للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

مسائل تتعلق بالنية

إِخْفَاءُ النِّيَّةِ:

لَمْ يُؤْثَرْ عَنِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ مَشْرُوعِيَّةُ التَّلَفُّظِ بِالنِّيَّةِ، وَلِهَذَا اسْتُحِبَّ إِخْفَاؤُهَا، لأَنَّ مَحَلَّهَا الْقَلْبُ وَلأَنَّ حَقِيقَتَهَا الْقَصْدُ مُطْلَقًا، وَخُصَّتْ فِي الشَّرْعِ بِالإِرَادَةِ الْمُتَوَجِّهَةِ نَحْوَ الْفِعْلِ مُقْتَرِنَةً بِهِ ابْتِغَاءَ رِضَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَامْتِثَالِ حُكْمِهِ. وَقِيلَ: يُسْتَحَبُّ التَّلَفُّظُ بِهَا بِاللِّسَانِ. (١)

لَكِنْ لِلنِّيَّةِ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ حُكْمٌ خَاصٌّ فَقَدْ قَالَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ: يُسَنُّ التَّلَفُّظُ بِالنِّيَّةِ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ. وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ وَهُوَ رَأيٌ لِلْمَالِكِيَّةِ: يُسْتَحَبُّ النُّطْقُ بِمَا جَزَمَ بِهِ لِيَزُولَ الالْتِبَاسُ. وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ فِي رَأيٍ لَهُمْ: إِنَّ تَرْكَ التَّلَفُّظِ بِهَا أَفْضَلُ وَفِي رَأيٍ آخَرَ كَرَاهَةُ التَّلَفُّظِ بِهَا. (٢)

وَقِيلَ يُسْتَحَبُّ التَّلَفُّظُ بِاللِّسَانِ.

الانْسِحَابُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ

الأَصْلُ فِي الْعِبَادَةِ الْوَاحِدَةِ ذَاتِ الأَفْعَالِ الْمُتَعَدِّدَةِ أَنْ يَكْتَفِيَ بِالنِّيَّةِ فِي أَوَّلِهَا، وَلا يَحْتَاجُ إِلَى تَجْدِيدِهَا فِي كُلِّ فِعْلٍ، اكْتِفَاءً بِانْسِحَابِهَا عَلَيْهَا. (٣)

فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، قَالَ فِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ: الْمُعْتَمَدُ أَنَّ الْعِبَادَةَ ذَاتَ الأَفْعَالِ تَنْسَحِبُ نِيَّتُهَا عَلَى كُلِّهَا.

قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: وَاحْتَرَزَ بِذَاتِ الأَفْعَالِ عَمَّا هِيَ فِعْلٌ وَاحِدٌ كَالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لا خِلافَ فِي الاكْتِفَاءِ بِالنِّيَّةِ فِي أَوَّلِهِ، وَيَرِدُ عَلَيْهِ الْحَجُّ، فَإِنَّهُ ذُو أَفْعَالٍ مِنْهَا طَوَافُ الإِفَاضَةِ لا بُدَّ فِيهِ مِنْ أَصْلِ نِيَّةِ الطَّوَافِ، وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْهُ عَنِ الْفَرْضِ، حَتَّى لَوْ طَافَ نَفْلا فِي أَيَّامِهِ وَقَعَ عَنْهُ، وَالْجَوَابُ أَنَّ الطَّوَافَ عِبَادَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ فِي ذَاتِهِ كَمَا هُوَ رُكْنٌ لِلْحَجِّ، فَبِاعْتِبَارِ رُكْنِيَّتِهِ يَنْدَرِجُ فِي نِيَّةِ الْحَجِّ، فَلا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُهُ، وَبِاعْتِبَارِ اسْتِقْلالِهِ اشْتُرِطَ فِيهِ أَصْلُ نِيَّةِ الطَّوَافِ، حَتَّى لَوْ طَافَ هَارِبًا أَوْ طَالِبًا لِغَرِيمٍ لا يَصِحُّ، بِخِلافِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِعِبَادَةٍ إِلا فِي ضِمْنِ الْحَجِّ، فَيَدْخُلُ فِي نِيَّتِهِ، وَعَلَى هَذَا الرَّمْيُ وَالْحَلْقُ وَالسَّعْيُ. وَأَيْضًا فَإِنَّ طَوَافَ الإِفَاضَةِ يَقَعُ بَعْدَ التَّحَلُّلِ بِالْحَلْقِ، حَتَّى إِنَّهُ يَحِلُّ لَهُ سِوَى النِّسَاءِ، وَبِذَلِكَ يَخْرُجُ مِنَ الْحَجِّ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ، فَاعْتُبِرَ فِيهِ الشَّبَهَانِ. (٤)


(١) الأشباه والنظائر لابن نجيم ٤٨، والأشباه والنظائر للسيوطي ١/ ٢٦، وابن عابدين ١/ ٧٤، والحطاب ١/ ٥١٥، والمغني ٢/ ٦٣٨، ٢٣٩ نشر المكتبة الحديثة بالرياض.
(٢) المغني٣/ ٢٨١، وابن عابدين ٢/ ١٥٨، والقليوبي ٣/ ٩٧، والحطاب ٣/ ٤٠
(٣) ابن عابدين ١/ ٢٩٤ ط الأولى، والأشباه لابن نجيم ص٤٥ ط الهلال.
(٤) ابن عابدين ١/ ٢٧٤، وانظر أيضا الأشباه والنظائر للسيوطي ص ٢٧.