للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ، فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ، ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ، ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ، وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى، ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ، وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى، وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا، وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً، فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ، وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} (١)

(خ م ت) , عَنْ عَبْدِ اللهِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - قَالَ: (حَدَّثَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ (٢) - قَالَ: " إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ (٣) فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا , ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً (٤) مِثْلَ ذَلِكَ , ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً (٥) مِثْلَ ذَلِكَ (٦)) (٧) (ثُمَّ يَبْعَثُ اللهُ إِلَيْهِ مَلَكًا فَصَوَّرَهُ , وَخَلَقَ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ وَجِلْدَهُ وَشَعْرَهُ وَلَحْمَهُ وَعِظَامَهُ (٨)) (٩) (وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعٍ كَلِمَاتٍ (١٠): فَيَكْتُبُ رِزْقَهُ , وَأَجَلَهُ , وَعَمَلَهُ , وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ) (١١) (يَقُولُ: يَا رَبِّ أَذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى؟ , فَيَجْعَلُهُ اللهُ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى , ثُمَّ يَقُولُ: يَا رَبِّ أَسَوِيٌّ أَوْ غَيْرُ سَوِيٍّ؟ , فَيَجْعَلُهُ اللهُ سَوِيًّا أَوْ غَيْرَ سَوِيٍّ , ثُمَّ يَقُولُ: يَا رَبِّ مَا رِزْقُهُ؟ , فَيَقْضِي رَبُّكَ مَا شَاءَ , وَيَكْتُبُ الْمَلَكُ , ثُمَّ يَقُولُ: يَا رَبِّ مَا أَجَلُهُ؟ , فَيَقُولُ رَبُّكَ مَا شَاءَ , وَيَكْتُبُ الْمَلَكُ , ثُمَّ يَقُولُ: يَا رَبِّ مَا خُلُقُهُ؟ , أَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ؟ , فَيَجْعَلُهُ اللهُ شَقِيًّا أَوْ سَعِيدًا , وَيَكْتُبُ الْمَلَكُ (١٢)) (١٣) (فَيَقْضِي اللهُ تَعَالَى إِلَيْهِ أَمْرَهُ، فَيَكْتُبُ مَا هُوَ لَاقٍ , حَتَّى النَّكْبَةَ يُنْكَبُهَا (١٤)) (١٥) (ثُمَّ يَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ (١٦) ") (١٧)


(١) [الحج: ٥]
(٢) أي: الصَّادِق فِي قَوْله، الْمَصْدُوق فِيمَا يَأتِي مِنْ الْوَحْي الْكَرِيم. شرح النووي على مسلم - (ج ٨ / ص ٤٨٩)
(٣) قَالَ اِبْن الْأَثِير فِي النِّهَايَة: يَجُوز أَنْ يُرِيد بِالْجَمْعِ: مُكْثُ النُّطْفَة فِي الرَّحِم، أَيْ: تَمْكُث النُّطْفَةُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا تُخَمَّر فِيهِ , حَتَّى تَتَهَيَّأ لِلتَّصْوِيرِ , ثُمَّ تُخْلَقُ بَعْد ذَلِكَ. فتح الباري - (ج ١٨ / ص ٤٣٧)
