وَتَعَقَّبَهُ الْكِرْمَانِيُّ بِأَنَّ عَزِيمَةَ الْقَلْبِ قَدْرٌ زَائِدٌ عَلَى أَصْلِ الْقَصْدِ. فتح الباري لابن حجر (١/ ١٣)
وَقَالَ الْبَيْضَاوِيّ: (النِّيَّة) عِبَارَة عَنْ اِنْبِعَاث الْقَلْب نَحْو مَا يَرَاهُ مُوَافِقًا لِغَرَضٍ , مِنْ جَلْبِ نَفْعٍ أَوْ دَفْعِ ضُرّ , حَالًا أَوْ مَآلًا، وَالشَّرْعُ خَصَّصَهُ بِالْإِرَادَةِ الْمُتَوَجِّهَةِ نَحْوَ الْفِعْلِ لِابْتِغَاءِ رِضَاءِ اللهِ , وَامْتِثَال حُكْمه. (١/ ١٣)
(٢) لَفْظُ الْعَمَلِ يَتَنَاوَلُ فِعْلَ الْجَوَارِحِ , حَتَّى اللِّسَانِ , فَتَدْخُلُ الْأَقْوَالُ.
قَالَ ابنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: وَأَخْرَجَ بَعْضُهُمُ الْأَقْوَالَ , وَهُوَ بَعِيدٌ , وَلَا تَرَدُّدَ عِنْدِي فِي أَنَّ الْحَدِيثَ يَتَنَاوَلُهَا , وَأَمَّا التُّرُوكُ , فَهِيَ وَإِنْ كَانَتْ فِعْلَ كَفٍّ , لَكِن لا يُطْلَقُ عَلَيْهَا لَفْظُ الْعَمَلِ.
وَقَدْ تُعُقِّبَ عَلَى مَنْ يُسَمِّي الْقَوْلَ عَمَلًا لِكَوْنِهِ عَمَلَ اللِّسَانِ , بِأَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يَعْمَلُ عَمَلًا , فَقَالَ قَوْلًا , لَا يَحْنَثَ.
وَأُجِيبَ: بِأَنَّ مَرْجِعَ الْيَمِينِ إِلَى الْعُرْفِ , وَالْقَوْلُ لَا يُسَمَّى عَمَلًا فِي الْعُرْفِ وَلِهَذَا يُعْطَفُ عَلَيْهِ , وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْقَوْلَ لَا يَدْخُلُ فِي الْعَمَلِ حَقِيقَةً , وَيَدْخُلُ مَجَازًا , وَكَذَا الْفِعْلُ , لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ} بَعْدَ قَوْلِهِ {زُخْرُفَ الْقَوْلِ}. فتح (١/ ١٣)
وَنَازَعَ الْكِرْمَانِيُّ فِي إِطْلَاقِ الشَّيْخِ مُحْيِي الدِّينِ كَوْنَ الْمَتْرُوكِ لَا يَحْتَاجُ إِلَى نِيَّةٍ , بِأَنَّ التَّرْكَ فِعْلٌ , وَهُوَ كَفُّ النَّفْسِ , وَبِأَنَّ الْتُّرُوكَ إِذَا أُرِيدَ بِهَا تَحْصِيلُ الثَّوَابِ بِامْتِثَالِ أَمْرِ الشَّارِعِ , فَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ قَصْدِ التَّرْكِ.
وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ قَوْلَهُ " التَّرْكُ فِعْلٌ " مُخْتَلَفٌ فِيهِ , وَمِنْ حَقِّ الْمُسْتَدِلِّ عَلَى الْمَانِعِ أَنْ يَأتِيَ بِأَمْرٍ مُتَّفَقٍ عَلَيْهِ.
وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُ الثَّانِي , فَلَا يُطَابِقُ الْمَوْرِدَ , لِأَنَّ الْمَبْحُوثَ فِيهِ: هَلْ تَلْزَمُ النِّيَّةُ فِي التُّرُوكِ , بِحَيْثُ يَقَعُ الْعِقَابُ بِتَرْكِهَا؟ , وَالَّذِي أَوْرَدَهُ: هَلْ يَحْصُلُ الثَّوَابُ بِدُونِهَا؟ , وَالتَّفَاوُتُ بَيْنَ الْمَقَامَيْنِ ظَاهِرٌ.
وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ التَّرْكَ الْمُجَرَّدَ لَا ثَوَابَ فِيهِ , وَإِنَّمَا يَحْصُلُ الثَّوَابُ بِالْكَفِّ الَّذِي هُوَ فِعْلُ النَّفْسِ , فَمَنْ لَمْ تَخْطُرِ الْمَعْصِيَةُ بِبَالِهِ أَصْلًا , لَيْسَ كَمَنْ خَطَرَتْ فَكَفَّ نَفْسَهُ عَنْهَا خَوْفًا مِنَ اللهِ تَعَالَى , فَرَجَعَ الْحَالُ إِلَى أَنَّ الَّذِي يَحْتَاجُ إِلَى النِّيَّةِ , هُوَ الْعَمَلُ بِجَمِيعِ وُجُوهِهِ , لَا التَّرْكُ الْمُجَرَّدُ, وَاللهُ أَعْلَمُ. فتح الباري لابن حجر (١/ ١٤)
(٣) قَوْلُهُ " إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ " كَذَا أُورِدَ هُنَا وَهُوَ مِنْ مُقَابَلَةِ الْجَمْعِ بِالْجَمْعِ , أَيْ: كُلُّ عَمَلٍ بِنِيَّتِهِ.
وَقَالَ الْحَرْبِيُّ: كَأَنَّهُ أَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى أَنَّ النِّيَّةَ تَتَنَوَّعُ كَمَا تَتَنَوَّعُ الْأَعْمَالُ , كَمَنْ قَصَدَ بِعَمَلِهِ وَجْهَ اللهِ , أَوْ تَحْصِيلَ مَوْعُودِهِ , أَوْ الِاتِّقَاءَ لِوَعِيدِهِ , وَوَقَعَ فِي مُعْظَمِ الرِّوَايَاتِ بِإِفْرَادِ النِّيَّةِ , وَوَجْهُهُ أَنَّ مَحَلَّ النِّيَّةِ الْقَلْبُ , وَهُوَ مُتَّحِدٌ فَنَاسَبَ إِفْرَادَهَا بِخِلَافِ الْأَعْمَالِ , فَإِنَّهَا مُتَعَلِّقَةٌ بِالظَّوَاهِرِ , وَهِيَ مُتَعَدِّدَةٌ فَنَاسَبَ جَمْعَهَا , وَلِأَنَّ النِّيَّةَ تَرْجِعُ إِلَى الْإِخْلَاصِ , وَهُوَ وَاحِدٌ لِلْوَاحِدِ الَّذِي لَا شَرِيكَ لَهُ. فتح الباري (١/ ١٢)
فَتَقْدِيرُ هَذَا الْحَدِيثِ: إِنَّ الْأَعْمَالَ تُحْسَبُ بِنِيَّةٍ، وَلَا تُحْسَبُ إِذَا كَانَتْ بِلَا نِيَّة. شرح النووي على مسلم (١٣/ ٥٤)
والْحَدِيث مَتْرُوك الظَّاهِر , لِأَنَّ الذَّوَاتَ غَيْرُ مُنْتَفِيَة، إِذْ التَّقْدِيرُ: لَا عَمَل إِلَّا بِالنِّيَّةِ، فَلَيْسَ الْمُرَادُ نَفْيَ ذَاتِ الْعَمَل , لِأَنَّهُ قَدْ يُوجَدُ بِغَيْرِ نِيَّة، بَلْ الْمُرَاد: نَفْيُ أَحْكَامِهَا , كَالصِّحَّةِ وَالْكَمَال، لَكِنَّ الْحَمْلَ عَلَى نَفْيِ الصِّحَّة أَوْلَى , لِأَنَّهُ أَشْبَهُ بِنَفْيِ الشَّيْءِ نَفْسِهِ. فتح (١/ ١٣)
