للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الْهِدَايَةُ بِيَدِ اللهِ , وَالضَّلَالُ بِيَدِ الله

قَالَ تَعَالَى: {وَاللهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ , وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (١)} [يونس/٢٥]

وَقَالَ تَعَالَى: {مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي , وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} (٢)

وَقَالَ تَعَالَى: {مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ , وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا} (٣)

وَقَالَ تَعَالَى: {مَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ , وَمَنْ يَهْدِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ} (٤)

وَقَالَ تَعَالَى: {مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي , وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} (٥)

وَقَالَ تَعَالَى: {ذَلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ , وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} (٦)

وَقَالَ تَعَالَى: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا , قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} (٧)

وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ , كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ , إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} (٨)

وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ , لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا , وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ} (٩)

وَقَالَ تَعَالَى: {مَنْ يَشَإِ اللهُ يُضْلِلْهُ , وَمَنْ يَشَأ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (١٠)

وَقَالَ تَعَالَى: {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآَهُ حَسَنًا , فَإِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ , وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ , فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ} (١١)

وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً , وَلَكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ , وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ , وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} (١٢)

وَقَالَ تَعَالَى: {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا , فَإِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ , وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} (١٣)

وَقَالَ تَعَالَى: {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا , فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ , أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا , إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ , تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ , وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ} (١٤)

وَقَالَ تَعَالَى: {فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ , وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ , يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} (١٥)

وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآَنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى , بَلْ للهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا , أَفَلَمْ يَيْئَسِ الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ لَوْ

يَشَاءُ اللهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا؟} (١٦)

التفسير (١٧)

وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً , وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ , وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ , وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} (١٨)

وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَوْ شِئْنَا لَآَتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا , وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} (١٩)

وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآَمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا , أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ , وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ , وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ} (٢٠)

وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ , وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى , وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا , مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ , وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ} (٢١)

وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ , فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ , أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأتِيَهُمْ بِآَيَةٍ , وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى , فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ} (٢٢)

وَقَالَ تَعَالَى: {اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ , لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ , وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ , وَلَوْ شَاءَ اللهُ مَا أَشْرَكُوا , وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا , وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ} (٢٣)

وَقَالَ تَعَالَى: {مَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ , وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} (٢٤)

وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} (٢٥)

وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ سَبِيلٍ} (٢٦)

وَقَالَ تَعَالَى: {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللهُ , وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا} (٢٧)

وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آَيَةٍ , حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ} (٢٨)

وَقَالَ تَعَالَى: {فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ , مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ} (٢٩)

وَقَالَ تَعَالَى: {قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا , فَأتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ , قَالَ إِنَّمَا يَأتِيكُمْ بِهِ اللهُ إِنْ شَاءَ ,

وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ , وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ , هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} (٣٠)

وَقَالَ تَعَالَى: {قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ , قَالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ , قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ , وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ , قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ , قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ , إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ , قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ , إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} (٣١)

وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يُرِدِ اللهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللهِ شَيْئًا , أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ , لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (٣٢)

وَقَالَ تَعَالَى: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ} (٣٣)

وَقَالَ تَعَالَى: {وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا} (٣٤)

وَقَالَ تَعَالَى: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آَبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأسَنَا , قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا , إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ, قُلْ فَللهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ , فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} (٣٥)

وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا , وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ , إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا , يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ , وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} (٣٦)

وَقَالَ تَعَالَى: {إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ , لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} (٣٧)


