للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

سَفَرُ الْمَرْأَةِ لِلْحَجّ

(خ م حم) , عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (" لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِالله وَالْيَوْمِ الْآخِرِ , أَنْ تُسَافِرَ مَسِيرَةَ) (١) (يَوْمٍ فما فَوْقَهُ) (٢)

وفي رواية: مَسِيرَةَ لَيْلَةٍ (٣)

وفي رواية: مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ (٤)

وفي رواية: يَوْمَيْنِ (٥)

وفي رواية: ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ (٦)

وفي رواية: فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ (٧) (إِلَّا وَمَعَهَا أَبُوهَا، أَوْ ابْنُهَا، أَوْ زَوْجُهَا، أَوْ أَخُوهَا، أَوْ رَجُلٌ ذُو حُرْمَةٍ عَلَيْهَا (٨) ") (٩) (فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي اكْتُتِبْتُ فِي غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا (١٠)) (١١) (وَإِنَّ امْرَأَتِي تُرِيدُ الْحَجَّ) (١٢) (قَالَ: " اذْهَبْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِكَ (١٣) ") (١٤)


(١) (خ) ١٠٣٨ , (م) ١٣٤٠
(٢) (حم) ٩٤٦٢ , (م) ١٣٣٩
(٣) (م) ١٣٣٩ , (د) ١٧٢٣
(٤) (خ) ١٠٣٨ , (م) ١٣٣٩
(٥) (خ) ١١٣٩ , (م) ٨٢٧
(٦) (خ) ١٠٣٧ , (م) ٨٢٧
(٧) (م) ٨٢٧ , (ت) ١١٦٩
قال الحافظ في الفتح ج٤ص٧٥: وَرَدَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ مُقَيَّدًا بِمَسِيرَةِ يَوْمٍ وَلَيْلَة وَعنهُ رِوَايَات أُخْرَى , وَحَدِيثُ بن عُمَرَ فِيهِ مُقَيَّدًا بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ , وَعَنْهُ رِوَايَاتٌ أُخْرَى أَيْضًا , وَقَدْ عَمِلَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ فِي هَذَا الْبَابِ بِالْمُطْلَقِ , لِاخْتِلَافِ التَّقْيِيدَاتِ.
وَقَالَ النَّوَوِيّ: لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ التَّحْدِيدِ ظَاهِرُه، بَلْ كُلُّ مَا يُسَمَّى سَفَرًا , فَالْمَرْأَةُ مَنْهِيَّةٌ عَنْهُ إِلَّا بِالْمَحْرَمِ، وَإِنَّمَا وَقَعَ التَّحْدِيدُ عَنْ أَمْرٍ وَاقِعٍ , فَلَا يُعْمَلُ بِمَفْهُومِهِ. وَقَالَ اِبْن الْمُنِير: وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي مَوَاطِنَ بِحَسَب السَّائِلِينَ.
وَفَرَّقَ سُفْيَان الثَّوْرِيُّ بَيْنَ الْمَسَافَةِ الْبَعِيدَةِ , فَمَنَعَهَا دُونَ الْقَرِيبَةِ.
وَتَمَسَّكَ أَحْمَدُ بِعُمُومِ الْحَدِيثِ , فَقَالَ: إِذَا لَمْ تَجِدْ زَوْجًا أَوْ مَحْرَمًا , لَا يَجِبُ عَلَيْهَا الْحَجُّ , هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عَنْهُ.
وَعَنْهُ رِوَايَةٌ أُخْرَى كَقَوْلِ مَالِكٍ , وَهُوَ تَخْصِيصُ الْحَدِيثِ بِغَيْرِ سَفَرِ الْفَرِيضَةِ , قَالُوا: وَهُوَ مَخْصُوصٌ بِالْإِجْمَاعِ.
قَالَ الْبَغَوِيُّ: لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمَرْأَةِ السَّفَرُ فِي غَيْرِ الْفَرْضِ إِلَّا مَعَ زَوْجٍ أَوْ مَحْرَمٍ , إِلَّا كَافِرَةً أَسْلَمَتْ فِي دَارِ الْحَرْبِ , أَوْ أَسِيرَةً تَخَلَّصَتْ.