(٤) العَلَقة: الدَّم الْجَامِد الْغَلِيظ , سُمِّيَ بِذَلِكَ لِلرُّطُوبَةِ الَّتِي فِيهِ, وَتَعَلُّقِهِ بِمَا مَرَّ بِهِ. فتح الباري - (ج ١٨ / ص ٤٣٧)
(٥) المُضْغَة: قِطْعَة اللَّحْم , سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا قَدْرُ مَا يَمْضُغُ الْمَاضِغُ. فتح الباري - (ج ١٨ / ص ٤٣٧)
(٦) يَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْمُرَاد: تَصَيُّرَهَا شَيْئًا فَشَيْئًا، فَيُخَالِطُ الدَّم النُّطْفَة فِي الْأَرْبَعِينَ الْأُولَى بَعْد اِنْعِقَادهَا وَامْتِدَادهَا، وَتَجْرِي فِي أَجْزَائِهَا شَيْئًا فَشَيْئًا , حَتَّى تَتَكَامَلَ عَلَقَةً فِي أَثْنَاء الْأَرْبَعِينَ، ثُمَّ يُخَالِطهَا اللَّحْم شَيْئًا فَشَيْئًا إِلَى أَنْ تَشْتَدَّ , فَتَصِير مُضْغَةً , وَلَا تُسَمَّى عَلَقَةً قَبْل ذَلِكَ مَا دَامَتْ نُطْفَة، وَكَذَا مَا بَعْد ذَلِكَ مِنْ زَمَان الْعَلَقَة وَالْمُضْغَة. فتح الباري - (ج ١٨ / ص ٤٣٧)
(٧) (خ) ١٢٢٦
(٨) حَدِيث اِبْنِ مَسْعُود بِجَمِيعِ طُرُقِه يَدُلّ عَلَى أَنَّ الْجَنِينَ يَتَقَلَّب فِي مِائَة وَعِشْرِينَ يَوْمًا فِي ثَلَاثَة أَطْوَار , كُلّ طَوْرٍ مِنْهَا فِي أَرْبَعِينَ , ثُمَّ بَعْدَ تَكْمِلَتِهَا يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوح وَقَدْ ذَكَرَ الله تَعَالَى هَذِهِ الْأَطْوَار الثَّلَاثَة مِنْ غَيْر تَقْيِيدٍ بِمُدَّةٍ فِي عِدَّةِ سُوَرٍ، مِنْهَا فِي الْحَجّ , وَدَلَّتْ الْآيَةُ الْمَذْكُورةُ عَلَى أَنَّ التَّخْلِيق يَكُونُ لِلْمُضْغَةِ، وَبَيَّنَ الْحَدِيث أَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ فِيهَا إِذَا تَكَامَلَتْ الْأَرْبَعِينَ , وَهِيَ الْمُدَّة الَّتِي إِذَا اِنْتَهَتْ سُمِّيَتْ مُضْغَة، وَذَكَرَ الله النُّطْفَة, ثُمَّ الْعَلَقَةَ, ثُمَّ الْمُضْغَةَ فِي سُوَرٍ أُخْرَى , وَزَادَ فِي سُورَةِ المؤمنون بَعْد الْمُضْغَة: {فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا , فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا} الْآيَةَ، وَيُؤْخَذُ مِنْهَا وَمِنْ حَدِيث الْبَاب أَنَّ تَصَيُّرَ الْمُضْغَة عِظَامًا بَعْد نَفْخ الرُّوح. فتح (١٨/ ٤٣٧)
(٩) (م) ٢٦٤٥
(١٠) الْمُرَاد بِالْكَلِمَاتِ: الْقَضَايَا الْمُقَدَّرَة، وَكُلّ قَضِيَّةٍ تُسَمَّى كَلِمَةً. فتح (١٨/ ٤٣٧)
(١١) (خ) ٧٠١٦
(١٢) الْمُرَاد بِجَمِيعِ مَا ذُكِرَ مِنْ الرِّزْق وَالْأَجَل وَالشَّقَاوَة وَالسَّعَادَة وَالْعَمَل وَالذُّكُورَة وَالْأُنُوثَة , أَنَّ اللهَ يُظْهِرُ ذَلِكَ لِلْمَلَكِ، وَيَأمُرُهُ بِإِنْفَاذِهِ وَكِتَابَته، وَإِلَّا فَقَضَاءُ اللهِ تَعَالَى سَابِقٌ عَلَى ذَلِكَ، وَعِلْمُهُ وَإِرَادَته لِكُلِّ ذَلِكَ مَوْجُود فِي الْأَزَل , وَالله أَعْلَم. شرح النووي على مسلم - (ج ٨ / ص ٤٩٣)
(١٣) (م) ٢٦٤٥
(١٤) (النَّكْبَةِ): مَا يُصِيبُ الْإِنْسَانَ مِنْ الْحَوَادِثِ. تحفة (ج ٧ / ص ٣٥٩)
(١٥) (حب) ٦١٧٨ , صححه الألباني في ظلال الجنة: ١٨٦، وصحيح موارد الظمآن: ١٥٢٠
(١٦) اتَّفَقَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّ نَفْخ الرُّوح لَا يَكُون إِلَّا بَعْد أَرْبَعَة أَشْهُر.
