للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

طُرُقُ إِزَالَةِ النَّجَاسَة

إِزَالَةُ النَّجَاسَةِ بِالْمَاء

قَال الْبُخَارِيُّ ج١ص٥٤: بَابُ يُهَرِيقُ المَاءَ عَلَى البَوْلِ

(خ م ت جة حم) , عَنْ أَنس بن مالك - رضي الله عنه - قَالَ: (" كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - جَالِسًا فِي الْمَسْجِدِ "، وَأَصْحَابُهُ مَعَهُ، إِذْ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ) (١) (فَصَلَّى فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ قَالَ: اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي وَمُحَمَّدًا وَلَا تَرْحَمْ مَعَنَا أَحَدًا) (٢) (" فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - وَقَالَ: لَقَدِ احْتَظَرْتَ وَاسِعًا (٣)) (٤) (- يُرِيدُ رَحْمَةَ اللهِ - ") (٥) (فَمَا لَبِثَ أَنْ) (٦) (قَامَ إِلَى نَاحِيَةٍ فِي الْمَسْجِدِ فَبَالَ فِيهَا , فَصَاحَ بِهِ النَّاسُ) (٧) (فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم -: " لَا تُزْرِمُوهُ (٨) دَعُوهُ "، فَتَرَكُوهُ حَتَّى بَالَ , " ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - دَعَاهُ) (٩) (فَلَمْ يُؤَنِّبْ، وَلَمْ يَسُبَّ) (١٠) (وَلَمْ يَضْرِبْ) (١١) (فَقَالَ لَهُ: إِنَّ هَذِهِ الْمَسَاجِدَ لَا تَصْلُحُ لِشَيْءٍ مِنَ هَذَا الْبَوْلِ وَلَا الْقَذَرِ، إِنَّمَا هِيَ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، وَذِكْرِ اللهِ، وَالصَلَاةِ) (١٢) (وَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - لِرَجُلٍ مِنَ الْقَوْمِ: قُمْ فَائْتِنَا بِدَلْوٍ مِنْ مَاءٍ فَشُنَّهُ عَلَيْهِ (١٣)) (١٤) (فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ (١٥) وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ (١٦) ") (١٧) (فَأَتَاهُ بِدَلْوٍ مِنْ مَاءٍ) (١٨) (فَصَبَّهُ عَلَيْهِ) (١٩).

الشَّرْح:

(" كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - جَالِسًا فِي الْمَسْجِدِ "، وَأَصْحَابُهُ مَعَهُ، إِذْ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ) الْأَعْرَابِيَّ: وَاحِدُ الْأَعْرَابِ , وَهُمْ مَنْ سَكَنَ الْبَادِيَةَ , عَرَبًا كَانُوا أَوْ عَجَمًا. فتح٢١٩

(فَصَلَّى فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ قَالَ: اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي وَمُحَمَّدًا وَلَا تَرْحَمْ مَعَنَا أَحَدًا) (" فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - وَقَالَ: لَقَدِ احْتَظَرْتَ وَاسِعًا) أَيْ: ضَيَّقْت مِنْ رَحْمَة الله تَعَالَى مَا وَسَّعَهُ، وَمَنَعْت مِنْهَا مَا أَبَاحَهُ , وَخَصَصْتَ بِهِ نَفْسَكَ دُونَ. عون٣٨٠

إِخْوَانِكَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، هَلَّا سَأَلْتَ اللهَ لَك وَلِكُلِّ الْمُؤْمِنِينَ وَأَشْرَكْتَهمْ فِي رَحْمَةِ الله تَعَالَى الَّتِي وَسِعَتْ كُلّ شَيْء.

قَالَ الْحَسَن وَقَتَادَة: وَسِعَتْ فِي الدُّنْيَا الْبَرّ وَالْفَاجِر، وَهِيَ يَوْم الْقِيَامَة لِلْمُتَّقِينَ خَاصَّة.

وَفِي هَذَا إِشَارَة إِلَى تَرْك هَذَا الدُّعَاء , وَالنَّهْي عَنْهُ , وَأَنَّهُ يُسْتَحَبّ الدُّعَاء لِغَيْرِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِالرَّحْمَةِ وَالْهِدَايَة وَنَحْوهمَا.

وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ لَا تَبْطُل صَلَاة مَنْ دَعَا بِمَا لَا يَجُوز جَاهِلًا , لِعَدَمِ أَمْر هَذَا الدَّاعِي بِالْإِعَادَةِ. عون٨٨٢

(- يُرِيدُ رَحْمَةَ اللهِ - ") الْقَائِلُ " يُرِيدُ رَحْمَةَ اللهِ " بَعْضُ رُوَاتِهِ , وَكَأَنَّهُ أَبُو هُرَيْرَةَ. فتح٦٠١٠

قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: أَنْكَرَ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى الْأَعْرَابِيِّ لِكَوْنِهِ بَخِلَ بِرَحْمَةِ اللهِ عَلَى خَلْقِهِ، وَقَدْ أَثْنَى اللهُ - تَعَالَى - عَلَى مَنْ فَعَلَ خِلَافَ ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ}.فتح٦٠١٠

(فَمَا لَبِثَ أَنْ قَامَ إِلَى نَاحِيَةٍ فِي الْمَسْجِدِ فَبَالَ فِيهَا , فَصَاحَ بِهِ النَّاسُ) وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ فَزَجَرَهُ النَّاسُ. وَلِمُسْلِمٍ فَقَالَ الصَّحَابَةُ مَهْ مَهْ. تحفة١٤٧

(فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم -: " لَا تُزْرِمُوهُ) أَيْ: لَا تَقْطَعُوا عَلَيْهِ بَوْلَهُ، يُقَالُ: زُرِمَ الْبَوْلُ: إِذَا انْقَطَعَ , وَأَزْرَمْتُهُ قَطَعْتُهُ، وَكَذَلِكَ يُقَالُ فِي الدَّمْعِ. فتح٦٠٢٥

(دَعُوهُ "، فَتَرَكُوهُ حَتَّى بَالَ) وَإِنَّمَا تَرَكُوهُ يَبُولُ فِي الْمَسْجِدِ لِأَنَّهُ كَانَ شَرَعَ فِي الْمَفْسَدَةِ , فَلَوْ مُنِعَ لَزَادَتْ , إِذْ حَصَلَ تَلْوِيثُ جُزْءٍ مِنَ الْمَسْجِدِ، فَلَوْ مُنِعَ لَدَارَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنْ يَقْطَعَهُ فَيَتَضَرَّرُ، وَإِمَّا أَنْ لَا يَقْطَعَهُ فَلَا يَأمَنُ مِنْ تَنْجِيسِ بَدَنِهِ أَوْ ثَوْبِه ِ، أَوْ مَوَاضِعَ أُخْرَى مِنَ الْمَسْجِدِ. فتح٢١٩

قلت: ويبدو لي أن الرجل كان حديث عهد بالإسلام , وهذا ما يظهر من فعله وقوله , فلو منعوه وانتهروه , لربما أدى هذا إلى ضرر أكبر , وهو احتمال خروجه من الإسلام , فالمسلم الجديد بحاجة إلى تأليف قلب , وحسن معاملة , ولين جانب وهذا ما فعله - صلى اللهُ عليه وسلَّم - فغسل نجاسة بوله أهون من أن يُلقى في النار على وجهه. ع

(" ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - دَعَاهُ) (٢٠) (فَلَمْ يُؤَنِّبْ، وَلَمْ يَسُبَّ) (٢١) (وَلَمْ يَضْرِبْ) (٢٢) (فَقَالَ لَهُ: إِنَّ هَذِهِ الْمَسَاجِدَ لَا تَصْلُحُ لِشَيْءٍ مِنَ هَذَا الْبَوْلِ وَلَا الْقَذَرِ، إِنَّمَا هِيَ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، وَذِكْرِ اللهِ، وَالصَلَاةِ) (وَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - لِرَجُلٍ مِنَ الْقَوْمِ: قُمْ فَائْتِنَا بِدَلْوٍ مِنْ مَاءٍ فَشُنَّهُ عَلَيْهِ) يُرْوَى بِالشِّينِ الْمُعْجَمَة وَبِالْمُهْمَلَةِ، وَهُوَ فِي أَكْثَر الْأُصُول وَالرِّوَايَات بِالْمُعْجَمَةِ، وَمَعْنَاهُ: صَبَّهُ. وَفَرَّقَ بَعْض الْعُلَمَاء بَيْنهمَا فَقَالَ: هُوَ بِالْمُهْمَلَةِ: الصَّبّ فِي سُهُولَة، وَبِالْمُعْجَمَةِ: التَّفْرِيق فِي صَبِّهِ. (م) ١٠٠ - (٢٨٥)

(فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ) أَيْ: مُسَهِّلِينَ عَلَى النَّاس. تحفة١٤٧

(وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ ") عَطْف عَلَى السَّابِق عَلَى طَرِيق الطَّرْد وَالْعَكْس مُبَالَغَة فِي الْيُسْر قَالَهُ الطِّيبِيُّ. أَيْ: فَعَلَيْكُمْ بِالتَّيْسِيرِ أَيّهَا الْأُمَّة. عون٣٨٠

قال الأثيوبي: نظير قوله تعالى: {وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ} [البقرة: ١٠٢] أَيْ: هو ضرر محض , لا يشوبه نفع ما , فرُبَّ شيء يكون ضارا , ويكون فيه نفع , كبعض الأدوية. ذخيرة٥٥

قَالَ الْحَافِظُ: إِسْنَاد الْبَعْث إِلَيْهِمْ عَلَى طَرِيقِ الْمَجَازِ، لِأَنَّهُ هُوَ الْمَبْعُوثُ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - بِمَا ذَكَرَ، لَكِنَّهُمْ لَمَّا كَانُوا فِي مَقَام التَّبْلِيغِ عَنْهُ فِي حُضُورِهِ وَغَيْبَتِهِ , أَطْلَقَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ، إِذْ هُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ قِبَلِهِ بِذَلِكَ , أَيْ: مَأمُورُونَ , وَكَانَ ذَلِكَ شَأنه - صلى اللهُ عليه وسلَّم - فِي حَقِّ كُلِّ مَنْ بَعَثَهُ إِلَى جِهَةٍ مِنْ الْجِهَاتِ , يَقُولُ: " يَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا " (٢٣).فتح٢٢٠

(فَأَتَاهُ بِدَلْوٍ مِنْ مَاءٍ فَصَبَّهُ عَلَيْهِ) أَيْ: فَأَمَرَ بِصَبِّهِ. فتح٢١٩

وَفِي رِوَايَة لِلْبُخَارَيّ " وَهَرِيقُوا عَلَى بَوْلِه ".عون٣٨٠

فَوائِدُ الْحَدِيث:

قَالَ الْحَافِظُ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الِاحْتِرَازَ مِنَ النَّجَاسَةِ كَانَ مُقَرَّرًا فِي نُفُوسِ الصَّحَابَةِ وَلِهَذَا بَادَرُوا إِلَى الْإِنْكَارِ بِحَضْرَتِهِ - صلى الله عليه وسلم - قَبْلَ اسْتِئْذَانِهِ وَلِمَا تَقَرَّرَ عِنْدَهُمْ أَيْضًا مَنْ طَلَبِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ.

وَفِيهِ الْمُبَادَرَةُ إِلَى إِزَالَةِ الْمَفَاسِدِ عِنْدَ زَوَالِ الْمَانِعِ لِأَمْرِهِمْ عِنْدَ فَرَاغِهِ بِصَبِّ الْمَاءِ.

وَفِيهِ تَعْيِينُ الْمَاءِ لِإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ؛ لِأَنَّ الْجَفَافَ بِالرِّيحِ أَوِ الشَّمْسِ لَوْ كَانَ يَكْفِي لَمَا حَصَلَ التَّكْلِيفُ بِطَلَبِ الدَّلْوِ. فتح٢٢١

قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ. اُسْتُدِلَّ بِهِ يَعْنِي بِحَدِيثِ الْبَابِ عَلَى أَنَّ تَطْهِيرَ الْأَرْضِ الْمُتَنَجِّسَةِ يَكُونُ بِالْمَاءِ لَا بِالْجَفَافِ بِالرِّيحِ وَالشَّمْسِ لِأَنَّهُ لَوْ كَفَى ذَلِكَ لَمَا حَصَلَ التَّكْلِيفُ بِطَلَبِ الْمَاءِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْعِتْرَةِ وَالشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَزُفَرَ: وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ هُمَا مُطَهِّرَانِ لِأَنَّهُمَا يُحِيلَانِ الشَّيْءَ اِنْتَهَى.

وَاسْتَدَلَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّ تَطْهِيرَ الْأَرْضِ الْمُتَنَجِّسَةِ يَكُونُ بِالْجَفَافِ وَالْيُبْسِ بِحَدِيثِ زَكَاةُ الْأَرْضِ يُبْسُهَا.

وَأُجِيبَ: بِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَمْ يَثْبُتْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ بَعْدَ ذِكْرِهِ لَا أَصْلَ لَهُ فِي الْمَرْفُوعِ، نَعَمْ ذَكَرَهُ اِبْنُ أَبِي شَيْبَةَ مَوْقُوفًا عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاقِرِ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ مِنْ قَوْلِهِ بِلَفْظِ: جُفُوفُ الْأَرْضِ طُهُورُهَا اِنْتَهَى.

وَبِحَدِيثِ اِبْنِ عُمَرَ قَالَ: كُنْت أَبِيت فِي الْمَسْجِدِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكُنْت فَتًى شَابًّا عَزَبًا وَكَانَتْ الْكِلَابُ تَبُولُ وَتُقْبِلُ وَتُدْبِرُ فِي الْمَسْجِدِ فَلَمْ يَكُونُوا يَرُشُّونَ مِنْ ذَلِكَ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَبَوَّبَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ بَابٌ فِي طُهُورِ الْأَرْضِ إِذَا يَبِسَتْ، قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ اِسْتَدَلَّ أَبُو دَاوُدَ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ الْأَرْضَ تَطْهُرُ إِذَا لَاقَتْهَا النَّجَاسَةُ بِالْجَفَافِ، يَعْنِي أَنَّ قَوْلَهُ لَمْ يَكُونُوا يَرُشُّونَ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ صَبِّ الْمَاءِ مِنْ بَابِ الْأَوْلَى فَلَوْلَا أَنَّ الْجَفَافَ يُفِيدُ تَطْهِيرَ الْأَرْضِ مَا تَرَكُوا ذَلِكَ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ اِنْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ.

قُلْتُ: اِسْتِدْلَالُ أَبِي دَاوُدَ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ الْأَرْضَ تَطْهُرُ بِالْجَفَافِ صَحِيحٌ لَيْسَ فِيهِ عِنْدِي خَدْشَةٌ إِنْ كَانَ فِيهِ لَفْظُ تَبُولُ مَحْفُوظًا وَلَا مُخَالَفَةَ بَيْنَ هَذَا الْحَدِيثِ وَبَيْنَ حَدِيثِ الْبَابِ فَإِنَّهُ يُقَالُ إِنَّ الْأَرْضَ تَطْهُرُ بِالْوَجْهَيْنِ أَعْنِي بِصَبِّ الْمَاءِ عَلَيْهَا وَبِالْجَفَافِ وَالْيُبْسِ بِالشَّمْسِ أَوْ الْهَوَاءِ وَاللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. تحفة١٤٧

قَالَ الْحَافِظُ: وَفِيهِ أَنَّ غُسَالَةُ النَّجَاسَةِ الْوَاقِعَةَ عَلَى الْأَرْضِ طَاهِرَةٌ، وَيَلْتَحِقُ بِهِ غَيْرُ الْوَاقِعَةِ؛ لِأَنَّ الْبَلَّةَ الْبَاقِيَةَ عَلَى الْأَرْضِ غُسَالَةُ نَجَاسَةٍ , فَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ أَنَّ التُّرَابَ نُقِلَ وَعَلِمْنَا أَنَّ الْمَقْصُودَ التَّطْهِيرُ , تَعَيَّنَ الْحُكْمُ بِطَهَارَةِ الْبَلَّةِ , وَإِذَا كَانَتْ طَاهِرَةً , فَالْمُنْفَصِلَةُ أَيْضًا مِثْلُهَا , لِعَدَمِ الْفَارِقِ.

وَيُسْتَدَلُّ بِهِ أَيْضًا عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ نُضُوبِ الْمَاءِ , لِأَنَّهُ لَوِ اشْتُرِطَ لَتَوَقَّفَتْ طَهَارَةُ الْأَرْضِ عَلَى الْجَفَافِ. وَكَذَا لَا يُشْتَرَطُ عَصْرُ الثَّوْبِ إِذْ لَا فَارِقَ.

قَالَ الْمُوَفَّقُ فِي الْمُغْنِي بَعْدَ أَنْ حَكَى الْخِلَافَ: الْأَوْلَى الْحُكْمُ بِالطَّهَارَةِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يَشْتَرِطْ فِي الصَّبِّ عَلَى بَوْلِ الْأَعْرَابِيِّ شَيْئًا.

وَفِيهِ الرِّفْقُ بِالْجَاهِلِ وَتَعْلِيمُهُ مَا يَلْزَمُهُ مِنْ غَيْرِ تَعْنِيفٍ إِذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنْهُ عِنَادًا، وَلَا سِيَّمَا إِنْ كَانَ مِمَّنْ يُحْتَاجُ إِلَى اسْتِئْلَافِهِ.

وَفِيهِ رَأفَةُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَحُسْنُ خُلُقِهِ.

وَفِيهِ تَعْظِيمُ الْمَسْجِدِ , وَتَنْزِيهُهُ عَنِ الْأَقْذَارِ.

وَظَاهِرُ الْحَصْرِ مِنْ سِيَاقِ مُسْلِمٍ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي الْمَسْجِدِ شَيْءٌ غَيْرُ مَا ذَكَرَ مِنَ الصَّلَاةِ وَالْقُرْآنِ وَالذِّكْرِ، لَكِنَّ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ مَفْهُومَ الْحَصْرِ مِنْهُ غَيْرُ مَعْمُولٍ بِهِ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ فِعْلَ غَيْرِ الْمَذْكُورَاتِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا خِلَافُ الْأَوْلَى , وَاللهُ أَعْلَمُ.

وَفِيهِ أَنَّ الْأَرْضَ تَطْهُرُ بِصَبِّ الْمَاءِ عَلَيْهَا وَلَا يُشْتَرَطُ حَفْرُهَا خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ , حَيْثُ قَالُوا: لَا تَطْهُرُ إِلَّا بِحَفْرِهَا , كَذَا أَطْلَقَ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ.

وَالْمَذْكُورُ فِي كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ التَّفْصِيلُ بَيْنَ إِذَا كَانَتْ رَخْوَةً بِحَيْثُ يَتَخَلَّلُهَا الْمَاءُ حَتَّى يَغْمُرَهَا فَهَذِهِ لَا تَحْتَاجُ إِلَى حَفْرٍ، وَبَيْنَ مَا إِذَا كَانَتْ صُلْبَةً فَلَا بُدَّ مِنْ حَفْرِهَا وَإِلْقَاءِ التُّرَابِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ لَمْ يَغْمُرْ أَعْلَاهَا وَأَسْفَلَهَا , وَاحْتَجُّوا فِيهِ بِحَدِيثٍ جَاءَ مِنْ ثَلَاثِ طُرُقٍ:

أَحَدُهَا مَوْصُولٌ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ لَكِنَّ إِسْنَادَهُ ضَعِيفٌ قَالَهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ.

وَالْآخَرَانِ مُرْسَلَانِ أَخْرَجَ أَحَدَهُمَا أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَعْقِلِ بْنِ مُقَرِّنٍ، وَالْآخَرُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ مِنْ طَرِيقِ طَاوُسٍ وَرُوَاتُهُمَا ثِقَاتٌ.

وَهُوَ يَلْزَمُ مَنْ يَحْتَجُّ بِالْمُرْسَلِ مُطْلَقًا، وَكَذَا مَنْ يَحْتَجُّ بِهِ إِذَا اعْتَضَدَ مُطْلَقًا، وَالشَّافِعِيُّ إِنَّمَا يَعْتَضِدُ عِنْدَهُ إِذَا كَانَ مِنْ رِوَايَةِ كِبَارِ التَّابِعِينَ، وَكَانَ مَنْ أَرْسَلَ إِذَا سَمَّى لَا يُسَمِّي إِلَّا ثِقَةً وَذَلِكَ مَفْقُودٌ فِي الْمُرْسَلَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ عَلَى مَا هُوَ ظَاهِرٌ مِنْ سَنَدَيْهِمَا وَاللهُ أَعْلَمُ. فتح٢٢١

قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ ١١١ ح١: وَرَدَ فِيهِ الْحَفْرُ مِنْ طَرِيقَيْنِ مُسْنَدَيْنِ وَطَرِيقَيْنِ مُرْسَلَيْنِ فَالْمُسْنَدَانِ أَحَدُهُمَا عَنْ سَمْعَانِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَبَالَ فِي الْمَسْجِدِ فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَانِهِ فَاحْتَفَرَ وَصَبَّ عَلَيْهِ دَلْوًا مِنْ مَاءٍ اِنْتَهَى، وَذَكَرَ اِبْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي عِلَلِهِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا زُرْعَةَ يَقُولُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إِنَّهُ مُنْكَرٌ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ اِنْتَهَى، أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ: الثَّانِي أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ الْجَبَّارِ بْنِ الْعَلَاءِ عَنْ اِبْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ أَعْرَابِيًّا بَالَ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ اِحْفِرُوا مَكَانَهُ ثُمَّ صُبُّوا عَلَيْهِ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَهِمَ عَبْدُ الْجَبَّارِ عَلَى اِبْنِ عُيَيْنَةَ لِأَنَّ أَصْحَابَ اِبْنِ عُيَيْنَةَ الْحُفَّاظَ رَوَوْهُ عَنْهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ بِدُونِ الْحَفْرِ وَإِنَّمَا رَوَى اِبْنُ عُيَيْنَةَ هَذَا عَنْ طَاوُسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اِحْفِرُوا مَكَانَهُ مُرْسَلًا اِنْتَهَى. وَأَمَّا الْمُرْسَلَانِ فَأَحَدُهُمَا هَذَا الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ الدَّارَقُطْنِيُّ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ. وَالثَّانِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَعْقِلٍ قَالَ صَلَّى أَعْرَابِيٌّ فَذَكَرَ الْقِصَّةَ وَفِي آخِرِهِ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ خُذُوا مَا بَالَ عَلَيْهِ مِنْ التُّرَابِ فَأَلْقُوهُ وَأَهْرِيقُوا عَلَى مَكَانِهِ مَاءً، قَالَ أَبُو دَاوُدَ هَذَا مُرْسَلٌ فَإِنَّ اِبْنَ مَعْقِلٍ لَمْ يُدْرِكْ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِنْتَهَى مَا فِي نَصْبِ الرَّايَةِ.

قُلْتُ: الْأَحَادِيثُ الْمَرْفُوعَةُ الْمُتَّصِلَةُ الصَّحِيحَةُ خَالِيَةٌ عَنْ حَفْرِ الْأَرْضِ، وَأَمَّا الْأَحَادِيثُ الَّتِي جَاءَ فِيهَا ذِكْرُ حَفْرِ الْأَرْضِ فَمِنْهَا مَا هُوَ مَوْصُولٌ فَهُوَ ضَعِيفٌ لَا يَصْلُحُ لِلِاسْتِدْلَالِ، وَمِنْهَا مَا هُوَ مُرْسَلٌ فَهُوَ أَيْضًا ضَعِيفٌ عِنْدَ مَنْ لَا يَحْتَجُّ بِالْمُرْسَلِ، وَأَمَّا مَنْ يَحْتَجُّ بِهِ فَعِنْدَ بَعْضِهِمْ أَيْضًا ضَعِيفٌ لَا يَصْلُحُ لِلِاسْتِدْلَالِ كَالْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ فَقَوْلُ مَنْ قَالَ إِنَّ الْأَرْضَ لَا تَطْهُرُ إِلَّا بِالْحَفْرِ وَنَقْلِ التُّرَابِ قَوْلٌ ضَعِيفٌ إِلَّا عِنْدَ مَنْ يَحْتَجُّ بِالْمُرْسَلِ مُطْلَقًا وَعِنْدَ مَنْ يَحْتَجُّ بِهِ إِذَا اِعْتَضَدَ مُطْلَقًا.

ثُمَّ هِيَ إِنْ دَلَّتْ عَلَى أَنَّ الْأَرْضَ النَّجِسَةَ لَا تَطْهُرُ إِلَّا بِالْحَفْرِ وَنَقْلِ التُّرَابِ , فَهِيَ مُعَارَضَةٌ بِحَدِيثِ اِبْنِ عُمَرَ (٢٤) وَبِحَدِيثِ الْبَابِ هَذَا مَا عِنْدِي. تحفة١٤٧

قلت: حديث ابن عمر ربما لا ينفع أن يستدل به على طهارة الأرض بالجفاف , لكون المسجد في ذلك الوقت لا باب له , فالكلاب نجاستها مغلظة , فعدم رش بولها وما شابه , إنما هو بسبب عموم البلوى , والمشقة التي تجلب التيسير , فهي كالطوافين والطوافات من القطط , والفأرة وغيرها مما يشق التحرز منه , وهذا من سماحة الشريعة , فالاستدلال بحديث ابن عمر يدخله الاحتمال الذي أشرت إليه. ع

قَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ، قَالَ أَصْحَابُنَا يَعْنِي الْحَنَفِيَّةَ إِذَا أَصَابَتْ الْأَرْضَ نَجَاسَةٌ رَطْبَةٌ فَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ رَخْوَةً صُبَّ عَلَيْهَا الْمَاءُ حَتَّى يَتَسَفَّلَ فِيهَا وَإِذَا لَمْ يَبْقَ عَلَى وَجْهِهَا شَيْءٌ مِنْ النَّجَاسَةِ وَتَسَفَّلَ الْمَاءُ يُحْكَمُ بِطَهَارَتِهَا وَلَا يُعْتَبَرُ فِيهَا الْعَدَدُ وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى اِجْتِهَادِهِ وَمَا هُوَ فِي غَالِبِ ظَنِّهِ أَنَّهَا طَهُرَتْ وَيَقُومُ التَّسَفُّلُ فِي الْأَرْضِ مَقَامَ الْعَصْرِ فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ الْعَصْرَ وَعَلَى قِيَاسِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يُصَبُّ عَلَيْهَا الْمَاءُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَيَتَسَفَّلُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ صُلْبَةً فَإِنْ كَانَتْ صَعُودًا يُحْفَرُ فِي أَسْفَلِهَا حُفَيْرَةٌ وَيُصَبُّ الْمَاءُ عَلَيْهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَيَتَسَفَّلُ إِلَى الْحُفَيْرَةِ ثُمَّ تُكْبَسُ الْحُفَيْرَةُ وَإِنْ كَانَتْ مُسْتَوِيَةً بِحَيْثُ لَا يَزُولُ عَنْهَا الْمَاءُ لَا يُغْسَلُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِي الْغَسْلِ بَلْ تُحْفَرُ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَا تَطْهُرُ الْأَرْضُ حَتَّى تُحْفَرَ إِلَى النَّوْعِ الَّذِي وَصَلَتْ إِلَيْهِ النَّدَاوَةُ وَيُنْقَلُ التُّرَابُ اِنْتَهَى كَلَامُ الْعَيْنِيِّ، وَقَالَ فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ وَالْأَرْضُ وَالْآجُرُّ الْمَفْرُوشُ بِالْيُبْسِ وَذَهَابُ الْأَثَرِ لِلصَّلَاةِ لَا لِلتَّيَمُّمِ اِنْتَهَى. تحفة١٤٧

وَفِيهِ: دَفْع أَعْظَم الضَّرَرَيْنِ بِاحْتِمَالِ أَخَفِّهِمَا؛ لِقَوْلِهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (دَعُوهُ) (م) ٩٨ - (٢٨٤)

مَذَاهِبُ الْفُقَهَاءِ فِي الْمَسْأَلَة:

الأَصْلُ فِي رَفْعِ الْحَدَثِ وَإِزَالَةِ الْخَبَثِ أَنْ يَكُونَ بِالْمَاءِ قَالَ تَعَالَى:} وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا {.

قَال النَّوَوِيُّ (م) ١١٠ - ٢٩١): اعْلَمْ أَنَّ الْوَاجِب فِي إِزَالَة النَّجَاسَة الْإِنْقَاء , فَإِنْ كَانَتْ النَّجَاسَة حُكْمِيَّة , وَهِيَ الَّتِي لَا تُشَاهَد بِالْعَيْنِ , كَالْبَوْلِ وَنَحْوه، وَجَبَ غَسْلهَا مَرَّة , وَلَا تَجِب الزِّيَادَة، وَلَكِنْ يُسْتَحَبّ الْغَسْل ثَانِيَة وَثَالِثَة لِقَوْلِهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا اِسْتَيْقَظَ أَحَدكُمْ مِنْ نَوْمه فَلَا يَغْمِس يَده فِي الْإِنَاء حَتَّى يَغْسِلهَا ثَلَاثًا ".

وَأَمَّا إِذَا كَانَتِ النَّجَاسَةُ عَيْنِيَّةً كَالدَّمِ وَغَيْرِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ إِزَالَةِ عَيْنِهَا وَيُسْتَحَبُّ غَسْلُهَا بَعْدَ زَوَالِ الْعَيْنِ ثَانِيَةً وَثَالِثَةً.

وَهَلْ يُشْتَرَطُ عَصْرُ الثَّوْبِ إِذَا غَسَلَهُ فِيهِ وَجْهَانِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ وَإِذَا غَسَلَ النَّجَاسَةَ الْعَيْنِيَّةَ فَبَقِيَ لَوْنُهَا لَمْ يَضُرَّهُ بَلْ قَدْ حَصَلَتِ الطَّهَارَةُ وَإِنْ بَقِيَ طَعْمُهَا فَالثَّوْبُ نَجِسٌ فَلَا بُدَّ مِنْ إِزَالَةِ الطَّعْمِ وَإِنْ بَقِيَتِ الرَّائِحَةُ فَفِيهِ قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ أَفْصَحُهُمَا يَطْهُرُ , وَالثَّانِي لَا يَطْهُرُ. أ. هـ

وقال: الْأَرْض تَطْهُر بِصَبِّ الْمَاء عَلَيْهَا وَلَا يُشْتَرَط حَفْرهَا. وَهَذَا مَذْهَبنَا وَمَذْهَب الْجُمْهُور، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة - رَحِمَهُ الله تَعَالَى - لَا تَطْهُر إِلَّا بِحَفْرِهَا.

قَالَ اِبْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يُكْتَفَى بِإِفَاضَةِ الْمَاءِ , وَلَا يُشْتَرَطُ نَقْلُ التُّرَابِ مِنْ الْمَكَانِ بَعْدَ ذَلِكَ. خِلَافًا لِمَنْ قَالَ بِهِ. وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَرِدْ عَنْهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْأَمْرُ بِنَقْلِ التُّرَابِ، وَظَاهِرُ ذَلِكَ الِاكْتِفَاءُ بِصَبِّ الْمَاءِ فَإِنَّهُ لَوْ وَجَبَ لَأَمَرَ بِهِ وَلَوْ أَمَرَ بِهِ لَذُكِرَ وَقَدْ وَرَدَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ الْأَمْرُ بِنَقْلِ التُّرَابِ وَلَكِنَّهُ تُكُلِّمَ فِيهِ. وَأَيْضًا لَوْ كَانَ نَقْلُ التُّرَابِ وَاجِبًا فِي التَّطْهِيرِ لَاكْتُفِيَ بِهِ فَإِنَّ الْأَمْرَ بِصَبِّ الْمَاءِ حِينَئِذٍ يَكُونُ زِيَادَةَ تَكْلِيفٍ وَتَعَبٍ مِنْ غَيْرِ مَنْفَعَةٍ تَعُودُ إِلَى الْمَقْصُودِ وَهُوَ تَطْهِيرُ الْأَرْضِ. تحفة١٤٧

قَال النَّوَوِيُّ: وغُسَالَة النَّجَاسَة طَاهِرَة، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَة فِيهَا خِلَاف بَيْن الْعُلَمَاء وَلِأَصْحَابِنَا فِيهَا ثَلَاثَة أَوْجُه: أَحَدهَا: أَنَّهَا طَاهِرَة. وَالثَّانِي: نَجِسَة، وَالثَّالِث: إِنْ اِنْفَصَلَتْ وَقَدْ طَهُرَ الْمَحَلّ فَهِيَ طَاهِرَة، وَإِنْ اِنْفَصَلَتْ وَلَمْ يَطْهُر الْمَحَلّ فَهِيَ نَجِسَة، وَهَذَا الثَّالِث هُوَ الصَّحِيح، وَهَذَا الْخِلَاف إِذَا اِنْفَصَلَتْ غَيْر مُتَغَيِّرَة، أَمَّا إِذَا اِنْفَصَلَتْ مُتَغَيِّرَة فَهِيَ نَجِسَة بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ سَوَاء تَغَيَّر طَعْمهَا أَوْ لَوْنهَا أَوْ رِيحهَا، وَسَوَاء كَانَ التَّغَيُّر قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا. وَاللهُ أَعْلَم. (م) ٩٨ - (٢٨٤)

قال السندي: أَخذ مِنْهُ المُصَنّف (النسائي) أن المَاء لَا ينجس وإن قل , وَذَلِكَ لِأَن الدَّلْو من المَاء قَلِيل وَقد صب على الْبَوْل فيختلط بِهِ فَلَو تنجس المَاء باختلاط الْبَوْل يلْزم أَن يكون هَذَا تكثيرا للنَّجَاسَة لَا إِزَالَة لَهَا وَهُوَ خلاف الْمَعْقُول فَلَزِمَ أَن المَاء لَا يَتَنَجَّس باختلاط النَّجس وَأَن قل وَفِيه بحث .. فَيجوز أَن يفرق بَين وُرُود المَاء على النَّجَاسَة فيزيلها , وَبَين وُرُود النَّجَاسَة عَلَيْهِ فتنجسه كَمَا يَقُول بِهِ الشَّافِعِيَّة. حاشية السندي على سنن النسائي (١/ ٤٨)


(١) (حم) ١٣٠٠٧ , وقال شعيب الأرنؤوط: حديث صحيح , وهذا إسناد حسن
(٢) (ت) ١٤٧ , (د) ٣٨٠
(٣) أَيْ: ضَيَّقْت مَا وَسَّعَهُ الله وَخَصَصْت بِهِ نَفْسك دُون غَيْرك. عون (ج١ص٤٢٦)
(٤) (جة) ٥٢٩
(٥) (خ) ٥٦٦٤ , (س) ١٢١٦
(٦) (ت) ١٤٧
(٧) (م) ٩٩ - (٢٨٤)
(٨) أَيْ: لَا تَقْطَعُوا عَلَيْهِ.
(٩) (م) ٢٨٥ , (خ) ٢١٦
(١٠) (جة) ٥٢٩
(١١) (حم) ١٠٥٤٠
(١٢) (م) ٢٨٥ , (حم) ١٣٠٠٧
(١٣) أَيْ: صُبَّهُ عَلَيْهِ.
(١٤) (م) ٢٨٥ , (خ) ٢١٦
(١٥) أَيْ: مُسَهِّلِينَ عَلَى النَّاس. عون المعبود - (ج ١ / ص ٤٢٦)
(١٦) إِسْنَاد الْبَعْث إِلَيْهِمْ عَلَى طَرِيقِ الْمَجَازِ، لِأَنَّهُ هُوَ الْمَبْعُوثُ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - بِمَا ذَكَرَ، لَكِنَّهُمْ لَمَّا كَانُوا فِي مَقَام التَّبْلِيغِ عَنْهُ فِي حُضُورِهِ وَغَيْبَتِهِ , أَطْلَقَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ، إِذْ هُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ قِبَلِهِ بِذَلِكَ , أَيْ: مَأمُورُونَ , وَكَانَ ذَلِكَ شَأنه - صلى اللهُ عليه وسلَّم - فِي حَقِّ كُلِّ مَنْ بَعَثَهُ إِلَى جِهَةٍ مِنْ الْجِهَاتِ , يَقُولُ: " يَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا ".فتح (ج١ /ص ٣٤٧)
(١٧) (خ) ٢١٧ , (ت) ١٤٧
(١٨) (حم) ١٣٠٠٧
(١٩) (خ) ٢١٦ , (م) ٩٨ - (٢٨٤) , (س) ٥٣ , (جة) ٥٢٨
(٢٠) (م) ٢٨٥ , (خ) ٢١٦
(٢١) (جة) ٥٢٩
(٢٢) (حم) ١٠٥٤٠
(٢٣) البخاري العلم (٦٩) , مسلم الجهاد والسير (١٧٣٤)
(٢٤) قَالَ ابْنُ عُمَرَ: «كَانَتِ الكِلَابُ تَبُولُ، وَتُقْبِلُ وَتُدْبِرُ فِي المَسْجِدِ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ يَكُونُوا يَرُشُّونَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ» , (خ) ١٧٤