وَزَادَ غَيْرُهُ: أَوِ امْرَأَةً انْقَطَعَتْ مِنَ الرُّفْقَةِ , فَوَجَدَهَا رَجُلٌ مَأمُونٌ , فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَصْحَبَهَا حَتَّى يُبَلِّغَهَا الرُّفْقَةَ.
قَالُوا: وَإِذَا كَانَ عُمُومُهُ مَخْصُوصًا بِالِاتِّفَاقِ , فَلْيُخَصَّ مِنْهُ حَجَّةُ الْفَرِيضَةِ. وَأَجَابَ صَاحِبُ الْمُغْنِي بِأَنَّهُ سَفَرُ الضَّرُورَةِ , فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ حَالَةُ الِاخْتِيَارِ , وَلِأَنَّهَا تَدْفَعُ ضَرَرًا مُتَيَقَّنًا بِتَحَمُّلِ ضَرَرٍ مُتَوَهَّمٍ , وَلَا كَذَلِكَ السَّفَرِ لِلْحَجِّ.
وَقَدْ رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ وَصَحَّحَهُ أَبُو عَوَانَةَ حَدِيثَ الْبَابِ مِنْ طَرِيق بن جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ بِلَفْظِ: " لَا تَحُجَّنَّ امْرَأَةٌ إِلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ " , فَنَصَّ فِي نَفْسِ الْحَدِيثِ عَلَى مَنْعِ الْحَجِّ , فَكَيْفَ يُخَصُّ مِنْ بَقِيَّةِ الْأَسْفَارِ؟.
وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: اشْتِرَاطُ الزَّوْجِ أَوِ الْمَحْرَمِ , أَوِ النِّسْوَةِ الثِّقَاتِ.
وَفِي قَوْلٍ: تَكْفِي امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ ثِقَةٌ.
وَفِي قَوْلٍ نَقَلَهُ الْكَرَابِيسِيُّ وَصَحَّحَهُ فِي الْمُهَذَّبِ: تُسَافِرُ وَحْدَهَا إِذَا كَانَ الطَّرِيقُ آمِنًا وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْوَاجِبِ مِنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ , وَأَغْرَبَ الْقَفَّالُ فَطَرَدَهُ فِي الْأَسْفَارِ كُلِّهَا , وَاسْتَحْسَنَهُ الرُّويَانِيُّ , قَالَ: إِلَّا أَنَّهُ خِلَافُ النَّصِّ.
قُلْتُ: وَهُوَ يُعَكِّرُ عَلَى نَفْيِ الِاخْتِلَافِ الَّذِي نَقَلَهُ الْبَغَوِيُّ آنِفًا.
وَاخْتَلَفُوا هَلِ الْمَحْرَمُ وَمَا ذُكِرَ مَعَهُ شَرْطٌ فِي وُجُوبِ الْحَجِّ عَلَيْهَا , أَوْ شَرْطٌ فِي التَّمَكُّنِ , فَلَا يَمْنَعُ الْوُجُوبَ وَالِاسْتِقْرَارَ فِي الذِّمَّةِ.
وَعِبَارَةُ أَبِي الطَّيِّبِ الطَّبَرِيِّ مِنْهُمْ الشَّرَائِطُ الَّتِي يَجِبُ بِهَا الْحَجُّ عَلَى الرَّجُلِ يَجِبُ بِهَا عَلَى الْمَرْأَةِ , فَإِذَا أَرَادَتْ أَنْ تُؤَدِّيَهُ , فَلَا يَجُوزُ لَهُمْ إِلَّا مَعَ مَحْرَمٍ , أَوْ زَوْجٍ , أَوْ نِسْوَةٍ ثِقَاتٍ , وَمِنَ الْأَدِلَّةِ عَلَى جَوَازِ سَفَرِ الْمَرْأَةِ مَعَ النِّسْوَةِ الثِّقَاتِ إِذَا أُمِنَ الطَّرِيقُ: أَوَّلُ أَحَادِيثِ الْبَابِ , لِاتِّفَاقِ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَنِسَاءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَى ذَلِكَ , وَعَدَمِ نَكِيرِ غَيْرِهِمْ مِنَ الصَّحَابَةِ عَلَيْهِنَّ فِي ذَلِكَ , وَمَنْ أَبَى ذَلِكَ مِنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ , فَإِنَّمَا أَبَاهُ مِنْ جِهَةٍ خَاصَّةٍ كَمَا تَقَدَّمَ , لَا مِنْ جِهَةِ تَوَقُّفِ السَّفَرِ عَلَى الْمَحْرَمِ , وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ النُّكْتَةُ فِي إِيرَادِ الْبُخَارِيِّ الْحَدِيثَيْنِ أَحَدُهُمَا عَقِبَ الْآخَرِ.
وَلَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّ النِّسَاءَ كُلَّهُنَّ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ , إِلَّا مَا نُقِلَ عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ الْبَاجِيِّ أَنَّهُ خَصَّهُ بِغَيْرِ الْعَجُوزِ الَّتِي لَا تُشْتَهَى , وَكَأَنَّهُ نَقَلَهُ مِنَ الْخِلَافِ الْمَشْهُورِ فِي شُهُودِ الْمَرْأَةِ صَلَاةَ الْجَمَاعَةِ.
قَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ: الَّذِي قَالَهُ الْبَاجِيُّ تَخْصِيصٌ لِلْعُمُومِ بِالنَّظَرِ إِلَى الْمَعْنَى , يَعْنِي مَعَ مُرَاعَاةِ الْأَمْرِ الْأَغْلَبِ , وَتَعَقَّبُوهُ بِأَنَّ لِكُلِّ سَاقِطَةٍ لَاقِطَةً , وَالْمُتَعَقِّبُ رَاعَى الْأَمْرَ النَّادِرَ , وَهُوَ الِاحْتِيَاطُ.
قَالَ: وَالْمُتَعَقِّبُ عَلَى الْبَاجِيِّ يَرَى جَوَازَ سَفَرِ الْمَرْأَةِ فِي الْأَمْنِ وَحْدَهَا , فَقَدْ نَظَرَ أَيْضًا إِلَى الْمَعْنَى , يَعْنِي فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُنْكِرَ عَلَى الْبَاجِيِّ , وَأَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى الْوَجْهِ الْمُتَقَدِّمِ , وَالْأَصَحُّ خِلَافُهُ , وَقَدِ احْتَجَّ لَهُ بِحَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ مَرْفُوعًا: " يُوشِكُ أَنْ تَخْرُجَ الظَّعِينَةُ مِنَ الْحِيرَةِ تَؤُمُّ الْبَيْتَ لَا زَوْجَ مَعَهَا .. الْحَدِيثَ " , وَهُوَ فِي الْبُخَارِيِّ.
وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى وَجُودِ ذَلِكَ , لَا عَلَى جَوَازِهِ , وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ خَبَرٌ فِي سِيَاقِ الْمَدْحِ , وَرَفْعِ مَنَارِ الْإِسْلَامِ , فَيُحْمَلُ عَلَى الْجَوَازِ.
وَمِنَ الْمُسْتَظْرَفِ أَنَّ الْمَشْهُورَ مِنْ مَذْهَبِ مَنْ لَمْ يَشْتَرِطِ الْمَحْرَمَ أَنَّ الْحَجَّ عَلَى التَّرَاخِي , وَمِنْ مَذْهَبِ مَنْ يَشْتَرِطُهُ أَنَّهُ حَجٌّ عَلَى الْفَوْرِ , وَكَانَ الْمُنَاسِبُ لِهَذَا قَوْلَ هَذَا وَبِالْعَكْسِ.
وَأَمَّا مَا قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ حَدِيثِ جِبْرِيلَ فِي بَيَانِ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ عِنْدَ قَوْلِهِ " أَنْ تَلِدَ الْأَمَةُ رَبَّتَهَا " , فَلَيْسَ فِيهِ دِلَالَةٌ عَلَى إِبَاحَةِ بَيْعِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ , وَلَا مَنْعِ بَيْعِهِنَّ , خِلَافًا لِمَنِ اسْتَدَلَّ بِهِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا , لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي كُلِّ شَيْءٍ أَخْبَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِأَنَّهُ سَيَقَعُ يَكُونُ مُحَرَّمًا , وَلَا جَائِزًا انْتَهَى.