(١) هذه الآية جمعت الإرادتين: الإرادة الشرعية , والإرادة الكونية.
والمحققون من أهل السنة يقولون: الإرادة في كتاب الله نوعان: إرادة قَدَرِيَّة خلقية، وإرادة دينية شرعية.
فالإرادة الشرعية: هي المتضمِّنة المحبة والرضا.
والكونية: هي المشيئة الشاملة لجميع الموجودات.
فالإرادة الشرعية كقوله تعالى: {يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة:١٨٥]
وقوله: {مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ , وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ , وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ , لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [المائدة: ٦]
وقوله: {يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ , وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ , وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ , وَاللهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ , وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوأ مَيْلاً عَظِيمًا , يُرِيدُ اللهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ , وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا} [النساء:٢٦ - ٢٨]
وقوله: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ , وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب:٣٣] , فهذا النوع من الإرادة لا تستلزم وقوعَ المراد، إلا إذا تعلَّق به النوع الثاني من الإرادة، وهذه الإرادة تدلُّ دلالة واضحة على أنه سبحانه لا يحب الذنوب والمعاصي , والضلال , والكفر، ولا يأمر بها , ولا يرضاها - وإن كان شاءَها خَلْقاً وإيجاداً -.
وأنه يحب ما يتعلق بالأمور الدينية , ويرضاها , ويُثيب عليها أصحابها، ويدخلهم الجنة، وينصرهم في الحياة الدنيا وفي الآخرة، وينصر بها العباد من أوليائه المتقين , وحزبه المفلحين , وعباده الصالحين. وهذه الإرادة تتناول جميع الطاعات , حدَثت أو لم تحدُث.
والإرادة الكونية القدرية: هي الإرادة الشاملة لجميع الموجودات، التي يقال فيها: ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، وهذه الإرادة مثل قوله تعالى: {فَمَن يُرِدِ اللهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلَامِ , وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا} [الأنعام:١٢٥] , وقوله: {وَلَا يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ اللهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ} [هود:٣٤]. وقوله: {وَلَوْ شَاء اللهُ مَا اقْتَتَلُوأ , وَلَكِنَّ اللهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} [البقرة:٢٥٣].
وهذه الإرادة , إرادة شاملة , لا يخرجُ عنها أحد من الكائنات، فكلُّ الحوادث الكونية داخلةٌ في مُراد الله ومشيئته هذه، وهذه يشتركُ فيها المؤمن والكافر , والبر والفاجر، وأهل الجنة وأهل النار، وأولياء الله وأعداؤه، وأهل طاعته الذين يحبهم ويحبونه، ويصلي عليهم هو وملائكته، وأهل معصيته الذين يبغضهم ويَمقُتهم , ويلعنهم اللاعنون
وهذه الإرادة تتناول ما حدث من الطاعات والمعاصي, دون ما لم يحدث منها. والمخلوقات مع كُلٍّ من الإرادتين أربعة أقسام:
الأول: ما تعلَّقت به الإرادتان، وهو ما وقع في الوجود من الأعمال الصالحة، فإن الله أرادهُ إرادةَ دينٍ وشرعٍ، فأمَرَه وأحَبَّه ورَضِيَه، وأرادهُ إرادةَ كَوْنٍ , فوقع، ولولا ذلك ما كان.
والثاني: ما تعلقت به الإرادة الدينية فقط، وهو ما أمر الله به من الأعمال الصالحة، فعصى ذلك الكفار والفجار، فتلك كلها إرادةُ دِين، وهو يحبُّها ويرضاها , وقعت أم لم تقع.
والثالث: ما تعلقت به الإرادة الكونية فقط، وهو ما قدَّره الله وشاءه من الحوادث التي لم يأمر بها , كالمباحات , والمعاصي، فإنه لم يأمر بها، ولم يرضها، ولم يحبها، إذ هو لا يأمر بالفحشاء , ولا يرضى لعباده الكفر، ولولا مشيئته وقُدرته وخَلْقُه لها لما كانت , ولما وُجِدت، فإنه ما شاء الله كان , وما لم يشأ لم يكن.
والرابع: ما لم تتعلق به هذه الإرادة , ولا هذه، فهذا ما لم يقع ولم يوجد من أنواع المباحات والمعاصي.
والسعيد من عباد الله: من أراد اللهُ منه تقديراً ما أراد الله به تشريعاً.
والعبد الشقي: من أراد اللهُ به تقديراً ما لم يُرِد به تشريعاً.
