للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الشَّكّ فِي وُجُود النَّجَاسَة وَزَوَالهَا

مِنَ الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ أَنَّ مَا ثَبَتَ بِيَقِينٍ لا يَرْتَفِعُ إِلا بِيَقِينٍ، وَقَدِ اسْتَنْبَطَ الشَّافِعِيُّ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ مِنَ الْحَدِيثِ الْمَرْوِيِّ " عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَمِّهِ أَنَّهُ شَكَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّجُلَ الَّذِي يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَجِدُ الشَّيْءَ فِي الصَّلاةِ فَقَالَ: لا يَنْفَتِلُ أَوْ لا يَنْصَرِفُ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدُ رِيحًا ".

وَمِنْ فُرُوعِهَا: أَنَّ مَنْ تَيَقَّنَ طَهَارَةً أَوْ حَدَثًا وَشَكَّ فِي ضِدِّهِ فَإِنَّهُ يَعْمَلُ بِيَقِينِهِ. (١)

الأم (دار الفكر -بيروت-د. ط-١٤١٠هـ-١٩٩٠م) ج١ ص٢٤ - ٢٥: (قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى): وَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ مُسَافِرًا وَكَانَ مَعَهُ مَاءٌ فَظَنَّ أَنَّ النَّجَاسَةَ خَالَطَتْهُ فَتَنَجَّسَ وَلَمْ يَسْتَيْقِنْ فَالْمَاءُ عَلَى الطَّهَارَةِ وَلَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ بِهِ وَيَشْرَبَهُ حَتَّى يَسْتَيْقِنَ مُخَالَطَةَ النَّجَاسَةِ بِهِ، وَإِنْ اسْتَيْقَنَ النَّجَاسَةَ وَكَانَ يُرِيدُ أَنْ يُهْرِيقَهُ وَيُبَدِّلَهُ بِغَيْرِهِ فَشَكَّ أَفَعَلَ أَمْ لا فَهُوَ عَلَى النَّجَاسَةِ حَتَّى يَسْتَيْقِنَ أَنَّهُ أَهْرَاقَهُ وَأَبْدَلَ غَيْرَهُ، وَإِذَا قَلَّتْ فِي الْمَاءِ فَهُوَ عَلَى النَّجَاسَةِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ بِهِ وَعَلَيْهِ أَنْ يَتَيَمَّمَ إنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ، وَلَهُ إنْ اُضْطُرَّ إلَيْهِ أَنْ يَشْرَبَهُ؛ لأَنَّ فِي الشُّرْبِ ضَرُورَةَ خَوْفِ الْمَوْتِ وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي الْوُضُوءِ فَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى التُّرَابَ طَهُورًا لِمَنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ وَهَذَا غَيْرُ وَاجِدٍ مَاءً يَكُونُ طَهُورًا، وَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ فِي السَّفَرِ وَمَعَهُ مَاءَانِ اسْتَيْقَنَ أَنَّ أَحَدَهُمَا نَجِسٌ وَالآخَرَ لَمْ يَنْجُسْ فَأَهْرَاقَ النَّجِسَ مِنْهُمَا عَلَى الأَغْلَبِ عِنْدَهُ أَنَّهُ نَجِسٌ تَوَضَّأَ بِالآخَرِ، وَإِنْ خَافَ الْعَطَشَ حَبَسَ الَّذِي الأَغْلَبُ عِنْدَهُ أَنَّهُ نَجِسٌ وَتَوَضَّأَ بِالطَّاهِرِ عِنْدَهُ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ قَدْ اسْتَيْقَنَ النَّجَاسَةَ فِي شَيْءٍ فَكَيْفَ يَتَوَضَّأُ بِغَيْرِ يَقِينِ الطَّهَارَةِ؟ قِيلَ لَهُ: إنَّهُ اسْتَيْقَنَ النَّجَاسَةَ فِي شَيْءٍ وَاسْتَيْقَنَ الطَّهَارَةَ فِي غَيْرِهِ فَلا نُفْسِدُ عَلَيْهِ الطَّهَارَةَ إلا بِيَقِينِ أَنَّهَا نَجِسَةٌ وَاَلَّذِي تَأَخَّى فَكَانَ الأَغْلَبُ عَلَيْهِ عِنْدَهُ أَنَّهُ غَيْرُ نَجِسٍ عَلَى أَصْلِ الطَّهَارَةِ؛ لأَنَّ الطَّهَارَةَ تَمْكُنُ فِيهِ وَلَمْ يَسْتَيْقِنْ النَّجَاسَةَ، فَإِنْ قَالَ فَقَدْ نَجَّسْتَ عَلَيْهِ الآخَرَ بِغَيْرِ يَقِينِ نَجَاسَةٍ قِيلَ لا إنَّمَا نَجَّسْتُهُ عَلَيْهِ بِيَقِينِ أَنَّ أَحَدَهُمَا نَجِسٌ وَأَنَّ الأَغْلَبَ عِنْدَهُ أَنَّهُ نَجِسٌ فَلَمْ أَقُلْ فِي تَنْجِيسِهِ إلا بِيَقِينِ رَبِّ الْمَاءِ فِي نَجَاسَةِ أَحَدِهِمَا وَالأَغْلَبُ عِنْدَهُ أَنَّ هَذَا النَّجِسَ مِنْهُمَا "٢٥" فَإِنْ اسْتَيْقَنَ بَعْدُ أَنَّ الَّذِي تَوَضَّأَ بِهِ النَّجِسُ وَاَلَّذِي تَرَكَ الطَّاهِرُ غَسَلَ كُلَّ مَا أَصَابَ ذَلِكَ الْمَاءُ النَّجِسُ مِنْ ثَوْبٍ وَبَدَنٍ، وَأَعَادَ الطَّهَارَةَ وَالصَّلاةَ، وَكَانَ لَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ بِهَذَا الَّذِي كَانَ الأَغْلَبُ عِنْدَهُ أَنَّهُ نَجِسٌ حَتَّى اسْتَيْقَنَ طَهَارَتَهُ.

