خُرُوجُ الرِّيحِ مِنْ الْقُبُل
قَالَ ابن الْمُبَارَكِ: " إِذَا خَرَجَ مِنْ قُبُلِ الْمَرْأَةِ الرِّيحُ , وَجَبَ عَلَيْهَا الْوُضُوءُ " , وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ , وَإِسْحَاقَ.
وَقَالَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ: خُرُوجُ الرِّيحِ مِنَ القُبُل لا يُوجِب الوضوء.
قال القاري فِي الْمِرْقَاةِ: تَوْجِيهُ قَوْلِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ نَادِرٌ , فَلَا يَشْمَلُهُ النَّصُّ , كَذَا قِيلَ.
وَالصَّحِيحُ مَا قالَهُ ابنُ الْهُمَامِ مِنْ أَنَّ الرِّيحَ الْخَارِجَ مِنَ الذَّكَرِ , اخْتِلَاجٌ لَا رِيحٌ , فَلَا يَنْقُضُ , كَالرِّيحِ الْخَارِجَةِ مِنْ جِرَاحَةٍ فِي الْبَطْنِ. انْتَهَى
وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الْحَنَفِيَّةِ فِي شَرْحِهِ لِشَرْحِ الْوِقَايَةِ: اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ الرِّيحَ الْخَارِجَةَ مِنَ الدُّبُرِ نَاقِضَةٌ , وَاخْتَلَفُوا فِي الْخَارِجَةِ مِنَ الذَّكَرِ وَقُبُلِ الْمَرْأَةِ ,
فَرَوَى الْقُدُورِيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُوجِبُ الْوُضُوءَ , وَبِهِ أَخَذَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ.
وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ: لَا وُضُوءَ فِيهِمَا , إِلَّا أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ مُفْضَاةً , وَالْمُفْضَاةُ: هِيَ الَّتِي اخْتَلَطَ سَبِيلَاهَا , الْقُبُلُ وَالدُّبُرُ , وَقِيلَ: مَسْلَكُ الْبَوْلِ وَالْحَيْضِ , فَيُسْتَحَبُّ لَهَا الْوُضُوءُ , وَكَانَ الشَّيْخُ أَبُو حَفْصٍ الْكَبِيرُ يَقُولُ: إِذَا كَانَتِ الْمَرْأَةُ مُفْضَاةً يَجِبُ عَلَيْهَا الْوُضُوءُ , وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُفْضَاةً لَا يَجِبُ , وَهَكَذَا ذَكَرَ هِشَامٌ فِي نَوَادِرِهِ عَنْ مُحَمَّدٍ.
وَمِنَ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ فِي الْمُفْضَاةِ: إِذَا كَانَ الرِّيحُ مُنْتِنًا يَجِبُ الْوُضُوءُ , وَمَا لَا فَلَا , كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
وَبِهِ عَلِمْتَ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي الرِّيحِ الْخَارِجَةِ مِنْهُمَا عَلَى قَوْلَيْنِ , الْأَوَّلُ: أَنَّهُ يُوجِبُ الْوُضُوءَ , وَدَلِيلُهُ عُمُومُ مَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ: إِنَّ الْحَدَثَ مَا خَرَجَ مِنْ أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ , فَإِنَّ الْعِبْرَةَ لِعُمُومِ اللَّفْظِ , لَا لِخُصُوصِ السَّبَبِ , وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ , كَذَا فِي الْبِنَايَةِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَا يُوجِبُ , وَإِلَيْهِ مَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ , وَعَلَّلَ بِأَنَّهَا لَا تَنْبَعِثُ عَنْ مَحَلِّ النَّجَاسَةِ , وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ عَيْنَ الرِّيحِ لَيْسَتْ بِنَجِسَةٍ , وَإِنَّمَا يَتَنَجَّسُ بِمُرُورِهَا عَلَى مَحَلِّ النَّجَاسَةِ , وَهَذَا لَا يَتَمَشَّى عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ مِنَ الْمَشَايِخِ بِتَنَجُّسِ عَيْنِ الرِّيحِ.
وَالْأَوْلَى فِي التَّعْلِيلِ مَا ذَكَرَهُ غَيْرُهُ , أَنَّهَا اخْتِلَاجٌ لَا رِيحٌ , وَلَيْسَ بِشَيْءٍ خَارِجٍ.
لَكِنَّ هَذَا أَيْضًا قَاصِرٌ , فَإِنَّهُ لَا يَتَمَشَّى فِي مَا إِذَا وَجَدَتِ النَّتَنَ , أَوْ سَمِعَتِ الصَّوْتَ مِنَ الْقُبُلِ أَوْ الذَّكَرِ , فَإِنَّ هُنَاكَ لَا شَكَّ فِي خُرُوجِ شَيْءٍ.
وَمِمَّنْ اخْتَارَ هَذَا الْقَوْلَ: قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوَاهُ , وَصَاحِبُ مَرَاقِي الْفَلَاحِ , وَقَالَ: هُوَ الْأَصَحُّ , لِأَنَّهُ اخْتِلَاجٌ لَا رِيحٌ , وَإِنْ كَانَ رِيحًا فَلَا نَجَاسَةَ فِيهِ , وَرِيحُ الدُّبُرِ نَاقِضَةٌ لِمُرُورِهَا بِالنَّجَاسَةِ , وَصَاحِبُ التَّنْوِيرِ , وَصَاحِبُ الدُّرِّ الْمُخْتَارِ وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ.
وَلَا يَخْفَى عَلَيْكَ أَنَّ الْمُوَافِقَ لِلْأَحَادِيثِ هُوَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ , فَلْيَكُنْ هُوَ الْمُعَوَّلُ. انتهى. تحفة٧٦