وَقَدْ قِيلَ إِنَّهُ الْحِكْمَة فِي عِدَّة الْمَرْأَة مِنْ الْوَفَاة بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْر , وَهُوَ الدُّخُولُ فِي الشهر الْخَامِس.
وَمَعْنَى إِسْنَادِ النَّفْخِ لِلْمَلَكِ: أَنَّهُ يَفْعَلُهُ بِأَمْرِ الله، وَالنَّفْخُ فِي الْأَصْل: إِخْرَاج رِيح مِنْ جَوْفِ النَّافِخ , لِيَدْخُلَ فِي الْمَنْفُوخ فِيهِ.
وَجَمَعَ بَعْضُهمْ بِأَنَّ الْكِتَابَة تَقَع مَرَّتَيْنِ: فَالْكِتَابَة الْأُولَى فِي السَّمَاء , وَالثَّانِيَة فِي بَطْن الْمَرْأَة. فتح الباري - (ج ١٨ / ص ٤٣٧)
ويقول د. راغب السرجاني في مقال نشره في موقعه (قصة الإسلام): كان بعض علماء الحديث قد فهموا تلك المدة على أنها ثلاث أضعاف ذلك- أي مائة وعشرين يومًا- لأنهم فهموا التعبير بـ "مِثْلَ ذَلِكَ" في نصِّ الحديث على أنها تُشير إلى الفترة الزمنية المحدَّدة بأربعين يومًا لكل مرحلة من المراحل الثلاث: النطفة، والعلقة، والمضغة، وينفي ذلك الفهم حديثٌ آخر لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال فيه: " إِذَا مَرَّ بِالنُّطْفَةِ ثِنْتَانِ وَأَرْبَعُونَ لَيْلَةً , بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهَا مَلَكًا، فَصَوَّرَهَا، وَخَلَقَ سَمْعَهَا وَبَصَرَهَا وَجِلْدَهَا وَلَحْمَهَا وَعِظَامَهَا ... ".
وشكلُ المضغة لا صِلة له بشكل الإنسان من قريب أو بعيد، ولكن تبدأ المضغة في اكتساب الشكل الإنساني بالتدريج في الأيام الخمسة التالية لتخلُّق المضغة؛ أي: في الفترة من اليوم الأربعين إلى الخامس والأربعين من بعد عملية الإخصاب , وفي اليوم الخامس والأربعين يتم تكوُّن الأعضاء، والهيكل العظمي بصورة ظاهرة , وتستمرُّ عملية الانقسام الخلوي والتمايز الدقيق في الخَلق بعد ذلك.
وقد ثبت بالدراسات المستفيضة في مجال علم الأجنة البشرية أن هذه المراحل لا تبدأ إلَاّ مع نهاية مرحلة المُضغة، أي: مع نهاية الأسبوع السادس من بدء الحمل (بعد ثنتين وأربعين ليلة) وبذلك يثبت صدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الحديثين المذكورين، وفي كل حديث قاله.
كيف عرف محمد - صلى الله عليه وسلم - هذه الدقائق العلمية المعقدة، والمتناهية الدقَّة في خلق الجنين، والتي تتراوح أبعادُها بين الجزء من عشرة آلاف جزء من الملليمتر , حتى تصل إلى حوالي عشرة ملليمترات فقط؟!.
وهذه المراحل الجنينية حتى لو نزلت مع السِّقط وهي غارقة في الدماء , ما كان ممكنًا للإنسان أن يُدْركها , فضْلاً عن رؤيتها، وَوَصْفِها، وتسميتها بأسمائها الصحيحة، ومن هنا كانت تعبيراتُ وَصْف مراحل الجنين كما جاء في الحديث السابق من أوضح جوانب الإعجاز العلمي في سُنَّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودليلاً ناصعًا على صِدق نبوته. أ. هـ
(١٧) (خ) ٣١٥٤ , ٧٠١٦