وَمَنْ ظَنَّ خُرُوجَ شَيْءٍ بَعْدَ الاسْتِنْجَاءِ فَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: لا تَلْتَفِتْ حَتَّى تَتَيَقَّنَ، وَالْهُ عَنْهُ فَإِنَّهُ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَإِنَّهُ يَذْهَبُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. (٢)

ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الْجُمْلَةِ إِلَى أَنَّهُ لا غَسْلَ عَلَى مَنِ اسْتَيْقَظَ مِنْ نَوْمِهِ وَوَجَدَ فِي ثَوْبِهِ أَوْ فَخِذِهِ بَلَلا وَشَكَّ أَنَّهُ مَنِيٌّ أَوْ وَدْيٌ أَوْ غَيْرُهُ وَلَمْ يَتَذَكَّرِ احْتِلامًا.

قَالَ الدَّرْدِيرُ: لَوْ شَكَّ بَيْنَ ثَلاثَةِ أُمُورٍ كَمَنِيٍّ وَمَذْيٍ وَوَدْيٍ، لَمْ يَجِبِ الْغُسْلُ لأَنَّهُ تَعَلَّقَ التَّرَدُّدُ بَيْنَ ثَلاثَةِ أَشْيَاءَ، فَيَصِيرُ كُلُّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِهَا وَهْمًا. (٣)

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ إِنِ احْتَمَلَ كَوْنَ الْخَارِجِ مَنِيًّا أَوْ غَيْرَهُ كَوَدْيٍ أَوْ مَذْيٍ، تَخَيَّرَ بَيْنَهُمَا عَلَى الْمُعْتَمَدِ، فَإِنْ جَعَلَهُ مَنِيًّا اغْتَسَلَ، أَوْ غَيْرَهُ تَوَضَّأَ وَغَسَلَ مَا أَصَابَهُ، لأَنَّهُ إِذَا أَتَى بِمُقْتَضَى أَحَدِهِمَا بَرِئَ مِنْهُ يَقِينًا وَالأَصْلُ بَرَاءَتُهُ مِنَ الآخَرِ وَلا مُعَارِضَ لَهُ. (٤)

المجموع (مكتبة الإرشاد-السعودية- ومكتبة المطيعي-د. ط-د. ت) ج١ ص٢٥٠ - ٢٦٦: مَنْ أَصَابَتْهُ نَجَاسَةٌ فِي بَدَنِهِ أَوْ ثَوْبِهِ وَجَهِلَ مَوْضِعَهَا يَلْزَمُهُ غَسْلُهُ كُلُّهُ.

