للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

{وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ، وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} (١)

(خ م) , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: " مَا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ نَبِيٌّ إِلَّا أُعْطِيَ مِنْ الْآيَاتِ (٢) مَا مِثْلُهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ (٣) وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُ وَحْيًا أَوْحَاهُ اللهُ إِلَيَّ (٤) فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ (٥) " (٦)


(١) [البقرة: ٢٣]
(٢) أَيْ: الْمُعْجِزَات الْخَوَارِق. فتح الباري - (ج ١٤ / ص ١٨٦)
(٣) هَذَا دَالّ عَلَى أَنَّ النَّبِيّ لَا بُدّ لَهُ مِنْ مُعْجِزَة تَقْتَضِي إِيمَان مَنْ شَاهَدَهَا بِصِدْقِهِ، وَلَا يَضُرّهُ مَنْ أَصَرَّ عَلَى الْمُعَانَدَة , وَالْمَعْنَى أَنَّ كُلّ نَبِيّ أُعْطِيَ آيَة أَوْ أَكْثَر مِنْ شَأن مَنْ يُشَاهِدهَا مِنْ الْبَشَر أَنْ يُؤْمِن بِهِ لِأَجْلِهَا. فتح الباري - (ج ١٤ / ص ١٨٦)
(٤) أَيْ: إِنَّ مُعْجِزَتِي الَّتِي تَحَدَّيْت بِهَا هُوَ الْوَحْيُ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيَّ , وَهُوَ الْقُرْآن , لِمَا اِشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ الْإِعْجَاز الْوَاضِح، وَلَيْسَ الْمُرَاد حَصْرُ مُعْجِزَاته فِيهِ , وَلَا أَنَّهُ لَمْ يُؤْتَ مِنْ الْمُعْجِزَات مَا أُوتِيَ مَنْ تَقَدَّمَهُ، بَلْ الْمُرَاد أَنَّهُ الْمُعْجِزَة الْعُظْمَى الَّتِي اُخْتُصَّ بِهَا دُون غَيْره، لِأَنَّ كُلّ نَبِيّ أُعْطِيَ مُعْجِزَة خَاصَّة بِهِ لَمْ يُعْطَهَا بِعَيْنِهَا غَيْرُه , تَحَدَّى بِهَا قَوْمه، وَكَانَتْ مُعْجِزَة كُلّ نَبِيّ تَقَع مُنَاسِبَة لِحَالِ قَوْمه , كَمَا كَانَ السِّحْر فَاشِيًا عِنْد فِرْعَوْن , فَجَاءَهُ مُوسَى بِالْعَصَا عَلَى صُورَة مَا يَصْنَع السَّحَرَة , لَكِنَّهَا تَلَقَّفَتْ مَا صَنَعُوا، وَلَمْ يَقَع ذَلِكَ بِعَيْنِهِ لِغَيْرِهِ
وَكَذَلِكَ إِحْيَاء عِيسَى الْمَوْتَى , وَإِبْرَاء الْأَكْمَه وَالْأَبْرَص , لِكَوْنِ الْأَطِبَّاء وَالْحُكَمَاء كَانُوا فِي ذَلِكَ الزَّمَان فِي غَايَة الظُّهُور، فَأَتَاهُمْ مِنْ جِنْس عَمَلهمْ بِمَا لَمْ تَصِل قُدْرَتهمْ إِلَيْهِ، وَلِهَذَا لَمَّا كَانَ الْعَرَب الَّذِينَ بُعِثَ فِيهِمْ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْغَايَة مِنْ الْبَلَاغَة , جَاءَهُمْ بِالْقُرْآنِ الَّذِي تَحَدَّاهُمْ أَنْ يَأتُوا بِسُورَةٍ مِثْله فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى ذَلِكَ , وَقِيلَ: الْمُرَاد أَنَّ مُعْجِزَات الْأَنْبِيَاء اِنْقَرَضَتْ بِانْقِرَاضِ أَعْصَارهمْ فَلَمْ يُشَاهِدْهَا إِلَّا مَنْ حَضَرَهَا، وَمُعْجِزَة الْقُرْآن مُسْتَمِرَّة إِلَى يَوْم الْقِيَامَة، وَخَرْقُهُ لِلْعَادَةِ فِي أُسْلُوبه وَبَلَاغَته وَإِخْبَاره بِالْمُغَيَّبَاتِ، فَلَا يَمُرّ عَصْر مِنْ الْأَعْصَار إِلَّا وَيَظْهَر فِيهِ شَيْء مِمَّا أَخْبَرَ بِهِ أَنَّهُ سَيَكُونُ يَدُلّ عَلَى صِحَّة دَعْوَاهُ، وَهَذَا أَقْوَى الْمُحْتَمَلَات، وَتَكْمِيله فِي الَّذِي بَعْده. فتح الباري - (ج ١٤ / ص ١٨٦)
(٥) رَتَّبَ هَذَا الْكَلَام عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ مُعْجِزَة الْقُرْآن الْمُسْتَمِرَّة لِكَثْرَةِ فَائِدَته وَعُمُوم نَفْعه، لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الدَّعْوَة وَالْحُجَّة وَالْإِخْبَار بِمَا سَيَكُونُ، فَعَمَّ نَفْعه مَنْ حَضَرَ وَمَنْ غَابَ , وَمَنْ وُجِدَ وَمَنْ سَيُوجَدُ، فَحَسُنَ تَرْتِيب الرَّجْاء الْمَذْكُورِ عَلَى ذَلِكَ، وَهَذِهِ الرَّجْاء قَدْ تَحَقَّقَ، فَإِنَّهُ أَكْثَر الْأَنْبِيَاء تَبَعًا. فتح الباري (ج١٤ص١٨٦)
(٦) (خ) ٦٨٤٦ , (م) ١٥٢