وأهل السنة والجماعة الذين فَقِهوا دينَ الله حقَّ الفقه، ولم يضربوا كتاب الله بعضه ببعض، علموا أنَّ أحكام الله في خلقه تجري على وِفق هاتين الإرادتين، فمن نظر إلى الأعمال الصادرة عن العباد بهاتين العينين , كان بصيراً، ومن نظر إلى الشرع دون القدر، أو نظر إلى القدر دون الشرع , كان أعور , مثل قريش الذين قالوا: {لَوْ شَاء اللهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ} [الأنعام:١٤٨]. قال الله تعالى: {كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم حَتَّى ذَاقُوأ بَأسَنَا قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا, إِن تَتَّبِعُونَ إِلَاّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إَلَاّ تَخْرُصُونَ} [الأنعام:١٤٨]. (الإيمان بالقضاء والقدر- ص١٠٤) لعمر بن سليمان الأشقر
(٢) [الأعراف: ١٧٨]
(٣) [الكهف: ١٧]
(٤) [الزمر: ٣٦، ٣٧]
(٥) [الأعراف/١٧٨]
(٦) [الزمر: ٢٣]
(٧) [الحجرات: ١٧]
(٨) [يوسف/٢٤]
(٩) [الأنبياء١٠١ - ١٠٢]
(١٠) [الأنعام: ٣٩]
(١١) [فاطر/٨]
(١٢) [النحل: ٩٣]
(١٣) [فاطر: ٨]
(١٤) [الأعراف: ١٥٥]
(١٥) [الأنعام/١٢٥]
(١٦) [الرعد/٣١]
(١٧) مَعْنَى {سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ}، أَيْ: بِإِنْزَالِهِ وَقِرَاءَتِهِ, فَسَارَتْ عَنْ مَحَلِّ اسْتِقْرَارِهَا {أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ} أَيْ: صُدِّعَتْ حَتَّى صَارَتْ قِطَعًا مُتَفَرِّقَةً , {أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى} أَيْ: صَارُوا أَحْيَاءً بِقِرَاءَتِهِ عَلَيْهِمْ، فَكَانُوا يَفْهَمُونَهُ عِنْدَ تَكْلِيمِهِمْ بِهِ كَمَا يَفْهَمُهُ الْأَحْيَاءُ.
وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي جَوَابِ {لَوْ} مَاذَا هُوَ؟ , فَقَالَ الْفَرَّاءُ: هُوَ مَحْذُوفٌ، وَتَقْدِيرُهُ: لَكَانَ هَذَا الْقُرْآنُ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ الْجَوَابَ لَكَفَرُوا بِالرَّحْمَنِ، أَيْ: لَوْ فُعِلَ بِهِمْ هَذَا لَكَفَرُوا بِالرَّحْمَنِ.
وَقِيلَ: جَوَابُهُ لَمَا آمَنُوا , كَمَا سَبَقَ فِي قَوْلِهِ: مَا كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ وَقِيلَ: الْجَوَابُ مُتَقَدِّمٌ، وَفِي الْكَلَامِ تَقْدِيمٌ وَتَأخِير ٌ، أَي ْ: وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ لَوْ أَنَّ قُرْآنًا إِلَى آخِرِهِ، وَكَثِيرًا مَا تَحْذِفُ الْعَرَبُ جَوَابَ " لَوْ " إِذَا دَلَّ عَلَيْهِ سِيَاقُ الْكَلَامِ.
{بَلْ لِلهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً} أَيْ: لَوْ أَنَّ قُرْآنًا فُعِلَ بِهِ ذَلِكَ لَكَانَ هَذَا الْقُرْآنُ، وَلَكِنْ لَمْ يُفْعَلْ , بَلْ فُعِلَ مَا عَلَيْهِ الشَّأنُ الْآنَ، فَلَوْ شَاءَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَآمَنُوا , وَإِذَا لَمْ يَشَأ أَنْ يُؤْمِنُوا , لَمْ يَنْفَعْ تَسْيِيرُ الْجِبَالِ , وَسَائِرُ مَا اقْتَرَحُوهُ مِنَ الْآيَاتِ , فَالْإِضْرَابُ مُتَوَجِّهٌ إِلَى مَا يُؤَدِّي إِلَيْهِ كَوْنُ الْأَمْرِ لِلهِ سُبْحَانَهُ , وَيَسْتَلْزِمُهُ مِنْ تَوَقُّفِ الْأَمْرِ عَلَى مَا تَقْتَضِيهِ حِكْمَتُهُ وَمَشِيئَتُهُ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا هُوَ الْمَعْنَى الْمُرَادُ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ: {أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً} قَالَ الْفَرَّاءُ: قَالَ الْكَلْبِيُّ: {أَفَلَمْ يَيْأَسْ} بِمَعْنَى: أَفَلَمْ يَعْلَمْ، وَهِيَ لُغَةُ النَّخْعِ.
قَالَ فِي الصِّحَاحِ: وَقِيلَ: هِيَ لُغَةُ هَوَازِنَ، وَبِهَذَا قَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ.
فَمَعْنَى الْآيَةِ عَلَى هَذَا: أَفَلَمْ يَعْلَمِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُشَاهِدُوا الْآيَاتِ.
وَقِيلَ: إِنَّ الْإِيَاسَ عَلَى مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ، أَيْ: أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْ إِيمَانِ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارِ، لِعِلْمِهِمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَوْ أَرَادَ هِدَايَتَهُمْ لَهَدَاهُمْ , لِأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ تَمَنَّوْا نُزُولَ الْآيَاتِ الَّتِي اقْتَرَحَهَا الْكُفَّارُ طَمَعًا فِي إِيمَانِهِمْ. فتح القدير (٣/ ١٠١)
(١٨) [هود/١١٨، ١١٩]
(١٩) [السجدة/١٣]
(٢٠) [يونس/٩٩، ١٠٠]
(٢١) [الأنعام/١١١]
(٢٢) [الأنعام/٣٥]
(٢٣) [الأنعام: ١٠٦، ١٠٧]
(٢٤) [الأعراف: ١٨٦]
(٢٥) [الرعد: ٣٣] , [الزمر: ٣٦] , [غافر: ٣٣]
(٢٦) [الشورى: ٤٦]
(٢٧) [النساء: ٨٨]
(٢٨) [يونس/٩٦، ٩٧]
(٢٩) [الصافات/١٦١ - ١٦٣]
(٣٠) [هود/٣٢ - ٣٤]
(٣١) [الحجر/٣٢ - ٤٠]
(٣٢) [المائدة/٤١]
(٣٣) [المائدة/٤٩]
(٣٤) [الكهف/٨٠]
(٣٥) [الأنعام/١٤٨، ١٤٩]
(٣٦) [الإنسان: ٢٩ - ٣١]
(٣٧) [التكوير: ٢٧ - ٢٩]