وَقَالَ اِبْن السَّمْعَانِيّ فِي أَمَالِيهِ: أَفَادَتْ أَنَّ الْأَعْمَالَ الْخَارِجَةَ عَنْ الْعِبَادَةِ لَا تُفِيدُ الثَّوَاب إِلَّا إِذَا نَوَى بِهَا فَاعِلُهَا الْقُرْبَةَ، كَالْأَكْلِ , إِذَا نَوَى بِهِ الْقُوَّةَ عَلَى الطَّاعَة. فتح الباري لابن حجر (١/ ١٤)
ويُستَثنَى مِن عُمُومِ الخَبَرِ ما يَحصُلُ مِن جِهَةِ الفَضلِ الإِلَهِيِّ بِالقَصدِ مِن غَيرِ عَمَلٍ , كالأَجرِ الحاصِلِ لِلمَرِيضِ بِسَبَبِ مَرَضِهِ عَلَى الصَّبرِ , لِثُبُوتِ الأخْبارِ بِذَلِكَ , خِلافًا لِمَن قالَ: إِنَّما يَقَعُ الأَجرُ عَلَى الصَّبرِ وحُصُولِ الأَجرِ بِالوعْدِ الصّادِقِ لِمَن قَصَدَ العِبادَةَ , فَعاقَهُ عَنْها عائِقٌ بِغَيرِ إِرادَتِهِ , وكَمَن لَهُ أَورادٌ فَعَجَزَ عَن فِعلِها لِمَرَضٍ مَثَلاً , فَإِنَّهُ يُكتَبُ لَهُ أَجرُها كَمَنْ عَمِلَها. فتح الباري (١٢/ ٣٢٨)
(٤) قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: فِيهِ تَحْقِيقٌ لِاشْتِرَاطِ النِّيَّةِ , وَالْإِخْلَاصِ فِي الْأَعْمَالِ , فَجَنَحَ إِلَى أَنَّهَا مُؤَكَّدَةٌ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: بَلْ تُفِيدُ غَيْرَ مَا أَفَادَتْهُ الْأُولَى , لِأَنَّ الْأُولَى نَبَّهَتْ عَلَى أَنَّ الْعَمَلَ يَتْبَعُ النِّيَّةَ وَيُصَاحِبُهَا , فَيَتَرَتَّبُ الْحُكْمُ عَلَى ذَلِكَ , وَالثَّانِيَةُ أَفَادَتْ أَنَّ الْعَامِلَ لَا يَحْصُلُ لَهُ الا مَا نَوَاه.
وَقَالَ ابن دَقِيقِ الْعِيدِ: الْجُمْلَةُ الثَّانِيَةُ تَقْتَضِي أَنَّ مَنْ نَوَى شَيْئًا يَحْصُلُ لَهُ , يَعْنِي إِذَا عَمِلَهُ بِشَرَائِطِهِ , أَوْ حَالَ دُونَ عَمَلِهِ لَهُ مَا يُعْذَرُ شَرْعًا بِعَدَمِ عَمَلِهِ , وَكُلُّ مَا لَمْ يَنْوِهِ , لَمْ يَحْصُلْ لَهُ , وَمُرَادُهُ بِقَوْلِهِ: " مَا لَمْ يَنْوِهِ " , أَيْ: لَا خُصُوصًا , وَلَا عُمُومًا. فتح الباري لابن حجر (١/ ١٤)
وَقَالَ اِبْن عَبْد السَّلَام: الْجُمْلَة الْأُولَى: لِبَيَانِ مَا يُعْتَبَرُ مِنْ الْأَعْمَال.
