للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فَضْلُ صِلَةِ الرَّحِم (١)

(خ م) , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: (" إِنَّ اللهَ خَلَقَ الْخَلْقَ) (٢) (فَلَمَّا فَرَغَ) (٣) (مِنْهُمْ) (٤) (قَامَتْ الرَّحِمُ (٥) فَأَخَذَتْ بِحَقْوِ الرَّحْمَنِ (٦)) (٧) (فَقَالَ: مَهْ؟) (٨) (قَالَتْ: هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ مِنْ الْقَطِيعَةِ , قَالَ: نَعَمْ، أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ , وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ (٩)؟، قَالَت: بَلَى يَا رَبِّ) (١٠) (قَالَ: فَذَلِكِ لَكِ) (١١) (ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ , أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} ") (١٢)


(١) قَالَ الْقُرْطُبِيّ: الرَّحِمُ الَّتِي تُوصَلُ , عَامَّةٌ وَخَاصَّةٌ، فَالْعَامَّةُ: رَحِمُ الدِّين وَتَجِبُ مُوَاصَلَتُهَا بِالتَّوَادُدِ وَالتَّنَاصُحِ , وَالْعَدْلِ وَالْإِنْصَافِ, وَالْقِيَامِ بِالْحُقُوقِ الْوَاجِبَةِ وَالْمُسْتَحَبَّةِ , وَأَمَّا الرَّحِمُ الْخَاصَّة: فَتَزِيدُ بِالنَّفَقَةِ عَلَى الْقَرِيب , وَتَفَقُّدِ أَحْوَالِهِمْ , وَالتَّغَافُلِ عَنْ زَلَّاتِهِمْ , وَتَتَفَاوَتُ مَرَاتِبُ اِسْتِحْقَاقِهِمْ فِي ذَلِكَ , كَمَا فِي الْحَدِيث " الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَب ".
وَقَالَ اِبْن أَبِي جَمْرَة: تَكُونُ صِلَةُ الرَّحِم بِالْمَالِ، وَبِالْعَوْنِ عَلَى الْحَاجَة، وَبِدَفْعِ الضَّرَر، وَبِطَلَاقَةِ الْوَجْه، وَبِالدُّعَاءِ.
وَالْمَعْنَى الْجَامِع: إِيصَالُ مَا أَمْكَنَ مِنْ الْخَيْرِ، وَدَفْعُ مَا أَمْكَنَ مِنْ الشَّرِّ بِحَسَبِ الطَّاقَة، وَهَذَا إِنَّمَا يَسْتَمِرُّ إِذَا كَانَ أَهْلُ الرَّحِمِ أَهْلَ اسْتِقَامَةٍ، فَإِنْ كَانُوا كُفَّارًا أَوْ فُجَّارًا , فَمُقَاطَعَتُهُمْ فِي اللهِ هِيَ صِلَتُهُمْ، بِشَرْطِ بَذْلِ الْجُهْدُ فِي وَعْظِهمْ , ثُمَّ إِعْلَامُهُمْ إِذَا أَصَرُّوا أَنَّ ذَلِكَ بِسَبَبِ تَخَلُّفِهِمْ عَنْ الْحَقّ، وَلَا يَسْقُطُ مَعَ ذَلِكَ صِلَتُهُمْ بِالدُّعَاءِ لَهُمْ بِظَهْرِ الْغَيْبِ أَنْ يَعُودُوا إِلَى الطَّرِيق الْمُثْلَى. فتح الباري (١٧/ ١١٥)
(٢) (خ) ٥٦٤١
(٣) (خ) ٤٥٥٢
(٤) (م) ١٦ - (٢٥٥٤)
(٥) يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْحَقِيقَة، وَالْأَعْرَاضُ يَجُوزُ أَنْ تَتَجَسَّدَ وَتَتَكَلَّمَ بِإِذْنِ اللهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَلَى حَذْفٍ , أَيْ: قَامَ مَلَكٌ فَتَكَلَّمَ عَلَى لِسَانهَا.
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَلَى طَرِيقِ ضَرْبِ الْمَثَلِ وَالِاسْتِعَارَة.
وَالْمُرَاد: تَعْظِيمُ شَأنِهَا , وَفَضْلُ وَاصِلهَا , وَإِثْمُ قَاطِعِهَا. فتح (١٣/ ٣٩٨)
(٦) قَالَ عِيَاض: الْحَقْو مَعْقِدُ الْإِزَار، وَهُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي يُسْتَجَارُ بِهِ , وَيُحْتَزَمُ بِهِ عَلَى عَادَةِ الْعَرَب، لِأَنَّهُ مِنْ أَحَقِّ مَا يُحَامَى عَنْهُ وَيُدْفَع، كَمَا قَالُوا: " نَمْنَعهُ مِمَّا نَمْنَعُ مِنْهُ أُزُرنَا "، فَاسْتُعِيرَ ذَلِكَ مَجَازًا لِلرَّحِمِ فِي اِسْتِعَاذَتهَا بِاللهِ مِنْ الْقَطِيعَة. فتح الباري - (ج ١٣ / ص ٣٩٨)
(٧) (خ) ٤٥٥٢
(٨) (خ) ٧٠٦٣
(٩) الْوَصْلُ مِنْ الله: كِنَايَةٌ عَنْ عَظِيمِ إِحْسَانِه، وَإِنَّمَا خَاطَبَ النَّاسَ بِمَا يَفْهَمُونَ، وَلَمَّا كَانَ أَعْظَمُ مَا يُعْطِيهِ الْمَحْبُوبُ لِمُحِبِّهِ الْوِصَال - وَهُوَ الْقُرْبُ مِنْهُ , وَإِسْعَافُهُ بِمَا يُرِيدُ , وَمُسَاعَدَتُهُ عَلَى مَا يُرْضِيه - وَكَانَتْ حَقِيقَةُ ذَلِكَ مُسْتَحِيلَةٌ فِي حَقِّ الله تَعَالَى، عُرِفَ أَنَّ ذَلِكَ كِنَايَةٌ عَنْ عَظِيمِ إِحْسَانِهِ لِعَبْدِهِ. وَكَذَا الْقَوْلُ فِي الْقَطْعِ، هُوَ كِنَايَةٌ عَنْ حِرْمَانِ الْإِحْسَان. فتح (١٧/ ١١٤)
(١٠) (خ) ٥٦٤١
(١١) (خ) ٧٠٦٣
(١٢) (م) ١٦ - (٢٥٥٤) , (خ) ٥٦٤١ , (حم) ٨٣٤٩