للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

{الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ، أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} (١)

(خ م) , عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - قَالَ: (لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا (٢) إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} شَقَّ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -) (٣) (وَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ , أَيُّنَا لَمْ يَلْبِسْ إِيمَانَهُ بِظُلْمٍ؟) (٤) (فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: " لَيْسَ كَمَا تَظُنُّونَ) (٥) (إِنَّمَا هُوَ الشِّرْكُ، أَلَمْ تَسْمَعُوا مَا قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ: {يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللهِ , إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} (٦) ") (٧)

الشرح (٨)


(١) [الأنعام/٨٢]
(٢) أَيْ: لَمْ يَخْلِطُوا، تَقُول: لَبَسْتُ الْأَمْرَ بِالتَّخْفِيفِ، أَلْبَسَهُ بِالْفَتْحِ فِي الْمَاضِي وَالْكَسْرِ فِي الْمُسْتَقْبَل، أَيْ: خَلَطْتَه.
وَتَقُول: لَبِسْتُ الثَّوْب أَلْبِسُهُ بِالْكَسْرِ فِي الْمَاضِي , وَالْفَتْح فِي الْمُسْتَقْبَل.
وَقَالَ مُحَمَّد بْنُ إِسْمَاعِيل التَّيْمِيُّ فِي شَرْحه: خَلْطُ الْإِيمَان بِالشِّرْكِ لَا يُتَصَوَّر فَالْمُرَاد أَنَّهُمْ لَمْ تَحْصُل لَهُمْ الصِّفَتَانِ: كُفْر مُتَأَخِّر عَنْ إِيمَان مُتَقَدِّم. أَيْ: لَمْ يَرْتَدُّوا.
وَيَحْتَمِل أَنْ يُرَاد أَنَّهُمْ لَمْ يَجْمَعُوا بَيْنهمَا ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، أَيْ: لَمْ يُنَافِقُوا , وَهَذَا أَوْجَه. (فتح - ح٣٢)
(٣) (خ) ٤٤٩٨
(٤) (خ) ٣٢٤٥
(٥) (خ) ٦٥٣٨
(٦) سورة لقمان آية: ١٣.
(٧) (خ) ٣٢٤٦، (م) ١٩٧ - (١٢٤)، (ت) ٣٠٦٧، (حم) ٣٥٨٩
(٨) قال الحافظ في الفتح ح٣٢: الصَّحَابَةُ فَهِمُوا مِنْ قَوْله {بِظُلْمٍ} عُمُومَ أَنْوَاعِ الْمَعَاصِي، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ذَلِكَ، وَإِنَّمَا بَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ الْمُرَادَ أَعْظَمُ أَنْوَاعِ الظُّلْم , وَهُوَ الشِّرْك، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ لِلظُّلْمِ مَرَاتِبَ مُتَفَاوِتَة.
قَالَ الْخَطَّابِيُّ: كَانَ الشِّرْكُ عِنْد الصَّحَابَةِ أَكْبَرَ مِنْ أَنْ يُلَقَّبَ بِالظُّلْمِ، فَحَمَلُوا الظُّلْمَ فِي الْآيَة عَلَى مَا عَدَاهُ- يَعْنِي مِنْ الْمَعَاصِي- فَسَأَلُوا عَنْ ذَلِكَ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة.
وَفِي الْمَتْن مِنْ الْفَوَائِد: الْحَمْلُ عَلَى الْعُمُومِ , حَتَّى يَرِدَ دَلِيلُ الْخُصُوص.
وَأَنَّ النَّكِرَةَ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ تَعُمُّ، وَأَنَّ الْخَاصَّ يَقْضِي عَلَى الْعَامّ , وَالْمُبَيَّنُ عَنْ الْمُجْمَل، وَأَنَّ اللَّفْظَ يُحْمَلُ عَلَى خِلَافِ ظَاهِرِهِ لِمَصْلَحَةِ دَفْع التَّعَارُضِ.
وَأَنَّ دَرَجَاتِ الظُّلْم تَتَفَاوَت، وَأَنَّ الْمَعَاصِي لَا تُسَمَّى شِرْكًا، وَأَنَّ مَنْ لَمْ يُشْرِكْ بِاللهِ شَيْئًا فَلَهُ الْأَمْن , وَهُوَ مُهْتَدٍ.
فَإِنْ قِيلَ: فَالْعَاصِي قَدْ يُعَذَّب , فَمَا هُوَ الْأَمْنُ وَالِاهْتِدَاءُ الَّذِي حَصَلَ لَهُ؟ , فَالْجَوَاب أَنَّهُ آمِنٌ مِنْ التَّخْلِيدِ فِي النَّار، مُهْتَدٍ إِلَى طَرِيقِ الْجَنَّة. وَالله أَعْلَم. أ. هـ
قلت: وفي الحديث دليل على أن أولى تفسير لكتاب الله إنما هو بكتاب الله. ع