وَهُوَ كَمَا قَالَ , لَكِنَّ الْقَرِينَةَ الْمَذْكُورَةَ تُقَوِّي الِاسْتِدْلَال بِهِ على الْجَوَاز.
قَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَتَعَلَّقُ بِالْعَامَّيْنِ إِذَا تَعَارَضَا , فَإِنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى {وَلِلهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} عَامٌّ فِي الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ , فَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ عَلَى السَّفَرِ إِذَا وُجِدَتْ , وَجَبَ الْحَجُّ عَلَى الْجَمِيعِ ,
وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: " لَا تُسَافِرُ الْمَرْأَةُ إِلَّا مَعَ مَحْرَمٍ ", عَامٌّ فِي كُلِّ سَفَرٍ, فَيَدْخُلُ فِيهِ الْحَجُّ , فَمَنْ أَخْرَجَهُ عَنْهُ , خَصَّ الْحَدِيثَ بِعُمُومِ الْآيَةِ , وَمَنْ أَدْخَلَهُ فِيهِ , خَصَّ الْآيَةَ بِعُمُومِ الْحَدِيثِ , فَيَحْتَاجُ إِلَى التَّرْجِيحِ مِنْ خَارِجٍ , وَقَدْ رُجِّحَ الْمَذْهَبُ الثَّانِي بِعُمُومِ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: " لَا تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللهِ مَسَاجِدَ اللهِ " , وَلَيْسَ ذَلِكَ بِجَيِّدٍ , لِكَوْنِهِ عَامًّا فِي الْمَسَاجِدِ , فَيَخْرُجُ عَنْهُ الْمَسْجِدُ الَّذِي يَحْتَاجُ إِلَى السَّفَرِ بِحَدِيثِ النَّهْيِ.
(٨) ضَابِطُ الْمَحْرَمِ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ: مَنْ حَرُمَ عَلَيْهِ نِكَاحُهَا عَلَى التَّأبِيدِ بِسَبَبٍ مُبَاحٍ لِحُرْمَتِهَا , فَخَرَجَ بِالتَّأبِيدِ: أُخْتُ الزَّوْجَةِ , وَعَمَّتُهَا , وَبِالْمُبَاحِ: أُمُّ الْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ , وَبِنْتُهَا , وَبِحُرْمَتِهَا: الْمُلَاعَنَةُ.
وَاسْتَثْنَى أَحْمَدُ مِنْ حَرُمَتْ عَلَى التَّأبِيدِ مُسْلِمَةً لَهَا أَبٌ كِتَابِيٌّ , فَقَالَ: لَا يَكُونُ مَحْرَمًا لَهَا , لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَفْتِنَهَا عَنْ دِينِهَا إِذَا خَلَا بِهَا.
وَمَنْ قَالَ: إِنَّ عَبْدَ الْمَرْأَةِ مَحْرَمٌ لَهَا , يَحْتَاجُ أَنْ يَزِيدَ فِي هَذَا الضَّابِطِ مَا يُدْخِلُهُ وَقَدْ روى سعيد بن مَنْصُور من حَدِيث بن عُمَرَ مَرْفُوعًا " سَفَرُ الْمَرْأَةِ مَعَ عَبْدِهَا ضَيْعَةٌ " لَكِنْ فِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ , وَقَدِ احْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ , وَيَنْبَغِي لِمَنْ أَجَازَ ذَلِكَ أَنْ يُقَيِّدَهُ بِمَا إِذَا كَانَا فِي قَافِلَةٍ , بِخِلَافِ مَا إِذَا كَانَا وَحْدَهُمَا فَلَا , لِهَذَا الْحَدِيثِ.