وَالثَّانِيَة: لِبَيَانِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا. فتح الباري لابن حجر (١/ ١٤)
فَمَنْ نَوَى بِعَقْدِ الْبَيْعِ الرِّبَا , وَقَعَ فِي الرِّبَا , وَلَا يُخَلِّصُهُ مِنَ الْإِثْمِ صُورَةُ الْبَيْعِ , وَمَنْ نَوَى بِعَقْدِ النِّكَاحِ التَّحْلِيلَ , كَانَ مُحَلِّلًا , وَدَخَلَ فِي الْوَعِيدِ عَلَى ذَلِكَ بِاللَّعْنِ , وَلَا يُخَلِّصُهُ مِنْ ذَلِكَ صُورَةُ النِّكَاحِ , وَكُلُّ شَيْءٍ قَصَدَ بِهِ تَحْرِيمَ مَا أَحَلَّ اللهُ , أَوْ تَحْلِيلَ مَا حَرَّمَ اللهُ , كَانَ إِثْمًا , وَلَا فَرْقَ فِي حُصُولِ الْإِثْمِ فِي التَّحَيُّلِ عَلَى الْفِعْلِ الْمُحَرَّمِ بَيْنَ الْفِعْلِ الْمَوْضُوعِ لَهُ , وَالْفِعْلِ الْمَوْضُوعِ لِغَيْرِهِ , إِذَا جُعِلَ ذَرِيعَةً لَهُ. فتح (١٢/ ٣٢٨)
وَفِي الْجُمْلَةِ , فَلَا يَلْزَمُ مِنْ صِحَّةِ الْعَقْدِ فِي الظَّاهِرِ , رَفْعُ الْحَرَجِ عَمَّنْ يَتَعَاطَى الْحِيلَةَ الْبَاطِلَةَ فِي الْبَاطِنِ , وَاللهُ أَعْلَمُ. فتح الباري (١٢/ ٣٢٩)
(٥) الْهِجْرَة: التَّرْك، وَالْهِجْرَةُ إِلَى الشَّيْء: الِانْتِقَالُ إِلَيْهِ عَنْ غَيْره.
وَفِي الشَّرْع: تَرْكُ مَا نَهَى اللهُ عَنْهُ. وَقَدْ وَقَعَتْ فِي الْإِسْلَامِ عَلَى وَجْهَيْنِ: الْأَوَّل: الِانْتِقَالُ مِنْ دَارِ الْخَوْفِ إِلَى دَارِ الْأَمْن - كَمَا فِي هِجْرَتَيْ الْحَبَشَة , وَابْتِدَاءِ الْهِجْرَةِ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَة -.
الثَّانِي: الْهِجْرَةُ مِنْ دَارِ الْكُفْرِ إِلَى دَارِ الْإِيمَان , وَذَلِكَ بَعْد أَنْ اِسْتَقَرَّ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - بِالْمَدِينَةِ , وَهَاجَرَ إِلَيْهِ مَنْ أَمْكَنَهُ ذَلِكَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ , وَكَانَتْ الْهِجْرَةُ إِذْ ذَاكَ تَخْتَصُّ بِالِانْتِقَالِ إِلَى الْمَدِينَة، إِلَى أَنْ فُتِحَتْ مَكَّة, فَانْقَطَعَ الِاخْتِصَاص وَبَقِيَ عُمُومُ الِانْتِقَالِ مِنْ دَارِ الْكُفْرِ لِمَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ بَاقِيًا. فتح الباري (١/ ١٦)
(٦) مَعْنَاهُ: مَنْ قَصَدَ بِهِجْرَتِهِ وَجْهَ اللهِ , وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ. النووي (١٣/ ٥٥)
فَإِنْ قِيلَ: الْأَصْلُ تَغَايُرُ الشَّرْطِ وَالْجَزَاء , فَلَا يُقَال مَثَلًا: مَنْ أَطَاعَ أَطَاعَ , وَإِنَّمَا يُقَال: مَنْ أَطَاعَ نَجَا، وَقَدْ وَقَعَا فِي هَذَا الْحَدِيث مُتَّحِدَيْنِ، فَالْجَوَاب: أَنَّ التَّغَايُرَ يَقَعُ تَارَةً بِاللَّفْظِ - وَهُوَ الْأَكْثَر - وَتَارَةً بِالْمَعْنَى , وَيُفْهَمُ ذَلِكَ مِنْ السِّيَاق، وَمِنْ أَمْثِلَتِه قَوْلُه تَعَالَى: {وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوب إِلَى الله مَتَابًا} وَهُوَ مُؤَوَّلٌ عَلَى إِرَادَةِ الْمَعْهُودِ الْمُسْتَقِرِّ
فِي النَّفْس، كَقَوْلِهِمْ: أَنْتَ أَنَا , أَيْ: الصَّدِيقُ الْخَالِص، وَقَوْلهمْ: هُمْ هُمْ أَيْ: الَّذِينَ لَا يُقَدَّرُ قَدْرُهُمْ. فتح (١/ ١٦)
