للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

تَطْهِيرُ الْأَرْض

(خ م ت جة حم) , عَنْ أَنس بن مالك - رضي الله عنه - قَالَ: (" كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - جَالِسًا فِي الْمَسْجِدِ "، وَأَصْحَابُهُ مَعَهُ، إِذْ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ) (١) (فَصَلَّى فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ قَالَ: اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي وَمُحَمَّدًا وَلَا تَرْحَمْ مَعَنَا أَحَدًا) (٢) (" فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - وَقَالَ: لَقَدِ احْتَظَرْتَ وَاسِعًا (٣)) (٤) (- يُرِيدُ رَحْمَةَ اللهِ - ") (٥) (فَمَا لَبِثَ أَنْ) (٦) (قَامَ إِلَى نَاحِيَةٍ فِي الْمَسْجِدِ فَبَالَ فِيهَا , فَصَاحَ بِهِ النَّاسُ) (٧) (فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم -: " لَا تُزْرِمُوهُ (٨) دَعُوهُ "، فَتَرَكُوهُ حَتَّى بَالَ , " ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - دَعَاهُ) (٩) (فَلَمْ يُؤَنِّبْ، وَلَمْ يَسُبَّ) (١٠) (وَلَمْ يَضْرِبْ) (١١) (فَقَالَ لَهُ: إِنَّ هَذِهِ الْمَسَاجِدَ لَا تَصْلُحُ لِشَيْءٍ مِنَ هَذَا الْبَوْلِ وَلَا الْقَذَرِ، إِنَّمَا هِيَ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، وَذِكْرِ اللهِ، وَالصَلَاةِ) (١٢) (وَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - لِرَجُلٍ مِنَ الْقَوْمِ: قُمْ فَائْتِنَا بِدَلْوٍ مِنْ مَاءٍ فَشُنَّهُ عَلَيْهِ (١٣)) (١٤) (فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ (١٥) وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ (١٦) ") (١٧) (فَأَتَاهُ بِدَلْوٍ مِنْ مَاءٍ) (١٨) (فَصَبَّهُ عَلَيْهِ) (١٩).

مَذَاهِبُ الْفُقَهَاءِ فِي الْمَسْأَلَة:

الأَرْضُ إِذَا تَنَجَّسَتْ بِمَائِعٍ، كَالْبَوْلِ وَالْخَمْرِ وَغَيْرِهِمَا فَتَطْهِيرُهَا أَنْ يَغْمُرَهَا الْمَاءُ بِحَيْثُ يَذْهَبُ لَوْنُ النَّجَاسَةِ وَرِيحُهَا، وَمَا انْفَصَلَ عَنْهَا غَيْرُ مُتَغَيِّرٍ بِهَا فَهُوَ طَاهِرٌ. بِهَذَا قَالَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (٢٠) وَذَلِكَ لِمَا رَوَاهُ أَنَسٌ قَالَ: " جَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَبَالَ فِي طَائِفَةٍ نَاحِيَةٍ مِنَ الْمَسْجِدِ، فَزَجَرَهُ النَّاسُ، فَنَهَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا قَضَى بَوْلَهُ أَمَرَ بِذَنُوبٍ مِنْ مَاءٍ فَأُهْرِيقَ عَلَيْهِ ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمِثْلُ الْغَمْرِ بِالْمَاءِ مَا إِذَا أَصَابَهَا الْمَطَرُ أَوِ السَّيْلُ وَجَرَى عَلَيْهَا، فَإِنَّهَا تَطْهُرُ؛ لأَنَّ تَطْهِيرَ النَّجَاسَةِ لا يُعْتَبَرُ فِيهِ نِيَّةٌ وَلا فِعْلٌ، فَاسْتَوَى مَا صَبَّهُ الآدَمِيُّ وَمَا جَرَى بِغَيْرِ صَبٍّ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِذَا كَانَتِ الأَرْضُ رَخْوَةً فَطَهُورُهَا بِغَمْرِهَا بِالْمَاءِ، كَمَا قَالَ الْجُمْهُورُ، وَإِنْ كَانَتِ الأَرْضُ صُلْبَةً فَإِنَّهَا لا تَطْهُرُ حَتَّى يَنْفَصِلَ الْمَاءُ، فَيَكُونُ الْمُنْفَصِلُ عَنْهَا نَجَسًا؛ لأَنَّ النَّجَاسَةَ انْتَقَلَتْ إِلَيْهِ.

وَإِنَّمَا تَطْهُرُ بِحَفْرِهَا، حَتَّى يَصِلَ الْحَفْرُ إِلَى مَوْضِعٍ لَمْ تَصِلْهُ النَّجَاسَةُ، أَوْ بِكَبْسِهَا بِتُرَابٍ أَلْقَاهُ عَلَيْهَا، فَزَالَتْ رَائِحَةُ النَّجَاسَةِ.