وَفِي آخرِ حَدِيثِ ابن عَبَّاسٍ هَذَا مَا يُشْعِرُ بِأَنَّ الزَّوْجَ يَدْخُلُ فِي مُسَمَّى الْمَحْرَمِ فَإِنَّهُ لَمَّا اسْتَثْنَى الْمَحْرَمَ , فَقَالَ الْقَائِلُ: " إِنَّ امْرَأَتِي حَاجَّةٌ " , فَكَأَنَّهُ فَهِمَ حَالَ الزَّوْجِ فِي الْمَحْرَمِ , وَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ مَا فَهِمَهُ , بَلْ قِيلَ لَهُ: اخْرُجْ مَعَهَا , وَاسْتثنى بعض الْعلمَاء ابنَ الزَّوْجِ , فَكَرِهَ السَّفَرَ مَعَهُ , لِغَلَبَةِ الْفَسَادِ فِي النَّاس.
قَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ: هَذِهِ الْكَرَاهِيَةُ عَنْ مَالِكٍ , فَإِنْ كَانَتْ لِلتَّحْرِيمِ , فَفِيهِ بُعْدٌ لِمُخَالَفَةِ الْحَدِيثِ , وَإِنْ كَانَتْ لِلتَّنْزِيهِ , فَيَتَوَقَّفُ عَلَى أَنَّ لَفْظَ " لَا يَحِلُّ " هَلْ يَتَنَاوَلُ الْمَكْرُوهَ الْكَرَاهَةَ التَّنْزِيهِيَّةَ؟. فتح الباري (ج ٤ / ص ٧٧)
(٩) (م) ١٣٤٠ , (ت) ١١٦٩ , (خ) ١٧٦٥
(١٠) أَيْ: كَتَبْتُ اسْمِي في جُمْلَةِ الغُزَاة. النهاية في (ج ٤ / ص ٢٥٣)
(١١) (خ) ٢٨٤٤ , (م) ١٣٤١
(١٢) (خ) ١٧٦٣
(١٣) قَوْله: (اذْهَبْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِكَ) أَخَذَ بِظَاهِرِهِ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ , فَأَوْجَبَ عَلَى الزَّوْجِ السَّفَرَ مَعَ امْرَأَتِهِ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا غَيْرُهُ , وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ , وَهُوَ وَجْهٌ لِلشَّافِعِيَّةِ , وَالْمَشْهُورُ: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ , كَالْوَلِيِّ فِي الْحَجِّ عَنِ الْمَرِيضِ , فَلَوِ امْتَنَعَ إِلَّا بِأُجْرَةٍ , لَزِمَهَا , لِأَنَّهُ مِنْ سَبِيلِهَا , فَصَارَ فِي حَقِّهَا كَالْمُؤْنَةِ.
وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلزَّوْجِ مَنْعُ امْرَأَتِهِ مِنْ حَجِّ الْفَرْضِ , وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ , وَهُوَ وَجْهٌ لِلشَّافِعِيَّةِ , وَالْأَصَحُّ عِنْدَهُمْ: أَنَّ لَهُ مَنْعَهَا , لِكَوْنِ الْحَجِّ عَلَى التَّرَاخِي.
واستنبط مِنْهُ بن حَزْمٍ جَوَازَ سَفَرِ الْمَرْأَةِ بِغَيْرِ زَوْجٍ وَلَا مَحْرَمٍ , لِكَوْنِهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَأمُرْ بِرَدِّهَا , وَلَا عَابَ سَفَرَهَا.
وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ الزَّوْجُ وَالمَحْرَمُ شَرْطًا , لَمَا أَمَرَ زَوْجهَا بِالسَّفَرِ مَعَهَا , وَتَرْكِهِ الْغَزْوَ الَّذِي كُتِبَ فِيهِ.
قَالَ النَّوَوِيّ: وَفِي الْحَدِيثِ تَقْدِيمُ الْأَهَمِّ فَالْأَهَمِّ مِنَ الْأُمُورِ الْمُتَعَارِضَةِ , فَإِنَّهُ لَمَّا عَرَضَ لَهُ الْغَزْوُ وَالْحَجُّ , رَجَّحَ الْحَجَّ , لِأَنَّ امْرَأَتَهُ لَا يَقُومُ غَيْرُهُ مَقَامَهُ فِي السَّفَرِ مَعَهَا , بِخِلَاف الْغَزْو، وَالله أَعْلَم. فتح الباري (ج ٤ / ص ٧٨)
(١٤) (خ) ٢٨٤٤ , (م) ١٣٤١