(٧) قَوْلُهُ " دُنْيَا " هِيَ فُعْلَى مِنَ الدُّنُوِّ , أَيِ: الْقُرْبِ , سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِسَبْقِهَا لِلْأُخْرَى. وَقِيلَ: سُمِّيَتْ دُنْيَا لِدُنُوِّهَا إِلَى الزَّوَالِ. فتح الباري (١/ ١٦)
(٨) " يُصِيبُهَا " أَيْ: يُحَصِّلُهَا؛ لِأَنَّ تَحْصِيلَهَا كَإِصَابَةِ الْغَرَضِ بِالسَّهْمِ , بِجَامِعِ حُصُولِ الْمَقْصُود. فتح الباري لابن حجر (١/ ١٦)
(٩) إِنَّمَا ذَكَرَهَا مَعَ كَوْنِهَا مُنْدَرِجَةٌ تَحْت " دُنْيَا " تَعْرِيضًا لِمَنْ هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَة فِي نِكَاحِ مُهَاجِرَة، فَقِيلَ لَهُ: مُهَاجِرُ أُمّ قَيْس.
قَالَ ابن دَقِيقِ الْعِيدِ: نَقَلُوا أَنَّ رَجُلًا هَاجَرَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ لَا يُرِيدُ بِذَلِكَ فَضِيلَةَ الْهِجْرَةِ , وَإِنَّمَا هَاجَرَ لِيَتَزَوَّجَ امْرَأَةً تُسَمَّى أُمَّ قَيْسٍ , فَلِهَذَا خُصَّ فِي الْحَدِيثِ ذِكْرُ الْمَرْأَةِ دُونَ سَائِرِ مَا يُنْوَى بِهِ. انْتَهَى.
وَهَذَا لَوْ صَحَّ لَمْ يَسْتَلْزِمِ الْبَدَاءَةَ بِذِكْرِهِ أَوَّلَ الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ , وَقِصَّةُ مُهَاجِرِ أُمِّ قَيْسٍ رَوَاهَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بن مَسْعُودٍ قَالَ: مَنْ هَاجَرَ يَبْتَغِي شَيْئًا , فَإِنَّمَا لَهُ ذَلِكَ , هَاجَرَ رَجُلٌ لِيَتَزَوَّجَ امْرَأَةً يُقَالُ لَهَا: أُمُّ قَيْسٍ , فَكَانَ يُقَالُ لَهُ: مُهَاجِرُ أُمِّ قَيْسٍ.
وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنِ الْأَعْمَشِ بِلَفْظِ: " كَانَ فِينَا رَجُلٌ خَطَبَ امْرَأَةً يُقَالُ لَهَا: أُمُّ قَيْسٍ , فَأَبَتْ أَنْ تَتَزَوَّجَهُ حَتَّى يُهَاجِرَ , فَهَاجَرَ فَتَزَوَّجَهَا , فَكُنَّا نُسَمِّيهِ: مُهَاجِرَ أُمِّ قَيْسٍ " , وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ , لَكِنْ لَيْسَ فِيهِ أَنَّ حَدِيثَ الْأَعْمَالِ سِيقَ بِسَبَبِ ذَلِكَ , وَلَمْ أَرَ فِي شَيْءٍ مِنَ الطُّرُقِ مَا يَقْتَضِي التَّصْرِيحَ بِذَلِكَ. فتح الباري (١/ ١٠)
(١٠) (د) ٢٢٠١ , (خ) ١ , (م) ١٥٥ - (١٩٠٧) , (ت) ١٦٤٧ , (حم) ١٦٨
(١١) أَيْ: فَهِجْرَتُهُ مُنْصَرِفَةٌ إِلَى الْغَرَضِ الَّذِي هَاجَرَ إِلَيْهِ , فَلَا ثَوَابَ لَهُ , لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ , نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ , وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا , نُؤْتِهِ مِنْهَا , وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ}.أَوِ الْمَعْنَى: فَهِجْرَتُهُ مَرْدُودَةٌ , أَوْ قَبِيحَة. تحفة الأحوذي (٥/ ٢٣٤)
