للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

رُؤْيَةُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْمَنَام

(خ م) , عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: " مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَقَدْ رَآنِي (١) وفي رواية: (فَسَيَرَانِي فِي الْيَقَظَةِ (٢)) (٣)

وفي رواية: (لَكَأَنَّمَا رَآنِي فِي الْيَقَظَةِ (٤)) (٥) (فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَمَثَّلُ فِي صُورَتِي (٦) ") (٧)


(١) قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْر بْن الْعَرَبِيّ: رُؤْيَةُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِصِفَتِهِ الْمَعْلُومَةِ إِدْرَاكٌ عَلَى الْحَقِيقَة، وَرُؤْيَتُهُ عَلَى غَيْرِ صِفَتِه إِدْرَاكٌ لِلْمِثَالِ، فَإِنَّ الصَّوَابَ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَا تُغَيِّرهُمْ الْأَرْض، وَيَكُونُ إِدْرَاكُ الذَّاتِ الْكَرِيمَةِ حَقِيقَةً , وَإِدْرَاكُ الصِّفَاتِ إِدْرَاكٌ الْمَثَل، وَقَوْله " فَسَيَرَانِي " مَعْنَاهُ: فَسَيَرَى تَفْسِيرَ مَا رَأَى , لِأَنَّهُ حَقٌّ وَغَيْبٌ أُلْقِيَ فِيهِ، قَالَ: وَهَذَا كُلُّهُ إِذَا رَآهُ عَلَى صُورَتِهِ الْمَعْرُوفَة , فَإِنْ رَآهُ عَلَى خِلَافِ صِفَتِهِ , فَهِيَ أَمْثَال، فَإِنْ رَآهُ مُقْبِلًا عَلَيْهِ مَثَلًا , فَهُوَ خَيْرٌ لِلرَّائِي وَفِيهِ , وَعَلَى الْعَكْسِ فَبِالْعَكْسِ.
وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: اخْتُلِفَ فِي مَعْنَى الْحَدِيث , فَقَالَتْ طَائِفَة: مَعْنَاهُ أَنَّ مَنْ رَآهُ , رَآهُ عَلَى صُورَتِهِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا، وَيَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّ مَنْ رَآهُ عَلَى غَيْرِ صِفَتِهِ أَنْ تَكُونَ رُؤْيَاهُ مِنْ الْأَضْغَاث، وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ يُرَى فِي النَّوْمِ عَلَى حَالَةٍ تُخَالِفُ حَالَتَهُ فِي الدُّنْيَا مِنْ الْأَحْوَالِ اللَّائِقَة بِهِ , وَتَقَعُ تِلْكَ الرُّؤْيَا حَقًّا كَمَا لَوْ رُئِيَ مَلَأَ دَارًا بِجِسْمِهِ مَثَلًا , فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى اِمْتِلَاءِ تِلْكَ الدَّارِ بِالْخَيْرِ، وَلَوْ تَمَكَّنَ الشَّيْطَانُ مِنْ التَّمْثِيلِ بِشَيْءٍ مِمَّا كَانَ عَلَيْهِ , أَوْ يُنْسَبُ إِلَيْهِ , لَعَارَضَ عُمُومَ قَوْلِهِ " فَإِنَّ الشَّيْطَان لَا يَتَمَثَّل بِي " , فَالْأَوْلَى أَنْ تُنَزَّهَ رُؤْيَاهُ , وَكَذَا رُؤْيَا شَيْءٍ مِنْهُ , أَوْ مِمَّا يُنْسَبُ إِلَيْهِ عَنْ ذَلِكَ، فَهُوَ أَبْلَغُ فِي الْحُرْمَة وَأَلْيَقُ بِالْعِصْمَةِ , كَمَا عُصِمَ مِنْ الشَّيْطَان فِي يَقَظَتِه.
