للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

مِنْ شُرُوطِ وُجُوبِ اَلطَّهَارَةِ وُجُود اَلْمَاء اَلطَّهُور اَلْكَافِي

(خ م) , عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم -: " إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ" (١)

فَوائِدُ الْحَدِيث:

قال النووي: قَوْله - صلى اللهُ عليه وسلَّم -: (فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأتُوا مِنْهُ مَا اِسْتَطَعْتُمْ) هَذَا مِنْ قَوَاعِد الْإِسْلَام الْمُهِمَّة، وَمِنْ جَوَامِع الْكَلِم الَّتِي أُعْطِيهَا صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَدْخُل فِيهِ مَا لَا يُحْصَى مِنْ الْأَحْكَام كَالصَّلَاةِ بِأَنْوَاعِهَا، فَإِذَا عَجَزَ عَنْ بَعْض أَرْكَانهَا أَوْ بَعْض شُرُوطهَا أَتَى بِالْبَاقِي، وَإِذَا عَجَزَ عَنْ بَعْض أَعْضَاء الْوُضُوء أَوْ الْغُسْل غَسَلَ الْمُمْكِن، وَإِذَا وَجَدَ بَعْض مَا يَكْفِيه مِنْ الْمَاء لِطَهَارَتِهِ أَوْ لِغَسْلِ النَّجَاسَة فَعَلَ الْمُمْكِن، وَأَشْبَاه هَذَا غَيْر مُنْحَصِرَة، وَهِيَ مَشْهُورَة فِي كُتُبِ الْفِقْه، وَالْمَقْصُود التَّنْبِيه عَلَى أَصْل ذَلِكَ، وَهَذَا الْحَدِيث مُوَافِق لِقَوْلِ الله تَعَالَى: {فَاتَّقُوا الله مَا اِسْتَطَعْتُمْ} , وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {اِتَّقُوا الله حَقّ تُقَاته} فَفِيهَا مَذْهَبَانِ أَحَدهمَا: أَنَّهَا مَنْسُوخَة بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاتَّقُوا الله مَا اِسْتَطَعْتُمْ} , وَالثَّانِي - وَهُوَ الصَّحِيح أَوْ الصَّوَاب وَبِهِ جَزَمَ الْمُحَقِّقُونَ - أَنَّهَا لَيْسَتْ مَنْسُوخَة، بَلْ قَوْله تَعَالَى: {فَاتَّقُوا الله مَا اِسْتَطَعْتُمْ} مُفَسِّرَة لَهَا وَمُبَيِّنَة لِلْمُرَادِ بِهَا، قَالُوا: {وَحَقّ تُقَاته} هُوَ اِمْتِثَال أَمْرِهِ وَاجْتِنَاب نَهْيه، وَلَمْ يَأمُر سُبْحَانه وَتَعَالَى إِلَّا بِالْمُسْتَطَاعِ، قَالَ الله تَعَالَى: {لَا يُكَلِّف الله نَفْسًا إِلَّا وُسْعهَا} , وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّين مِنْ حَرَج} وَالله أَعْلَم. (٢)

فالْأَمْر الْمُطْلَق لَا يَقْتَضِي دَوَام الْفِعْل , وَإِنَّمَا يَقْتَضِي جِنْس الْمَأمُور بِهِ , وَأَنَّهُ طَاعَة مَطْلُوبَة يَنْبَغِي أَنْ يَأتِي كُلّ إِنْسَان مِنْهُ عَلَى قَدْر طَاقَته , وَأَمَّا النَّهْي فَيَقْتَضِي دَوَام التَّرْك , وَالله تَعَالَى أَعْلَم. شرح سنن النسائي - (ج ٤ / ص ٩٥)

مَذَاهِبُ الْفُقَهَاءِ فِي الْمَسْأَلَة:

قال العراقي: اُسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ: أَنَّ الْمُحْدِثَ إذَا وَجَدَ بَعْضَ مَا يَكْفِيه مِنْ الْمَاءِ لِطَهَارَتِهِ أَنَّهُ يَجِبُ اسْتِعْمَالُهُ سَوَاءٌ الْحَدَثُ الْأَكْبَرُ , وَالْأَصْغَرُ ; لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى بَعْضِ الْمَأمُورِ بِهِ , وَهُوَ الْقَوْلُ الْجَدِيدُ لِلشَّافِعِيِّ , وَالْأَصَحُّ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ كَمَا لَوْ قَدَرَ عَلَى سَتْرِ بَعْضِ الْعَوْرَةِ فَإِنَّهُ يَجِبُ قَطْعًا.

وَذَهَبَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ إلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ ; لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ كَمَالِ الطَّهَارَةِ بِالْمَاءِ. (طرح التثريب ج٢ص١٩٩)

فَقَالُوا: يَسْقُطُ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ؛ لأَنَّ عَدَمَ بَعْضِ الْمُبْدَلِ يُبِيحُ الانْتِقَالَ إلَى الْبَدَلِ. وَهُوَ التُّرَابُ , وَهُوَ الْقَوْلُ الْقَدِيمُ لِلشَّافِعِيِّ وَاخْتَارَهُ الْمُزَنِيّ. نيل الأوطار (٣٦٠)

وَأَمَّا إذَا وَجَدَ بَعْضَ مَا يَكْفِيهِ مِنْ الْمَاءِ وَلَمْ يَجِدْ التُّرَابَ , فَأَظْهُرُ الطَّرِيقَيْنِ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ: أَنَّهُ يَجِبُ اسْتِعْمَالُ الْبَعْضِ لَا مَحَالَةَ ; لِأَنَّهُ لَا بَدَلَ يَنْتَقِلُ إلَيْهِ , فَصَارَ كَالْعُرْيَانِ يَجِدُ بَعْضَ السُّتْرَةِ , وَالطَّرِيقُ الثَّانِي طَرْدُ الْقَوْلَيْنِ. (طرح التثريب ج٢ص١٩٩)


(١) (خ) ٦٨٥٨ , (م) ١٣٣٧
(٢) شرح النووي على مسلم (٤١٢ - ١٣٣٧)