إِذَا جَفَّتِ النَّجَاسَةُ الْمَائِعَةُ، فَقَالَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ: لا تَطْهُرُ إِلا بِالْمَاءِ، لِحَدِيثِ الأَعْرَابِيِّ السَّابِقِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَصَاحِبَاهُ - فِي الأَظْهَرِ - تَطْهُرُ لِلصَّلاةِ عَلَيْهَا لا لِلتَّيَمُّمِ مِنْهَا، وَقِيلَ: تَطْهُرُ لَهُمَا، وَذَلِكَ لِمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: " إِنَّ الْكِلابَ كَانَتْ تَبُولُ، وَتُقْبِلُ وَتُدْبِرُ فِي الْمَسْجِدِ، فَلَمْ يَكُنْ يَرُشُّونَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ ".

وَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ: إِذَا جَفَّتِ الأَرْضُ فِي الظِّلِّ فَقَدْ طَهُرَتْ، وَذَلِكَ لِمَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ أَبِي قِلابَةَ أَنَّهُ قَالَ: إِذَا جَفَّتِ الأَرْضُ فَقَدْ زَكَتْ (٢١)

أَمَّا إِنْ كَانَتِ النَّجَاسَةُ غَيْرَ مَائِعَةٍ، بِأَنْ كَانَتْ ذَاتَ أَجْزَاءٍ مُتَفَرِّقَةٍ كَالرِّمَّةِ، وَالرَّوْثِ، وَالدَّمِ إِذَا جَفَّ، وَاخْتَلَطَتْ بِأَجْزَاءِ الأَرْضِ لَمْ تَطْهُرْ بِالْغَسْلِ، بَلْ تَطْهُرُ بِإِزَالَةِ أَجْزَاءِ الْمَكَانِ، حَتَّى يَتَيَقَّنَ زَوَالَ أَجْزَاءِ النَّجَاسَةِ، وَهَذَا مَا لا خِلافَ فِيهِ. (٢٢)


(١) (حم) ١٣٠٠٧ , وقال شعيب الأرنؤوط: حديث صحيح , وهذا إسناد حسن
(٢) (ت) ١٤٧ , (د) ٣٨٠
(٣) أَيْ: ضَيَّقْت مَا وَسَّعَهُ الله وَخَصَصْت بِهِ نَفْسك دُون غَيْرك. عون (ج١ص٤٢٦)
(٤) (جة) ٥٢٩
(٥) (خ) ٥٦٦٤ , (س) ١٢١٦
(٦) (ت) ١٤٧
(٧) (م) ٩٩ - (٢٨٤)
(٨) أَيْ: لَا تَقْطَعُوا عَلَيْهِ.
(٩) (م) ٢٨٥ , (خ) ٢١٦
(١٠) (جة) ٥٢٩
(١١) (حم) ١٠٥٤٠
(١٢) (م) ٢٨٥ , (حم) ١٣٠٠٧
(١٣) أَيْ: صُبَّهُ عَلَيْهِ.
(١٤) (م) ٢٨٥ , (خ) ٢١٦
(١٥) أَيْ: مُسَهِّلِينَ عَلَى النَّاس. عون المعبود - (ج ١ / ص ٤٢٦)
(١٦) إِسْنَاد الْبَعْث إِلَيْهِمْ عَلَى طَرِيقِ الْمَجَازِ، لِأَنَّهُ هُوَ الْمَبْعُوثُ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - بِمَا ذَكَرَ، لَكِنَّهُمْ لَمَّا كَانُوا فِي مَقَام التَّبْلِيغِ عَنْهُ فِي حُضُورِهِ وَغَيْبَتِهِ , أَطْلَقَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ، إِذْ هُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ قِبَلِهِ بِذَلِكَ , أَيْ: مَأمُورُونَ , وَكَانَ ذَلِكَ شَأنه - صلى اللهُ عليه وسلَّم - فِي حَقِّ كُلِّ مَنْ بَعَثَهُ إِلَى جِهَةٍ مِنْ الْجِهَاتِ , يَقُولُ: " يَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا ".فتح (ج١ /ص ٣٤٧)
(١٧) (خ) ٢١٧ , (ت) ١٤٧
(١٨) (حم) ١٣٠٠٧
(١٩) (خ) ٢١٦ , (م) ٩٨ - (٢٨٤) , (س) ٥٣ , (جة) ٥٢٨
(٢٠) الأم ١/ ٤٤ وما بعدها، وفتح القدير ١/ ١٤٠، وابن عابدين ١/ ٢٠٧، الاختيار ١/ ٤٦، والمغني ٢/ ٥٤، ٩٤، ٩٥، ٩٦، وبداية المجتهد ١/ ٧٦، وفتح الباري ١/ ٢٢٥، ٢٢٧، ٢٢٩، ٢٩٨، ٤٣٦ ط السلفية، ونيل الأوطار ١/ ٣٨، ومسلم (١/ ٣٧١ ط عيسى الحلبي)
(٢١) أخرجه ابن أبي شيبة (١/ ٥٧ الدار السلفية ـ بمباي)
(٢٢) فتح القدير ١/ ١٤٨، ١٥٠، والاختيار ١/ ٤٩، وبداية المجتهد ١/ ٧٦، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير ١/ ١١٣، ١١٤، ومغني المحتاج ١/ ٤٣، وشرح الروض ١/ ٢١، والأم ١/ ١٨، ٤٤، والمغني ١/ ١٤٩ وما بعدها و ١٥٦، ١٥٧، منتقى الأخبار ١/ ٨٥