للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أَقْوَالُ الصَّحَابَةِ والتَّابِعِينَ فِي الْقَدَر

(م ت) , عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمُرَ قَالَ: (كَانَ أَوَّلَ مَنْ قَالَ فِي الْقَدَرِ بِالْبَصْرَةِ (١) مَعْبَدٌ الْجُهَنِيُّ (٢) فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَحُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِمْيَرِيُّ حَاجَّيْنِ أَوْ مُعْتَمِرَيْنِ , فَقُلْنَا: لَوْ لَقِينَا أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَسَأَلْنَاهُ عَمَّا يَقُولُ هَؤُلَاءِ فِي الْقَدَرِ , فَوُفِّقَ لَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رضي الله عنهما - دَاخِلًا الْمَسْجِدَ , فَاكْتَنَفْتُهُ أَنَا وَصَاحِبِي (٣) أَحَدُنَا عَنْ يَمِينِهِ , وَالْآخَرُ عَنْ شِمَالِهِ , فَظَنَنْتُ أَنَّ صَاحِبِي سَيَكِلُ الْكَلَامَ إِلَيَّ , فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ , إِنَّهُ قَدْ ظَهَرَ قِبَلَنَا نَاسٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ , وَيَتَقَفَّرُونَ الْعِلْمَ (٤) وَذَكَرْتُ مِنْ شَأنِهِمْ , وَأَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنْ لَا قَدَرَ , وَأَنَّ الْأَمْرَ أُنُفٌ (٥) قَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَإِذَا لَقِيتَ أُولَئِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنِّي بَرِيءٌ مِنْهُمْ , وَأَنَّهُمْ بُرَآءُ مِنِّي , وَالَّذِي يَحْلِفُ بِهِ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ , لَوْ أَنَّ لِأَحَدِهِمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا فَأَنْفَقَهُ (٦) مَا قَبِلَ اللهُ مِنْهُ حَتَّى يُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ) (٧) (خَيْرِهِ وَشَرِّهِ) (٨).

الشرح (٩)


(١) أَيْ: أَوَّلُ مَنْ قَالَ بِنَفْيِ الْقَدَرِ, فَابْتَدَعَ وَخَالَفَ الصَّوَابَ الَّذِي عَلِمَهُ أَهْلُ الْحَقِّ. تحفة الأحوذي - (ج ٦ / ص ٤٠٧)
(٢) مَعْبَدٌ هَذَا هُوَ اِبْنُ خَالِدٍ الْجُهَنِيُّ , كَانَ يُجَالِسُ الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ تَكَلَّمَ فِي الْبَصْرَةِ بِالْقَدَرِ , فَسَلَكَ أَهْلُ الْبَصْرَةِ بَعْدَهُ مَسْلَكَهُ لَمَّا رَأَوْا عَمْرَو بْنَ عُبَيْدٍ يَنْتَحِلُهُ، قَتَلَهُ الْحَجَّاجُ بْنُ يُوسُفَ صَبْرًا. تحفة الأحوذي - (٦/ ٤٠٧)
(٣) أَيْ: صِرْنَا فِي نَاحِيَتَيْهِ , ثُمَّ فَسَّرَهُ فَقَالَ: أَحَدنَا عَنْ يَمِينه , وَالْآخَر عَنْ شِمَاله , وَفِي هَذَا تَنْبِيه عَلَى أَدَب الْجَمَاعَة فِي مَشْيهمْ مَعَ فَاضِلهمْ، وَهُوَ أَنَّهُمْ يَكْتَنِفُونَهُ وَيَحُفُّونَ بِهِ. (النووي - ج ١ / ص ٧٠)
(٤) أَيْ: يَبْحَثُونَ عَنْ غَامِضه , وَيَسْتَخْرِجُونَ خَفِيَّهُ , قَالَ الْقَاضِي عِيَاض: وَرَأَيْتُ بَعْضَهمْ قَالَ فِيهِ: (يَتَقَعَّرُونَ) , وَفَسَّرَهُ بِأَنَّهُمْ يَطْلُبُونَ قَعْرَهُ , أَيْ: غَامِضَهُ وَخَفِيَّهُ , وَمِنْهُ: تَقَعَّرَ فِي كَلَامه , إِذَا جَاءَ بِالْغَرِيبِ مِنْهُ. (النووي ج ١ / ص ٧٠)
(٥) أَيْ: الْأَمْرُ مُسْتَأنَفٌ , لَمْ يَسْبِقْ بِهِ قَدَرٌ وَلَا عِلْمٌ مِنْ اللهِ تَعَالَى , وَإِنَّمَا يَعْلَمُهُ بَعْدَ وُقُوعِهِ , وَهَذَا الْقَوْلُ قَوْلُ غُلَاتِهِمْ , وَلَيْسَ قَوْلَ جَمِيعِ الْقَدَرِيَّةِ، وَكَذَبَ قَائِلُهُ , وَضَلَّ وَافْتَرَى , عَافَانَا اللهُ وَسَائِرَ الْمُسْلِمِينَ. (النووي - ج ١ / ص ٧٠)
(٦) قَوْله: " فَأَنْفَقَهُ "، يَعْنِي: فِي سَبِيل الله تَعَالَى وَطَاعَته. شرح النووي (١/ ٧٠)
(٧) (م) ٨ , (ت) ٢٦١٠
(٨) (ت) ٢٦١٠
(٩) هَذَا الَّذِي قَالَهُ اِبْن عُمَرَ - رضي الله عنهما - ظَاهِرٌ فِي تَكْفِيرِهِ الْقَدَرِيَّةَ.
قَالَ الْقَاضِي عِيَاض: هَذَا فِي الْقَدَرِيَّةِ الْأُوَلِ الَّذِينَ نَفَوْا تَقَدُّمَ عِلْمِ اللهِ تَعَالَى بِالْكَائِنَاتِ، قَالَ: وَالْقَائِل بِهَذَا كَافِرٌ بِلَا خِلَاف، وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُنْكِرُونَ الْقَدَر , هُمْ الْفَلَاسِفَة فِي الْحَقِيقَة.
وقَالَ غَيْره: وَيَجُوز أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهَذَا الْكَلَام التَّكْفِيرَ الْمُخْرِجَ مِنْ الْمِلَّة , فَيَكُون مِنْ قَبِيل كُفْرَان النِّعَم , إِلَّا أَنَّ قَوْله: " مَا قَبِلَهُ الله مِنْهُ "، ظَاهِرٌ فِي التَّكْفِير؛ فَإِنَّ إِحْبَاط الْأَعْمَال إِنَّمَا يَكُون بِالْكُفْرِ , إِلَّا أَنَّهُ يَجُوز أَنْ يُقَال فِي الْمُسْلِم: لَا يُقْبَل عَمَلُه لِمَعْصِيَتِهِ , وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا، كَمَا أَنَّ الصَّلَاة فِي الدَّار الْمَغْصُوبَة صَحِيحَة , غَيْر مُحْوِجَة إِلَى الْقَضَاء عِنْد جَمَاهِير الْعُلَمَاء , بَلْ بِإِجْمَاعِ السَّلَف, وَهِيَ غَيْر مَقْبُولَة , فَلَا ثَوَاب فِيهَا عَلَى الْمُخْتَار عِنْد أَصْحَابنَا , وَالله أَعْلَمُ. شرح النووي (١/ ٧٠)