ومَنْ نَوَى بِهِجْرَتِهِ مُفَارَقَةَ دَارِ الْكُفْرِ وَتَزَوُّجِ الْمَرْأَةِ مَعًا , فَلَا تَكُونُ قَبِيحَةً وَلَا غَيْرَ صَحِيحَة، بَلْ هِيَ نَاقِصَةٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ خَالِصَة، وَإِنَّمَا أَشْعَرَ السِّيَاقُ بِذَمِّ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَنْ طَلَبَ الْمَرْأَةَ بِصُورَةِ الْهِجْرَةِ الْخَالِصَة، فَأَمَّا مَنْ طَلَبَهَا مَضْمُومَةً إِلَى الْهِجْرَة , فَإِنَّهُ يُثَابُ عَلَى قَصْد الْهِجْرَة , لَكِنْ دُونَ ثَوَابِ مَنْ أَخْلَصَ، وَكَذَا مَنْ طَلَبَ التَّزْوِيجَ فَقَطْ لَا عَلَى صُورَةِ الْهِجْرَةِ إِلَى الله؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْأَمْرِ الْمُبَاحِ الَّذِي قَدْ يُثَابُ فَاعِلُهُ إِذَا قَصَدَ بِهِ الْقُرْبَة , كَالْإِعْفَافِ , وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ: مَا وَقَعَ فِي قِصَّةِ إِسْلَامِ أَبِي طَلْحَة فِيمَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ أَنَس قَالَ: " تَزَوَّجَ أَبُو طَلْحَة أُمّ سُلَيْمٍ , فَكَانَ صَدَاق مَا بَيْنهمَا الْإِسْلَام، أَسْلَمَتْ أُمّ سُلَيْمٍ قَبْل أَبِي طَلْحَة , فَخَطَبَهَا فَقَالَتْ: إِنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ، فَإِنْ أَسْلَمْتَ تَزَوَّجْتُك, فَأَسْلَمَ فَتَزَوَّجَتْهُ " , وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ رَغِبَ فِي الْإِسْلَام , وَدَخَلَهُ مِنْ وَجْهِه , وَضَمَّ إِلَى ذَلِكَ إِرَادَةَ التَّزْوِيجِ الْمُبَاح , فَصَارَ كَمَنْ نَوَى بِصَوْمِهِ الْعِبَادَةَ وَالْحِمْيَة، أَوْ بِطَوَافِهِ الْعِبَادَةَ وَمُلَازَمَةَ الْغَرِيم.
وَاخْتَارَ الْغَزَالِيُّ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالثَّوَابِ أَنَّهُ إِنْ كَانَ الْقَصْدُ الدُّنْيَوِيُّ هُوَ الْأَغْلَب لَمْ يَكُنْ فِيهِ أَجْر، أَوْ الدِّينِيُّ , أُجِرَ بِقَدْرِهِ، وَإِنْ تَسَاوَيَا , فَتَرَدَّدَ الْقَصْدُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ , فَلَا أَجْر.
وَأَمَّا إِذَا نَوَى الْعِبَادَةَ وَخَالَطَهَا بِشَيْءٍ مِمَّا يُغَايِر الْإِخْلَاص , فَقَدْ نَقَلَ أَبُو جَعْفَر بْن جَرِير الطَّبَرِيّ عَنْ جُمْهُورِ السَّلَفِ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالِابْتِدَاءِ، فَإِنْ كَانَ اِبْتِدَاؤُهُ للهِ خَالِصًا , لَمْ يَضُرَّهُ مَا عَرَضَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ إِعْجَابٍ أَوْ غَيْرِه. وَالله أَعْلَم. فتح (١/ ١٧)
وَقَدْ تَوَاتَرَ النَّقْلُ عَنِ الْأَئِمَّةِ فِي تَعْظِيمِ قَدْرِ هَذَا الْحَدِيثِ , قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: لَيْسَ فِي أَخْبَارِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - شَيْءٌ أَجْمَعَ وَأَغْنَى وَأَكْثَرَ فَائِدَةً مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ. وَاتَّفَقَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ , وَالشَّافِعِيُّ فِيمَا نَقَلَهُ الْبُوَيْطِيُّ عَنْهُ , وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ , وَعَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ , وَأَبُو دَاوُدَ , وَالتِّرْمِذِيُّ , وَالدَّارَقُطْنِيُّ , وَحَمْزَةُ الْكِنَانِيُّ , عَلَى أَنَّهُ ثُلُثُ الْإِسْلَامِ , وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: رُبُعُهُ.
