للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

{حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا، جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ، وَلَا يُرَدُّ بَأسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ} (١)

(خ) , عَنْ ابْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ: (قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ (٢) الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا} خَفِيفَةً، فَذَهَبَ بِهَا هُنَاكَ (٣) وتلَا: {حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللهِ؟، أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ} (٤) قَالَ: فَلَقِيتُ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ , فَذَكَرْتُ لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: مَعَاذَ اللهِ) (٥) (بَلْ كَذَّبَهُمْ قَوْمُهُمْ) (٦) (وَاللهِ مَا وَعَدَ اللهُ رَسُولَهُ مِنْ شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا عَلِمَ أَنَّهُ كَائِنٌ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ) (٧) (قَالَ عُرْوَةُ: فَقُلْتُ لَهَا: قَدْ اسْتَيْقَنُوا أَنَّ قَوْمَهُمْ كَذَّبُوهُمْ , فَمَا هُوَ بِالظَّنِّ، فَقَالَتْ: أَجَلْ لَعَمْرِي لَقَدْ اسْتَيْقَنُوا بِذَلِكَ، فَقُلْتُ لَهَا: {وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا}، قَالَتْ: مَعَاذَ اللهِ، لَمْ تَكُنِ الرُّسُلُ تَظُنُّ ذَلِكَ بِرَبِّهَا، قُلْتُ: فَمَا هَذِهِ الْآيَة؟ , قَالَتْ: هُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ الَّذِينَ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَصَدَّقُوهُمْ، فَطَالَ عَلَيْهِمْ الْبَلَاءُ، وَاسْتَأخَرَ عَنْهُمْ النَّصْرُ , حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ مِمَّنْ كَذَّبَهُمْ مِنْ قَوْمِهِمْ، وَظَنَّتْ الرُّسُلُ أَنَّ أَتْبَاعَهُمْ قَدْ كَذَّبُوهُمْ , جَاءَهُمْ نَصْرُ اللهِ عِنْدَ ذَلِكَ) (٨) (فَكَانَتْ تَقْرَؤُهَا: {وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِّبُوا} مُثَقَّلَةً) (٩).


(١) [يوسف/١١٠]
(٢) قَالَ أَبُو عَبْد اللهِ البخاري: اسْتَيْأَسُوا: اسْتَفْعَلُوا , مِنْ يَئِسْتُ مِنْهُ , مِنْ يُوسُف.
(٣) قَالَ الْخَطَّابِيُّ: لَا شَكَّ أَنَّ ابْن عَبَّاس لَا يُجِيزُ عَلَى الرُّسُلِ أَنَّهَا تُكَذِّبُ بِالْوَحْيِ وَلَا يُشَكُّ فِي صِدْقِ الْمُخْبِر، فَيُحْمَل كَلَامه عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّهُ لِطُولِ الْبَلَاء عَلَيْهِمْ وَإِبْطَاءِ النَّصْر , وَشِدَّة اِسْتِنْجَاز مَنْ وَعَدُوهُ بِهِ , تَوَهَّمُوا أَنَّ الَّذِي جَاءَهُمْ مِنْ الْوَحْي كَانَ حُسْبَانًا مِنْ أَنْفُسهمْ، وَظَنُّوا عَلَيْهَا الْغَلَط فِي تَلَقِّي مَا وَرَدَ عَلَيْهِمْ مِنْ ذَلِكَ، فَيَكُون الَّذِي بُنِيَ لَهُ الْفِعْل أَنْفُسهمْ , لَا الْآتِي بِالْوَحْيِ، وَالْمُرَاد بِالْكَذِبِ: الْغَلَط , لَا حَقِيقَة الْكَذِب , كَمَا يَقُول الْقَائِل: كَذَبَتْكَ نَفْسُكَ.
قُلْت: وَيُؤَيِّدهُ قِرَاءَةُ مُجَاهِد {وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كَذَبُوا} بِفَتْحِ أَوَّله مَعَ التَّخْفِيف , أَيْ: غَلِطُوا.
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: إِنْ صَحَّ هَذَا عَنْ اِبْن عَبَّاس , فَقَدْ أَرَادَ بِالظَّنِّ مَا يَخْطِر بِالْبَالِ وَيَهْجِس فِي النَّفْس مِنْ الْوَسْوَسَة وَحَدِيث النَّفْس , عَلَى مَا عَلَيْهِ الْبَشَرِيَّة , وَأَمَّا الظَّنّ , وَهُوَ تَرْجِيح أَحَد الطَّرَفَيْنِ , فَلَا يُظَنّ بِالْمُسْلِمِ فَضْلًا عَنْ الرَّسُول.
وَقَالَ التِّرْمِذِيّ الْحَكِيم: وَجْهُه أَنَّ الرُّسُلَ كَانَتْ تَخَاف بَعْدَ أَنْ وَعَدَهُمْ الله النَّصْرَ أَنْ يَتَخَلَّفَ النَّصْرُ، لَا مِنْ تُهْمَةٍ بِوَعْدِ اللهِ , بَلْ لِتُهْمَةِ النُّفُوس أَنْ تَكُون قَدْ أَحْدَثَتْ حَدَثًا يَنْقُضُ ذَلِكَ الشَّرْط، فَكَانَ الْأَمْر إِذَا طَالَ , وَاشْتَدَّ الْبَلَاء عَلَيْهِمْ , دَخَلَهُمْ الظَّنّ مِنْ هَذِهِ الْجِهَة.
وَيُحْمَل إِنْكَار عَائِشَة عَلَى ظَاهِر مَسَاقهمْ مِنْ إِطْلَاق الْمَنْقُول عَنْهُ.
وَقَدْ رَوَى الطَّبَرِيُّ أَنَّ سَعِيد اِبْن جُبَيْر سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْآيَة , فَقَالَ: يَئِسَ الرُّسُل مِنْ قَوْمهمْ أَنْ يُصَدِّقُوهُمْ، وَظَنَّ الْمُرْسَلُ إِلَيْهِمْ أَنَّ الرُّسُلَ كَذَبُوا. فَقَالَ الضَّحَّاك بْن مُزَاحِم لَمَّا سَمِعَهُ: لَوْ رَحَلْتُ إِلَى الْيَمَن فِي هَذِهِ الْكَلِمَة , لَكَانَ قَلِيلًا.
فَهَذَا سَعِيدُ بْن جُبَيْر وَهُوَ مِنْ أَكَابِر أَصْحَاب اِبْن عَبَّاس الْعَارِفِينَ بِكَلَامِهِ , حَمَلَ الْآيَة عَلَى الِاحْتِمَال الْأَخِير الَّذِي ذَكَرْتُه.
وَعِنْدَ النَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيق أُخْرَى عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله: {قَدْ كُذِبُوا} قَالَ: اِسْتَيْأَسَ الرُّسُل مِنْ إِيمَان قَوْمهمْ، وَظَنَّ قَوْمُهُمْ أَنَّ الرُّسُلَ قَدْ كَذَبُوهُمْ. وَإِسْنَاده حَسَن.
فَلْيَكُنْ هُوَ الْمُعْتَمَد فِي تَأوِيل مَا جَاءَ عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي ذَلِكَ، وَهُوَ أَعْلَم بِمُرَادِ نَفْسه مِنْ غَيْره. فتح الباري - (ج ١٣ / ص ١٥٥)
(٤) [البقرة/٢١٤]
(٥) (خ) ٤٢٥٢
(٦) (خ) ٣٢٠٩
(٧) (خ) ٤٢٥٢
(٨) (خ) ٤٤١٩
(٩) (خ) ٤٢٥٢