الفتاوى الكبرى (دار الكتب العلمية-الطبعة الأولى-١٤٠٨هـ-١٩٨٧م) ج١ ص٢٣٩ - ٢٤٠: وَسِرُّ مَا ذَكَرْنَاهُ إذَا اشْتَبَهَ الطَّاهِرُ بِالنَّجِسِ، فَاجْتِنَابُهُمَا جَمِيعًا وَاجِبٌ؛ لأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ لِفِعْلِ الْمُحَرَّمِ، وَاجْتِنَابُ أَحَدِهِمَا؛ لأَنَّ تَحْلِيلَهُ دُونَ الآخَرِ تَحَكُّمٌ، وَلِهَذَا لَمَّا رَخَّصَ مَنْ رَخَّصَ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ عَضَّدَهُ بِالتَّحَرِّي، أَوْ بِهِ وَاسْتِصْحَابِهِ الْحَلالَ. فَأَمَّا مَا كَانَ حَلالا بِيَقِينٍ، وَلَمْ يُخَالِطْهُ مَا حُكِمَ بِأَنَّهُ نَجِسٌ، فَكَيْفَ يَنْجُسُ؟ وَلِهَذَا لَوْ تَيَقَّنَ أَنَّ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ غَيْرِهِ بُقْعَةً نَجِسَةً، وَلَمْ يَعْلَمْ عَيْنَهَا، وَصَلَّى فِي مَكَان مِنْهُ، وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ الْمُتَنَجِّسُ صَحَّتْ صَلاتُهُ؛ لأَنَّهُ كَانَ طَاهِرًا بِيَقِينٍ، وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ نَجِسٌ. وَكَذَلِكَ لَوْ أَصَابَهُ شَيْءٌ مِنْ طِينِ الشَّوَارِعِ لَمْ يَحْكُمْ بِنَجَاسَتِهِ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ بَعْضَ طِينِ الشَّوَارِعِ نَجِسٌ. وَلا يُفَرَّقُ فِي هَذَا بَيْنَ الْعَدَدِ الْمُنْحَصِرِ وَغَيْرِ الْمُنْحَصِرِ، وَبَيْنَ الْقُلَّتَيْنِ وَالْكَثِيرِ، كَمَا قِيلَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي اشْتِبَاهِ الأُخْتِ بِالأَجْنَبِيَّةِ؛ لأَنَّهُ هُنَاكَ اشْتَبَهَ الْحَلالُ بِالْحَرَامِ، وَهُنَا شَكَّ فِي طَرَيَان التَّحْرِيمِ عَلَى الْحَلالِ.