قَالَ: وَالصَّحِيحُ فِي تَأوِيلِ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ مَقْصُودَهُ أَنَّ رُؤْيَتَهُ فِي كُلِّ حَالَةٍ لَيْسَتْ بَاطِلَةً وَلَا أَضْغَاثًا , بَلْ هِيَ حَقٌّ فِي نَفْسهَا , وَلَوْ رُئِيَ عَلَى غَيْرِ صُورَتِهِ , فَتَصَوُّرُ تِلْكَ الصُّورَةِ لَيْسَ مِنْ الشَّيْطَان , بَلْ هُوَ مِنْ قِبَلِ الله , فَإِنْ كَانَتْ عَلَى ظَاهِرِهَا , وَإِلَّا سَعَى فِي تَأوِيلِهَا , وَلَا يُهْمِل أَمْرهَا , لِأَنَّهَا إِمَّا بُشْرَى بِخَيْرٍ , أَوْ إِنْذَارٌ مِنْ شَرّ , إِمَّا لِيُخِيفَ الرَّائِي لِيَنْزَجِر عَنْهُ , وَإِمَّا لِيُنَبِّهَ عَلَى حُكْمٍ يَقَعُ لَهُ فِي دِينِهِ أَوْ دُنْيَاهُ.
وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: قَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ الَّذِي يُرَى فِي الْمَنَامِ أَمْثِلَةٌ لِلْمَرْئِيَّاتِ , لَا أَنْفُسُهَا، غَيْرَ أَنَّ تِلْكَ الْأَمْثِلَةِ تَارَةً تَقَع مُطَابِقَةٌ , وَتَارَةً يَقَعُ مَعْنَاهَا،
فَمِنْ الْأَوَّلِ: رُؤْيَاهُ - صلى الله عليه وسلم - عَائِشَة وَفِيهِ " فَإِذَا هِيَ أَنْتِ " , فَأَخْبَرَ أَنَّهُ رَأَى فِي الْيَقَظَةِ مَا رَآهُ فِي نَوْمِهِ بِعَيْنِهِ.
وَمِنْ الثَّانِي: رُؤْيَا الْبَقَرِ الَّتِي تُنْحَر , وَالْمَقْصُودِ بِالثَّانِي: التَّنْبِيهُ عَلَى مَعَانِي تِلْكَ الْأُمُور.
وَمِنْ فَوَائِدِ رُؤْيَتِهِ - صلى الله عليه وسلم - تَسْكِينُ شَوْقِ الرَّائِي , لِكَوْنِهِ صَادِقًا فِي مَحَبَّتِهِ. فتح الباري (ج ١٩ / ص ٤٦٩)
(٢) قَالَ اِبْن بَطَّال: قَوْله " فَسَيَرَانِي فِي الْيَقَظَة " يُرِيدُ تَصْدِيقَ تِلْكَ الرُّؤْيَا فِي الْيَقَظَةِ وَصِحَّتَهَا , وَخُرُوجَهَا عَلَى الْحَقّ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَرَاهُ فِي الْآخِرَة لِأَنَّهُ سَيَرَاهُ يَوْم الْقِيَامَة فِي الْيَقَظَة , فَتَرَاهُ جَمِيعُ أُمَّتِهِ , مَنْ رَآهُ فِي النَّوْمِ , وَمَنْ لَمْ يَرَهُ مِنْهُمْ , وَقَدْ اِشْتَدَّ إِنْكَار الْقُرْطُبِيِّ عَلَى مَنْ قَالَ: مَنْ رَآهُ فِي الْمَنَامِ فَقَدْ رَأَى حَقِيقَتَه , ثُمَّ يَرَاهَا كَذَلِكَ فِي الْيَقَظَة. فتح الباري (١٩/ ٤٦٩)
(٣) (خ) ٦٥٩٢ , (م) ٢٢٦٦
(٤) قَوْله " فَكَأَنَّمَا رَآنِي " تَشْبِيه , وَمَعْنَاهُ: أَنَّهُ لَوْ رَآهُ فِي الْيَقَظَة , لَطَابَقَ مَا رَآهُ فِي الْمَنَام , فَيَكُونُ الْأَوَّلُ حَقًّا وَحَقِيقَة , وَالثَّانِي حَقًّا وَتَمْثِيلًا. فتح الباري (١٩/ ٤٦٩)
(٥) (د) ٥٠٢٣
(٦) يُشِيرُ إِلَى أَنَّ اللهَ تَعَالَى وَإِنْ أَمْكَنَ الشيطانَ مِنْ التَّصَوُّرِ فِي أَيِّ صُورَةٍ أَرَادَ , فَإِنَّهُ لَمْ يُمَكِّنْهُ مِنْ التَّصَوُّرِ فِي صُورَةِ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -.فتح الباري (١٩/ ٤٦٩)
(٧) (خ) ١١٠ , (م) ٢٢٦٦