وَاخْتلفُوا فِي تعْيين الْبَاقِي.
وَقَالَ ابن مَهْدِيٍّ أَيْضًا: يَدْخُلُ فِي ثَلَاثِينَ بَابًا مِنَ الْعِلْمِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَدْخُلُ فِي سَبْعِينَ بَابًا. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهَذَا الْعَدَدِ الْمُبَالَغَةَ.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ أَيْضًا: يَنْبَغِي أَنْ يُجْعَلَ هَذَا الْحَدِيثُ رَأسَ كُلِّ بَابٍ.
وَوَجَّهَ الْبَيْهَقِيُّ كَوْنَهُ ثُلُثَ الْعِلْمِ بِأَنَّ كَسْبَ الْعَبْدِ يَقَعُ بِقَلْبِهِ وَلِسَانِهِ وَجَوَارِحِهِ فَالنِّيَّةُ أَحَدُ أَقْسَامِهَا الثَّلَاثَةِ وَأَرْجَحُهَا , لِأَنَّهَا قَدْ تَكُونُ عِبَادَةً مُسْتَقِلَّةً , وَغَيْرُهَا يَحْتَاجُ إِلَيْهَا , وَمِنْ ثَمَّ وَرَدَ: " نِيَّةُ الْمُؤْمِنِ خَيْرٌ مِنْ عَمَلِهِ " , فَإِذَا نَظَرْتَ إِلَيْهَا , كَانَتْ خَيْرَ الْأَمْرَيْنِ.
وَكَلَامُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ يَدُلُّ على أَنه أَرَادَ بِكَوْنِهِ ثُلُثَ الْعِلْمِ أَنَّهُ أَحَدُ الْقَوَاعِد الثَّلَاثِ الَّتِي تُرَدُّ إِلَيْهَا جَمِيعُ الْأَحْكَامِ عِنْدَهُ , وَهِيَ: هَذَا , وَمَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ , والحلال بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ , الْحَدِيثَ. فتح (١/ ١١)
بحث في محتوى الكتب:
تنبيهات هامة: - افتراضيا يتم البحث عن "أي" كلمة من الكلمات المدخلة ويمكن تغيير ذلك عن طريق:
- استخدام علامة التنصيص ("") للبحث عن عبارة كما هي.
- استخدام علامة الزائد (+) قبل أي كلمة لجعلها ضرورية في البحث.
- استخدام علامة السالب (-) قبل أي كلمة لجعلها مستبعدة في البحث.
- يمكن استخدام الأقواس () للتعامل مع مجموعة من الكلمات.
- يمكن الجمع بين هذه العلامات في استعلام واحد، وهذه أمثلة على ذلك:
+شرح +قاعدة +"الضرورات تبيح المحظورات" سيكون لزاما وجود كلمة "شرح" وكلمة "قاعدة" وعبارة "الضرورات تبيح المحظورات"
+(شرح الشرح معنى) +قاعدة +"الضرورات تبيح المحظورات" سيكون لزاما وجود كلمة ("شرح" أو "الشرح" أو "معنى") وكلمة "قاعدة" وعبارة "الضرورات تبيح المحظورات"
+(التوكل والتوكل) +(اليقين واليقين) سيكون لزاما وجود كلمة ("التوكل" أو "والتوكل") ووجود كلمة ("اليقين" أو "واليقين")
بحث في أسماء المؤلفين
بحث في أسماء الكتب
تصفية النتائج
الغاء تصفية الأقسام الغاء تصفية القرون
نبذة عن المشروع:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute