للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

{وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ، وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى} (١)

(خ م) , عَنْ سَعِيدَ بْنَ زَيْدٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: " الْكَمْأَةُ (٢) مِنَ الْمَنِّ (٣) الَّذِي أَنْزَلَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَمَاؤُهَا شِفَاءٌ لِلْعَيْنِ (٤) " (٥)


(١) [البقرة: ٥٧]
(٢) الْكَمْأَة: نَبَات لَا وَرَق لَهَا وَلَا سَاقَ، تُوجَد فِي الْأَرْض مِنْ غَيْر أَنْ تُزْرَع.
قِيلَ: سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِاسْتِتَارِهَا، يُقَال: كَمَأَ الشَّهَادَة , إِذَا كَتَمَهَا , وَمَادَّة الْكَمْأَة مِنْ جَوْهَر أَرْضِيّ بُخَارِيّ , يَحْتَقِن نَحْو سَطْح الْأَرْض بِبَرْدِ الشِّتَاء , وَيُنَمِّيه مَطَر الرَّبِيع فَيَتَوَلَّد وَيَنْدَفِع مُتَجَسِّدًا، وَلِذَلِكَ كَانَ بَعْض الْعَرَب يُسَمِّيهَا جُدَرِيّ الْأَرْض , تَشْبِيهًا لَهَا بِالْجُدَرِيِّ مَادَّة وَصُورَة، لِأَنَّ مَادَّته رُطُوبَة دَمَوِيَّة , تَنْدَفِع غَالِبًا عِنْد التَّرَعْرُع , وَفِي اِبْتِدَاء اِسْتِيلَاء الْحَرَارَة , وَنَمَاء الْقُوَّة , وَمُشَابَهَتهَا لَهُ فِي الصُّورَة ظَاهِر , وَهِيَ كَثِيرَة بِأَرْضِ الْعَرَب، وَتُوجَد بِالشَّامِ وَمِصْر، فَأَجْوَدهَا مَا كَانَتْ أَرْضهُ رَمْلِيَّة قَلِيلَة الْمَاء، وَمِنْهَا صِنْف قَتَّال , يَضْرِب لَوْنه إِلَى الْحُمْرَة , وَهِيَ بَارِدَة رَطْبَة فِي الثَّانِيَة , رَدِيئَة لِلْمَعِدَةِ , بَطِيئَة الْهَضْم، وَإِدْمَان أَكْلهَا يُورِث الْقُولَنْج وَالسَّكْتَة , وَالْفَالِج , وَعُسْر الْبَوْل، وَالرَّطْب مِنْهَا أَقَلّ ضَرَرًا مِنْ الْيَابِس، وَإِذَا دُفِنَتْ فِي الطِّين الرَّطْب , ثُمَّ سُلِقَتْ بِالْمَاءِ وَالْمِلْح وَالسَّعْتَر , وَأُكِلَتْ بِالزَّيْتِ وَالتَّوَابِل الْحَارَّة , قَلَّ ضَرَرهَا، وَمَعَ ذَلِكَ فَفِيهَا جَوْهَر مَائِيّ لَطِيف بِدَلِيلِ خِفَّتِهَا، فَلِذَلِكَ كَانَ مَاؤُهَا شِفَاء لِلْعَيْنِ. فتح الباري (ج ١٦ / ص ٢٢٧)
(٣) الْمَنّ: هُوَ الطَّلُّ الَّذِي يَسْقُط عَلَى الشَّجَر , فَيُجْمَع وَيُؤْكَل حُلْوًا، وَمِنْهُ التَّرَنْجَبِين , فَكَأَنَّهُ شَبَّهَ بِهِ الْكَمْأَة بِجَامِعِ مَا بَيْنهمَا مِنْ وُجُود كُلّ مِنْهُمَا بِلَا كُلْفَةٍ وَلَا مُعَالَجَةٍ. فتح الباري (ج ١٦ / ص ٢٢٧)
(٤) وَظَاهِرُ اللَّفْظِ أَنَّ مَاءَهَا شِفَاءٌ لِلْعَيْنِ مُطْلَقًا مِنْ ضَعْفِ الْبَصَرِ , وَالرَّمَدِ الْحَادِّ , وَلَا مَانِعَ مِنْ الْقَوْلِ بِهِ , وَقَدْ صَحَّ عَنْ الصَّادِقِ الْمَصْدُوقِ - صلى الله عليه وسلم - فَيَجِبُ الْقَوْلُ بِهِ , وَقَدْ ذَكَرَ مِثْلَ هَذَا مِنْ الْأَطِبَّاءِ: الْمَسِيحِيُّ , وَصَاحِبُ الْقَانُونِ , وَغَيْرُهُمَا , وَقَدْ اكْتَحَلَ بِمَائِهَا مُجَرَّدًا بَعْضُ مَنْ عَمِيَ , مُعْتَقِدًا مُتَبَرِّكًا , فَشَفَاهُ اللهُ بِحَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ , وَأَظُنُّ قَدْ وَقَعَ مِثْلُ هَذَا فِي زَمَنِ أَبِي زَكَرِيَّا النَّوَوِيِّ.
وَقِيلَ: يُخْلَطُ مَاؤُهَا بِدَوَاءٍ وَيُعَالَجُ بِهِ.
وَقِيلَ: هَذَا إنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ حَرَارَةٍ , وَإِنْ كَانَ مِنْ حَرَارَةٍ , فَمَاؤُهَا مُجَرَّدُ شِفَاءٍ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِمَائِهَا: الْمَاءُ الَّذِي تَحْدُثُ بِهِ مِنْ الْمَطَرِ , وَهُوَ أَوَّلُ مَطَرٍ يَنْزِلُ إلَى الْأَرْضِ فَيَكُونُ إضَافَةَ اقْتِرَانٍ , لَا إضَافَةَ جُزْءٍ , ذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ. (الآداب الشرعية لابن مفلح) (٣/ ٩)
(٥) (م) ١٥٩ - (٢٠٤٩) , (خ) ٤٤٧٨ , (ت) ٢٠٦٧ , (جة) ٣٤٥٤