للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

مُحَرَّمَاتُ الْجِهَادِ وَمَكْرُوهَاته

الْقِتَالُ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُم

قَالَ تَعَالَى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ , قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ , وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ , وَكُفْرٌ بِهِ} (١)

وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ , مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ , ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ , فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ , وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً , وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} (٢)

(خ م) , عَنْ أَبِي بَكْرَةَ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: " إِنَّ الزَّمَانَ قَدْ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ (٣) السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا , مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ , ثَلَاثٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو الْقَعْدَةِ , وَذُو الْحِجَّةِ , وَالْمُحَرَّمُ , وَرَجَبُ مُضَرَ (٤) الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ " (٥)


(١) [البقرة: ٢١٧]
(٢) [التوبة: ٣٦]
(٣) أَيْ: دَارَ عَلَى التَّرْتِيب الَّذِي اِخْتَارَهُ الله تَعَالَى وَوَضَعَهُ يَوْم خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض،
قَالَ الْإِمَام الْحَافِظ الْخَطَّابِيُّ فِي الْمَعَالِم: مَعْنَى هَذَا الْكَلَام أَنَّ الْعَرَب فِي الْجَاهِلِيَّة كَانَتْ قَدْ بَدَّلَتْ أَشْهُر الْحَرَام وَقَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ أَوْقَاتهَا مِنْ أَجْل النَّسِيء الَّذِي كَانُوا يَفْعَلُونَهُ , وَهُوَ مَا ذَكَرَ الله سُبْحَانه فِي كِتَابه فَقَالَ: {إِنَّمَا النَّسِيء زِيَادَة فِي الْكُفْر يُضِلّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا} ,
وَمَعْنَى النَّسِيء تَأخِير رَجَب إِلَى شَعْبَان وَالْمُحَرَّم إِلَى صَفَر، وَأَصْله مَأخُوذ مِنْ نَسَأت الشَّيْء إِذَا أَخَّرْته، وَمِنْهُ النَّسِيئَة فِي الْبَيْع، وَكَانَ مِنْ جُمْلَة مَا يَعْتَقِدُونَهُ مِنْ الدِّين تَعْظِيم هَذِهِ الْأَشْهُر الْحُرُم , وَكَانُوا يَتَحَرَّجُونَ فِيهَا عَنْ الْقِتَال وَسَفْك الدِّمَاء وَيَأمَن بَعْضهمْ بَعْضًا إِلَى أَنْ تَنْصَرِم هَذِهِ الْأَشْهُر وَيَخْرُجُوا إِلَى أَشْهُر الْحِلّ، فَكَانَ أَكْثَرهمْ يَتَمَسَّكُونَ بِذَلِكَ فَلَا يَسْتَحِلُّونَ الْقِتَال فِيهَا، وَكَانَ قَبَائِل مِنْهُمْ يَسْتَبِيحُونَهَا , فَإِذَا قَاتَلُوا فِي شَهْر حَرَام حَرَّمُوا مَكَانه شَهْرًا آخَر مِنْ أَشْهُر الْحِلّ فَيَقُولُونَ: نَسَأنَا الشَّهْر، وَاسْتَمَرَّ ذَلِكَ بِهِمْ حَتَّى اِخْتَلَطَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَخَرَجَ حِسَابه مِنْ أَيْدِيهمْ، فَكَانُوا رُبَّمَا يَحُجُّونَ فِي بَعْض السِّنِينَ فِي شَهْر , وَيَحُجُّونَ فِي بَعْض السِّنِينَ فِي شَهْر , وَيَحُجُّونَ مِنْ قَابِل فِي شَهْر غَيْره إِلَى كَانَ الْعَام الَّذِي حَجَّ فِيهِ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - , فَصَادَفَ حَجّهمْ شَهْر الْحَجّ الْمَشْرُوع وَهُوَ ذُو الْحِجَّة , فَوَقَفَ بِعَرَفَة في الْيَوْم التَّاسِع مِنْهُ، ثُمَّ خَطَبَهُمْ فَأَعْلَمهُمْ أَنَّ أَشْهُر الْحَجّ قَدْ تَنَاسَخَتْ بِاسْتِدَارَةِ الزَّمَان، وَعَادَ الْأَمْر إِلَى الْأَصْل الَّذِي وَضَعَ الله حِسَاب الْأَشْهُر عَلَيْهِ يَوْم خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض، وَأَمَرَهُمْ بِالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهِ لِئَلَّا يَتَبَدَّل أَوْ يَتَغَيَّر فِيمَا يُسْتَأنَف مِنْ الْأَيَّام. عون المعبود - (ج ٤ / ص ٣٣٥)
(٤) إِنَّمَا أَضَافَ الشَّهْر إِلَى مُضَر , لِأَنَّهَا تُشَدِّد فِي تَحْرِيم رَجَب، وَتُحَافِظ عَلَى ذَلِكَ أَشَدّ مِنْ مُحَافَظَة سَائِر الْعَرَب، فَأُضِيفَ الشَّهْر إِلَيْهِمْ بِهَذَا الْمَعْنَى. عون المعبود - (ج ٤ / ص ٣٣٥)
(٥) (خ) ٥٢٣٠ , (م) ٢٩ - (١٦٧٩) , (د) ١٩٤٧ , (حم) ٢٠٤٠٢