للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ذِكْرُ اللهِ

قَال الْبُخَارِيُّ ج١ص٦٨: وَقَالَ الحَكَمُ: " إِنِّي لَأَذْبَحُ وَأَنَا جُنُبٌ، وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَا تَأكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} (١)

الشَّرْح:

الْحَكَمِ وَهُوَ الْفَقِيهُ الْكُوفِيُّ فَوَصَلَهُ الْبَغَوِيُّ فِي الْجَعْدِيَّاتِ مِنْ رِوَايَتِهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْجَعْدِ عَنْ شُعْبَةَ عَنْهُ وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ أَنَّ الذَّبْحَ مُسْتَلْزِمٌ لِذِكْرِ اللَّهِ بِحُكْمِ الْآيَةِ الَّتِي سَاقَهَا. فتح (١/ ٤٠٨)

ومَقْصُودُ الْبُخَارِيِّ بِمَا ذَكَرَ فِي هَذَا الْبَابِ مِنَ الْأَحَادِيثِ وَالْآثَارِ أَنَّ الْحَيْضَ وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِنَ الْجَنَابَةِ لَا يُنَافِي جَمِيعَ الْعِبَادَاتِ بَلْ صَحَّتْ مَعَهُ عِبَادَاتٌ بَدَنِيَّةٌ مِنْ أَذْكَارٍ وَغَيْرِهَا فَمَنَاسِكُ الْحَجِّ مِنْ جُمْلَةِ مَا لَا يُنَافِيهَا إِلَّا الطَّوَافَ فَقَطْ وَفِي كَوْنِ هَذَا مُرَادَهُ نَظَرٌ لِأَنَّ كَوْنَ مَنَاسِكِ الْحَجِّ كَذَلِكَ حَاصِلٌ بِالنَّصِّ فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى الِاسْتِدْلَالِ عَلَيْهِ وَالْأَحْسَنُ مَا قَالَه بن رَشِيدٍ تَبَعًا لِابْنِ بَطَّالٍ وَغَيْرِهِ إِنَّ مُرَادَهُ الِاسْتِدْلَالُ عَلَى جَوَازِ قِرَاءَةِ الْحَائِضِ وَالْجُنُبِ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَسْتَثْنِ مِنْ جَمِيعِ مَنَاسِكِ الْحَجِّ إِلَّا الطَّوَافَ وَإِنَّمَا اسْتَثْنَاهُ لِكَوْنِهِ صَلَاةً مَخْصُوصَةً وَأَعْمَالُ الْحَجِّ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى ذِكْرٍ وَتَلْبِيَةٍ وَدُعَاءٍ وَلَمْ تُمْنَعِ الْحَائِضُ مِنْ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَكَذَلِكَ الْجُنُبُ لِأَنَّ حَدَثَهَا أَغْلَظُ مِنْ حَدَثِهِ وَمَنْعُ الْقِرَاءَةِ إِنْ كَانَ لِكَوْنِهِ ذِكْرًا لِلَّهِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا ذُكِرَ وَإِنْ كَانَ تَعَبُّدًا فَيَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ خَاصٍّ وَلَمْ يَصِحَّ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ شَيْءٌ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ مَجْمُوعُ مَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ عِنْدَ غَيْرِهِ لَكِنَّ أَكْثَرَهَا قَابِلٌ لِلتَّأوِيلِ كَمَا سَنُشِيرُ إِلَيْهِ وَلِهَذَا تَمَسَّكَ الْبُخَارِيُّ وَمَنْ قَالَ بِالْجَوَازِ غَيره كالطبري وبن الْمُنْذِرِ وَدَاوُدَ بِعُمُومِ حَدِيثِ كَانَ يَذْكُرُ اللَّهَ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ لِأَنَّ الذِّكْرَ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ بِالْقُرْآنِ أَوْ بِغَيْرِهِ وَإِنَّمَا فَرَّقَ بَيْنَ الذِّكْرِ وَالتِّلَاوَةِ بِالْعُرْفِ وَالْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ وَصَلَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ. فتح (١/ ٤٠٧)

مَذَاهِبُ الْفُقَهَاءِ فِي الْمَسْأَلَة:

يَحْرُمُ عَلَى الْجُنُبِ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ (٢)

وَلا خِلافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي أَنَّ الْبَسْمَلَةَ مِنَ الْقُرْآنِ، وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى حُرْمَةِ قِرَاءَتِهَا عَلَى الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ بِقَصْدِ التِّلاوَةِ؛ لِحَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ: " لا يَقْرَأُ الْجُنُبُ وَالْحَائِضُ شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ " (٣).

