سُؤَالُ الرَّجُلِ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ عَنْ الْأَنْفَالِ , ظَاهِرُهُ أَنَّهُ سَأَلَهُ عَنْ الْأَنْفَالِ الْمَذْكُورَةِ فِي قوله تعالى: {يَسْأَلُونَك عَنْ الْأَنْفَالِ قُلْ الْأَنْفَالُ للهِ وَالرَّسُولِ} , قَالَ عِكْرِمَةُ , وَمُجَاهِدُ , وَابْنُ عَبَّاسٍ: هِيَ الْغَنَائِمُ.
قِيلَ: وَالْأَنْفَالُ: جَمْعُ نَفَلٍ , وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ الْغَنِيمَةُ نَفَلًا لِأَنَّهَا تَفَضُّلٌ مِنْ اللهِ عَلَى النَّاسِ.
وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا: الْأَنْفَالُ هِيَ الزِّيَادَاتُ الَّتِي يَزِيدُهَا الْأَئِمَّةُ لِلنَّاسِ إِذَا شَاءُوا ذَلِكَ وَكَانَتْ فِيهِ مَصْلَحَةٌ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: الْأَنْفَالُ: مَا شَذَّ مِنْ الْعَدُوِّ مِنْ عَبْدٍ أَوْ دَابَّةٍ , لِلْإِمَامِ أَنْ يُعْطِيَ ذَلِكَ مَنْ شَاءَ.
فَمَنْ قَالَ: إِنَّ الْأَنْفَالَ هِيَ الْغَنَائِمُ قَالَ: إِنَّ الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ}
وَمَنْ قَالَ بِالْقَوْلَيْنِ بَعْدَهُ , جَعَلَهَا مُحْكَمَةً , فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا ذَكَرْنَاهُ , وَاحْتُمِلَ أَنْ يَكُونَ سُؤَالُ الرَّجُلِ عَنْ الْأَنْفَالِ الْمَذْكُورَةِ , فَكَانَ سُؤَالُهُ عَنْ مَعْنَى هَذِهِ اللَّفْظَةِ وَمُقْتَضَاهَا فَأَجَابَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ بِذِكْرِ مَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مِنْهَا , وَهُوَ بَعْضُهَا , وَإِنَّمَا يَكُونُ هَذَا جَوَابًا لِمَنْ عَرَفَ أَنَّ الْأَنْفَالَ هِيَ الزِّيَادَةُ الَّتِي تَثْبُتُ بِالشَّرْعِ , أَوْ بِالْعُرْفِ فِي الشَّرْعِ.
وَأَمَّا مَنْ سَأَلَ عَنْ نَفْسِ الْأَنْفَالِ , فَلَيْسَ هَذَا جَوَابُهُ , وَلَعَلَّ ذَلِكَ الرَّجُلَ لَمْ يَتَبَيَّنْ سُؤَالَهُ , وَلَا تَبَيَّنَ مُرَادَهُ , فَاعْتَقَدَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ يَسْأَلُهُ عَمَّا قَدْ جَاوَبَهُ بِهِ , أَوْ لَعَلَّهُ قَدْ اقْتَرَنَ بِسُؤَالِهِ مِنْ سُوءِ التَّأوِيلِ , وَإِظْهَارِ الْإِعْجَابِ بِقَوْلِهِ , وَادِّعَاءِ الْمَعْرِفَةِ بِمَا سَأَلَ عَنْهُ , وَانْفِرَادِهِ بِمَعْرِفَةِ ذَلِكَ مَا اقْتَضَى أَنْ يُجَاوِبَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ بِمَا جَاوَبَهُ بِهِ.
أَوْ لَعَلَّهُ رَأَى أَنَّهُ مِمَّنْ لَا يَسْتَحِقُّ السُّؤَالَ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ , وَأَنَّهُ مِمَّنْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْأَلَ عَنْ مَسَائِلِ وُضُوئِهِ وَصَلَاتِهِ , لِقِلَّةِ مَعْرِفَتِهِ , فَيُغْفِلُ ذَلِكَ , وَيُقْبِلُ عَلَى السُّؤَالِ عَنْ مِثْلِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ الَّتِي لَا تَلِيقُ بِهِ وَلَا يَفْهَمُهَا , وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى مَعْرِفَتِهَا , فَلِذَلِكَ قَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَتَدْرُونَ مَا مَثَلُ هَذَا؟ , مَثَلُ صَبِيغٍ الَّذِي ضَرَبَهُ عُمَرُ بِالدِّرَّةِ.
وَقِصَّةُ صَبِيغٍ الْمَذْكُورِ: مَا رَوَى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ قَالَ: جَاءَ صَبِيغٌ التَّيْمِيُّ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ , أَخْبِرْنِي عَنْ الذَّارِيَاتِ ذَرْوًا؟ , قَالَ: هِيَ الرِّيَاحُ , قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ الْحَامِلَاتِ وِقْرًا؟ , قَالَ: هِيَ السَّحَابُ , قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ الْجَارِيَاتِ يُسْرًا؟ , قَالَ: هِيَ السُّفُنُ , ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَضَرَبَهُ مِائَةً وَجَعَلَهُ فِي بَيْتٍ , فَلَمَّا بَرَأَ دَعَا بِهِ فَضَرَبَهُ مِائَةً أُخْرَى , وَحَمَلَهُ عَلَى قَتَبٍ , وَكَتَبَ إِلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ: امْنَعْ النَّاسَ مِنْ مُجَالَسَتِهِ , فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى أَتَى أَبَا مُوسَى فَحَلَفَ لَهُ بِالْأَيْمَانِ الْمُغَلَّظَةِ مَا يَجِدُ فِي نَفْسِهِ مِمَّا كَانَ يَجِدُ شَيْئًا , فَكَتَبَ فِي ذَلِكَ إِلَى عُمَرَ , فَكَتَبَ عُمَرُ: مَا أَخَالُهُ إِلَّا قَدْ صَدَقَ , فَخَلِّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُجَالَسَتِهِ النَّاسَ. أ. هـ