البيان والتحصيل (دار الغرب الإسلامي-الطبعة الثانية-١٤٠٨ هـ- ١٩٨٨ م) ج١ ص٨٠ - ٨١: قال محمد بن رشد: هذا أصل قد تقرر في المذهب أن ما شك في نجاسته من الثياب يجزي فيه النضح. والأصل في ذلك نضح أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ للنبي، عَلَيْهِ السَّلَامُ، الحصير الذي صلى عليه. وأن عمر بن الخطاب لما غسل ما رأى في ثوبه من الاحتلام نضح ما لم ير. وأما احتجاجه في الرواية لذلك بقوله عَلَيْهِ السَّلَامُ: " اغسل ذكرك وأنثييك وانضح " فليس ببين؛ لأن النضح بعد الغسل لما قد غسل ليس لشك في نجاسته، وإنما هو لرفع ما يخشى أن يكون يطرأ عليه بعد ذلك من الشك في أن يكون قد خرج منه بعد الغسل بقية من ذلك المذي، كما قال سعيد بن المسيب: إذا توضأت وفرغت فانضح بالماء، ثم قل: هو الماء. ووجه ما ذهب إليه في احتجاجه أن النضح يرفع الشك الذي قد وقع كما يرفع الشك الذي يتوقع، ويحتمل أن يكون أراد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقوله:" وانضح " أي: انضح ما شككت فيه من ثيابك أن يكون المذي قد أصابه. فعلى هذا التأويل يصحح الاحتجاج بالحديث لوجوب نضح ما شك في نجاسته من الثياب، ويكون بينا لا إشكال فيه. وإنما أمره صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بغسل أنثييه لما يخشى أن يكون قد أصابهما من الأذى؛ لأن المذي من شأنه أن يمتد وينفرش، ولذلك قال مالك رَحِمَهُ اللَّهُ: ليس على الرجل غسل أنثييه "٨١" من المذي إلا أن يخشى أن يكون قد أصابهما منه شيء، وهو أصله أن ما شك في نجاسته من الأبدان فلا يجزئ فيه إلا الغسل بخلاف الثياب. ومن الدليل على وجوب غسل ما شك فيه من الأبدان قوله، عَلَيْهِ السَّلَامُ،: " إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يده قبل أن يدخلها في وضوئه فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده " فأمر بغسل اليد للشك في نجاستها، وهذا بين. وفي كتاب ابن شعبان أنه ينضح ما شك فيه من الثياب والأبدان، وهو شذوذ. وذهب ابن لبابة إلى أن يغسل ما شك فيه من الثياب والأبدان، ولم ير النضح إلا مع الغسل في الموضع الذي ورد فيه الحديث. وقال: إن نضح الحصير للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يكن لنجس، وحكى ذلك عن ابن نافع، وهو خروج عن المذهب. ويحتمل عنده أن يكون معنى قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اغسل ذكرك وأنثييك وانضح " أي: انضح واغسل ذكرك وأنثييك؛ لأن الواو لا توجب رتبة، وتكون إرادته بالنضح الصب، فكأنه قال: صب الماء على ذكرك وأنثييك واغسلهما؛ لأن الصب قد يسمى نضحا، ومنه الحديث: " إني لأعرف مدينة ينضح البحر بناحيتها " أي: يصب، والله أعلم بمراده صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبالله التوفيق.

الفروع (عالم الكتب-الطبعة الرابعة-١٤٠٥هـ-١٩٨٥م) ج١ ص٢٤٥: وَلا يَلْزَمُ تَطْهِيرُ مَا شَكَّ فِي نَجَاسَتِهِ بِالنَّضْحِ

الحاوي الكبير (دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع-د. ط-١٤٢٤ هـ- ٢٠٠٣ م) ج١ ص٤١٤ - ٤١٥: وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَوْ أَنَّ غَدِيرًا بَالَ فِيهِ ظَبْيٌ فَوُجِدَ مَاؤُهُ مُتَغَيِّرًا فَلَمْ يَعْلَمْ هَلْ تَغَيَّرَ لِبَوْلِ الظَّبْيِ، أَوْ لِطُولِ الْمُكْثِ كَانَ الْمَاءُ نَجِسًا؛ لأَنَّ ظَاهِرَ تَغَيُّرِهِ أَنَّهُ لِوُقُوعِ النَّجَاسَةِ فِيهِ، فَغَلَبَ حُكْمُهُ، فَهَذَا حُكْمُ الْمَاءِ الرَّاكِدِ فِي بِئْرٍ أَوْ غَيْرِهَا مَاءِ إِنَاءٍ أَوْ غَدِيرٍ.


(١) المنثور في القواعد ٣/ ١٣٥، ١٣٦، ١٣٧ ط. الأولى، الأشباه والنظائر للسيوطي ص ٥٣ ط. العلمية، حاشية الحموي على ابن نجيم ١/ ٨٩ العامرة.
(٢) كشاف القناع ١/ ٥٧.
(٣) حاشية رد المحتار ١/ ١٠٩، ١١٠، والشرح الصغير ١/ ١٦٣، وشرح الزرقاني ١/ ٩٩، والمغني ١/ ٢٠٣.
(٤) مغني المحتاج ١/ ٧٠.