وَرُوِيَتْ كَرَاهَةُ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ، وَرَوَى أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْرُجُ مِنَ الْخَلَاءِ فَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ، وَيَأكُلُ مَعَنَا اللَّحْمَ، وَلَمْ يَكُنْ يَحْجُبُهُ عَنِ الْقُرْآنِ شَيْءٌ لَيْسَ الْجَنَابَةَ. (٤)

فَلَوْ قَصَدَ الدُّعَاءَ أَوِ الثَّنَاءَ أَوِ افْتِتَاحَ أَمْرٍ تَبَرُّكًا، وَلَمْ يَقْصِدِ الْقِرَاءَةَ، فَلا بَأسَ. وَفِي أَحَدِ قَوْلَيْنِ لِلْمَالِكِيَّةِ: لا يَحْرُمُ قِرَاءَةُ آيَةٍ لِلتَّعَوُّذِ أَوِ الرُّقْيَةِ، وَلَوْ آيَةَ الْكُرْسِيِّ.

كَمَا ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لا يَمْنَعُ الْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ، مَا دَامَتِ الْمَرْأَةُ حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ بِقَصْدِ التَّعَلُّمِ أَوِ التَّعْلِيمِ؛ لأَنَّهَا غَيْرُ قَادِرَةٍ عَلَى إِزَالَةِ الْمَانِعِ، أَمَّا إِذَا انْقَطَعَ وَلَمْ تَتَطَهَّرْ، فَلا تَحِلُّ لَهَا قِرَاءَتُهُ كَمَا لا تَحِلُّ لِلْجُنُبِ.

وَالدَّلِيلُ عَلَى اسْتِثْنَاءِ التَّسْمِيَةِ مِنَ التَّحْرِيمِ: أَنَّ لَهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ، وَيَحْتَاجُونَ إِلَى التَّسْمِيَةِ عِنْدَ اغْتِسَالِهِمْ، وَلا يُمْكِنُهُمُ التَّحَرُّزُ عَنْهَا؛ لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُ اللَّهَ فِي كُلِّ أَحْيَانِهِ ".

وَإِنْ قَصَدُوا بِهَا الْقِرَاءَةَ، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ: إِحْدَاهُمَا لا يَجُوزُ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْجُنُبِ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ؟ فَقَالَ: لا وَلَوْ حَرْفًا؛ لِعُمُومِ الْخَبَرِ فِي النَّهْيِ، وَالثَّانِيَةُ: لا يُمْنَعُ مِنْهُ؛ لأَنَّهُ لا يَحْصُلُ بِهِ الإِعْجَازُ، وَيَجُوزُ إِذَا لَمْ يَقْصِدْ بِهِ الْقُرْآنَ. (٥)


(١) [الأنعام: ١٢١]
(٢) البدائع ١/ ٣٣، ٣٧، وجواهر الإكليل ١/ ٢١، ٢٣، ومغني المحتاج ١/ ٣٦، ٧١، والمجموع ٢/ ٦٨، ٦٩، وشرح منتهى الإرادات ١/ ٧٢، ٨٣
(٣) (جة) ٥٩٦ , (ت) ١٣١ , وقال الألباني: منكر
قال الحافظ في الفتح (١/ ٤٠٨): ضَعِيفٌ مِنْ جَمِيعِ طُرُقِهِ.
(٤) (س) ٢٦٥ , (ت) ١٤٦ , (د) ٢٢٩ , وقال الألباني: ضعيف
قال الحافظ في الفتح (١/ ٤٠٨): وَالْحَقُّ أَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْحَسَنِ , يَصْلُحُ لِلْحُجَّةِ , لَكِنْ قِيلَ: فِي الِاسْتِدْلَالِ بِهِ نَظَرٌ , لِأَنَّهُ فِعْلٌ مُجَرَّدٌ , فَلَا يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ مَا عَدَاهُ , وَأَجَابَ الطَّبَرِيُّ عَنْهُ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْأَكْمَلِ جمعا بَين الأدلة.
(٥) حاشية ابن عابدين١/ ١١٦، ١٩٥، وبدائع الصنائع ١/ ٢٠٣، وشرح الزرقاني ١/ ١٠٤، ١٠٥، ١٣٨، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير ١/ ١٣٨، ١٣٩، ١٧٤، ١٧٥، وقليوبي وعميرة ١/ ٦٢، ٦٥، ١٩٩، ونهاية المحتاج ١/ ٢٠١، ٢٠٤، ٣٣٩، والمغني ١/ ١٤١، ١٤٤.