للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

مِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ الطَّهَارَةِ إِزَالَةُ مَا يَمْنَعُ وُصُولَ الْمَاءِ لِلْبَشَرَة

(م جة حم) , عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - (أَنَّ رَجُلًا تَوَضَّأَ فَتَرَكَ مَوْضِعَ ظُفُرٍ عَلَى قَدَمِهِ , " فَأَبْصَرَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - فَقَالَ: ارْجِعْ فَأَحْسِنْ وُضُوءَكَ) (١) وفي رواية: (فَأَمَرَهُ أَنْ يُعِيدَ الْوُضُوءَ وَالصَلَاةَ) (٢) " (فَرَجَعَ ثُمَّ صَلَّى) (٣) وفي رواية: (فَرَجَعَ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ صَلَّى) (٤).

الشَّرْح:

(أَنَّ رَجُلًا تَوَضَّأَ فَتَرَكَ مَوْضِعَ ظُفُرٍ عَلَى قَدَمِهِ , " فَأَبْصَرَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - فَقَالَ: ارْجِعْ فَأَحْسِنْ وُضُوءَكَ) (٥)

قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ هَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ إِعَادَةِ الْوُضُوءِ لِأَنَّهُ أَمَرَ فِيهِ بِالْإِحْسَانِ لَا بِالْإِعَادَةِ وَالْإِحْسَانُ يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ إِسْبَاغِ غَسْلِ ذَلِكَ الْعُضْوِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فَعِنْدَهُ لَا يَجِبُ الْمُوَالَاةُ فِي الْوُضُوءِ وَاسْتَدَلَّ بِهِ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ فَقَالَ الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْمُوَالَاةِ فِي الْوُضُوءِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسِنْ وُضُوءَكَ وَلَمْ يَقُلْ اغْسِلِ الْمَوْضِعَ الَّذِي تَرَكْتَهُ انْتَهَى. عون١٧٣

قَالَ الْخَطَّابِيُّ ظَاهِرُ مَعْنَاهُ إِعَادَةُ الْوُضُوءِ فِي تَمَامٍ وَلَوْ كَانَ تَفْرِيقُهُ جَائِزًا لَأَشْبَهَ أَنْ يَقْتَصِرَ فِيهِ عَلَى الْأَمْرِ بِغَسْلِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ أَوْ كَانَ يَأمُرُهُ بِإِسَالَةِ الْمَاءِ فِي مَقَامِهِ ذَلِكَ وَأَنْ لَا يَأمُرَهُ بِالرُّجُوعِ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي يَتَوَضَّأُ فِيهِ. انْتَهَى.

وَعَقَدَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ فِي ذَلِكَ بَابًا وَقَالَ بَابُ تَفْرِيقِ الغسل والوضوء

ويذكر عن بن عمر أنه غسل قدميه بعد ما جف وضوؤه

قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بَابُ تَفْرِيقِ الْوُضُوءِ أي جواره وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ وَاحْتَجَّ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ غَسْلَ الْأَعْضَاءِ فَمَنْ غَسَلَهَا فَقَدْ أَتَى بِمَا وَجَبَ عَلَيْهِ فَرَّقَهَا أَوْ نسقها ثم أيد ذلك بفعل بن عمر , وبذلك قال بن الْمُسَيِّبِ وَعَطَاءٌ وَجَمَاعَةٌ

وَقَالَ رَبِيعَةُ وَمَالِكٌ مَنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ وَمَنْ نَسِيَ فَلَا

وَعَنْ مَالِكٍ: إِنْ قَرُبَ التَّفْرِيقُ بَنَى وَإِنْ أَطَالَ أَعَادَ

وَقَالَ قَتَادَةُ وَالْأَوْزَاعِيُّ لَا يُعِيدُ إلا أن جف

وأجازه المضي مُطْلَقًا فِي الْغُسْلِ دُونَ الْوُضُوءِ

ذَكَرَ جَمِيعَ ذلك بن الْمُنْذِرِ , وَقَالَ: لَيْسَ مَعَ مَنْ جَعَلَ الْجَفَافَ حَدًّا لِذَلِكَ حُجَّةٌ

وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ الْجَفَافُ لَيْسَ يحدث فَيَنْقُضُ كَمَا لَوْ جَفَّ جَمِيعُ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ لم تبطل الطهارة

وأثر بن عُمَرَ رُوِّينَاهُ فِي الْأُمِّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْهُ لَكِنْ فِيهِ أَنَّهُ تَوَضَّأَ فِي السُّوقِ دُونَ رِجْلَيْهِ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْمَسْجِدِ فَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ ثُمَّ صَلَّى وَالْإِسْنَادُ صَحِيحٌ فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ إِنَّمَا لَمْ يَجْزِمْ بِهِ لِكَوْنِهِ ذُكِرَ بِالْمَعْنَى.

قَالَ الشَّافِعِيُّ لَعَلَّهُ قَدْ جَفَّ وضوؤه لِأَنَّ الْجَفَافَ قَدْ يَحْصُلُ بِأَقَلَّ مِمَّا بَيْنَ السُّوقِ وَالْمَسْجِدِ انْتَهَى

قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ وَأُحِبُّ أَنْ يُتَابِعَ الْوُضُوءَ وَلَا يُفَرِّقَهُ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَ بِهِ مُتَتَابِعًا ثُمَّ سَاقَ الْكَلَامَ إِلَى أَنْ قَالَ فَإِنْ قَطَعَ الْوُضُوءَ فَأُحِبُّ أَنْ يَسْتَأنِفَ وُضُوءًا

وَلَا يَتَبَيَّنُ لِي أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ اسْتِئْنَافُ وُضُوءٍ وَاحْتَجَّ بِمَا أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا وَأَبُو بَكْرٍ وَأَبُو سَعِيدٍ قَالُوا حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نافع عن بن عُمَرَ أَنَّهُ تَوَضَّأَ بِالسُّوقِ فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَمَسَحَ بِرَأسِهِ ثُمَّ دُعِيَ لِجِنَازَةٍ فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ فَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ ثُمَّ صَلَّى عَلَيْهَا وَفِي الْحَدِيثِ الثَّابِتِ عَنْ عُمَرَ وَغَيْرِهِ فِي مَعْنَى هَذَا ارْجِعْ فَأَحْسِنْ وُضُوءَكَ

وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ عُمَرَ فِي جَوَازِ التَّفْرِيقِ انْتَهَى. عون١٧٤

وفي رواية: (فَأَمَرَهُ أَنْ يُعِيدَ الْوُضُوءَ وَالصَلَاةَ) وَهَذَا الْحَدِيثُ فِيهِ دَلِيلٌ صَرِيحٌ عَلَى وُجُوبِ الْمُوَالَاةِ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْإِعَادَةِ لِلْوُضُوءِ بِتَرْكِ اللُّمْعَةِ لَا يَكُونُ إِلَّا لِلُزُومِ الْمُوَالَاةِ وَهُوَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَالشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ لَهُ وَقَدْ عَرَفْتَ آنِفًا تَفْصِيلَ بَعْضِ هَذَا الْمَذْهَبِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. عون١٧٥

وَالْحَدِيثُ فِيهِ مِنَ الْفَوَائِدِ: أَنَّ مَنْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْ أَعْضَاءِ طَهَارَتِهِ جَاهِلًا لَمْ تَصِحَّ طَهَارَتُهُ

وَمِنْهَا تَعْلِيمُ الْجَاهِلِ وَالرِّفْقُ بِهِ

وَمِنْهَا أَنَّ الْوَاجِبَ فِي الرِّجْلَيْنِ الْغَسْلُ دُونَ الْمَسْحِ. عون١٧٣


(١) (م) ٣١ - (٢٤٣) , (د) ١٧٣ , (جة) ٦٦٥ , (حم) ١٣٤
(٢) (جة) ٦٦٦ , (د) ١٧٥، وصححه الألباني في الإرواء: ٨٦
(٣) (م) ٣١ - (٢٤٣)
(٤) (حم) ١٣٤ , وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط: صحيح
(٥) (م) ٣١ - (٢٤٣) , (د) ١٧٣ , (جة) ٦٦٥ , (حم) ١٣٤