للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

مَاءُ الْبَرَد

وَهُوَ مَا نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ جَامِدًا ثُمَّ مَاعَ عَلَى الأَرْضِ، وَيُسمَّى حَبُّ الْغَمَامِ وَحَبُّ الْمُزْنِ (١)

(م ت) , عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى - رضي الله عنه - قَالَ: (" كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - يَدْعُو بِهَذَا الدُّعَاءِ (٢): اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ , مِلْءُ السَّمَاوَاتِ وَمِلْءُ الْأَرْضِ , وَمِلْءُ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ) (٣) (اللَّهُمَّ طَهِّرْنِي بِالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ وَالْمَاءِ الْبَارِدِ , اللَّهُمَّ طَهِّرْنِي مِنْ الذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ مِنْ الْوَسَخِ) (٤) وفي رواية: (مِنْ الدَّنَسِ ") (٥)

مَذَاهِبُ الْفُقَهَاءِ فِي الْمَسْأَلَة:

لا خِلافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي جِوَازِ التَّطَهُّرِ بِمَاءِ الثَّلْجِ إِذَا ذَابَ.

وَإِنَّمَا الْخِلافُ بَيْنَهُمْ فِي اسْتِعْمَالِهِ قَبْلَ الإِذَابَةِ عَلَى ثَلاثَةِ أَقْوَالٍ:

الْقَوْلُ الأَوَّلُ: ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى عَدِمِ جِوَازِ التَّطَهُّرِ بِالثَّلْجِ قَبْلَ الإِذَابَةِ مَا لَمْ يَتَقَاطَرْ وَيَسِلْ عَلَى الْعُضْوِ.

يَقُولُ صَاحِبُ الدُّرِّ الْمُخْتَارِ: " يُرْفَعُ الْحَدَثُ مُطْلَقًا بِمَاءٍ مُطْلَقٍ، وَهُوَ مَا يَتَبَادَرُ عِنْدَ الإِطْلاقِ كَمَاءِ سَمَاءٍ وَأَوْدِيَةٍ وَعُيُونٍ وَآبَارٍ وَبِحَارٍ وَثَلْجٍ مُذَابٍ بِحَيْثُ يَتَقَاطَرُ " (٦).

وَيَقُولُ صَاحِبُ الشَّرْحِ الْكَبِيرِ: وَهُوَ - أَيِ الْمَاءُ الْمُطْلَقُ - مَا صَدَقَ عَلَيْهِ اسْمُ مَاءٍ بِلا قَيْدٍ وَإِنْ جُمِعَ مِنْ نَدًى أَوْ ذَابَ أَيْ تَمَيَّعَ بَعْدَ جُمُودِهِ كَالثَّلْجِ وَهُوَ مَا يَنْزِلُ مَائِعًا ثُمَّ يَجْمُدُ عَلَى الأَرْضِ. (٧)

وَيَقُولُ صَاحِبُ الْمُغْنِي: الذَّائِبُ مِنَ الثَّلْجِ وَالْبَرَدِ طَهُورٌ، لأَنَّهُ مَاءٌ نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ، وَفِي دُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اللَّهُمَّ اغْسِلْ خَطَايَايَ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ "

فَإِنْ أَخَذَ الثَّلْجَ فَمَرَّرَهُ عَلَى أَعْضَائِهِ لَمْ تَحْصُلِ الطَّهَارَةُ بِهِ، وَلَوِ ابْتَلَّ بِهِ الْعُضْوُ، لأَنَّ الْوَاجِبَ الْغُسْلُ، وَأَقَلُّ ذَلِكَ أَنْ يَجْرِيَ الْمَاءُ عَلَى الْعُضْوِ، إِلا أَنْ يَكُونَ خَفِيفًا فَيَذُوبُ، وَيَجْرِي مَاؤُهُ عَلَى الأَعْضَاءِ فَيَحْصُلُ بِهِ الْغَسْلُ، فَيُجْزِئُهُ. (٨)

الْقَوْلُ الثَّانِي: ذَهَبَ أَبُو يُوسُفَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالأَوْزَاعِيُّ إِلَى جِوَازِ التَّطَهُّرِ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَتَقَاطَرْ. (٩)

يَقُولُ الطَّحْطَاوِيُّ: قَوْلُهُ (بِحَيْثُ يَتَقَاطَرُ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: يَجُوزُ وَإِنْ لَمْ يَتَقَاطَرْ. (١٠)

وَيَقُولُ النَّوَوِيُّ: وَحَكَى أَصْحَابُنَا عَنِ الأَوْزَاعِيِّ جَوَازُ الْوُضُوءِ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَسِلْ وَيُجْزِيهِ فِي الْمَغْسُولِ وَالْمَمْسُوحِ، وَهَذَا ضَعِيفٌ أَوْ بَاطِلٌ إِنْ صَحَّ عَنْهُ لأَنَّهُ لا يُسَمَّى غَسْلا وَلا فِي مَعْنَاهُ. (١١)

الْقَوْلُ الثَّالِثُ: فَرَّقَ الشَّافِعِيَّةُ بَيْنَ سَيْلِ الثَّلْجِ عَلَى الْعُضْوِ لِشِدَّةِ حَرِّ وَحَرَارَةِ الْجِسْمِ وَرَخَاوَةِ الثَّلْجِ، وَبَيْنَ عَدَمِ سَيْلِهِ.

يَقُولُ النَّوَوِيُّ: قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا اسْتُعْمِلَ الثَّلْجُ وَالْبَرَدُ قَبْلَ إذَابَتِهِمَا , فَإِنْ كَانَ يَسِيلُ عَلَى الْعُضْوِ لِشِدَّةِ حَرٍّ وَحَرَارَةِ الْجِسْمِ وَرَخَاوَةِ الثَّلْجِ صَحَّ الْوُضُوءُ عَلَى الصَّحِيحِ , وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ لِحُصُولِ جَرَيَانِ الْمَاءِ عَلَى الْعُضْوِ , وَقِيلَ: لا يَصِحُّ ; لأَنَّهُ لا يُسَمَّى غُسْلا , حَكَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ: أَقْضَى الْقُضَاةِ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَبِيبٍ الْمَاوَرْدِيُّ الْبَصْرِيُّ صَاحِبُ الْحَاوِي , وَأَبُو الْفَرَجِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ مُحَمَّدٍ الدَّارِمِيُّ صَاحِبُ الاسْتِذْكَارِ , وَهُمَا مِنْ كِبَارِ أَئِمَّتِنَا الْعِرَاقِيِّينَ , وَعَزَاهُ الدَّارِمِيُّ إلَى أَبِي سَعِيدٍ الإِصْطَخْرِيِّ , وَإِنْ كَانَ لا يَسِيلُ لَمْ يَصِحَّ الْغُسْلُ بِلا خِلافٍ. وَيَصِحُّ مَسْحُ الْمَمْسُوحِ وَهُوَ الرَّأسُ وَالْخُفُّ وَالْجَبِيرَةُ , هَذَا مَذْهَبُنَا. (١٢)


(١) مختار الصحاح، والمعجم الوجيز.
(٢) هذا الدعاء عام وليس بعد الرفع من الركوع , وإن تشابهت الأدعية , فللحديث طُرُق كثيرة , وليس منها ما يدل على وروده في القيام بعد الركوع. ع
(٣) (م) ٢٠٣ - (٤٧٦)
(٤) (م) ٢٠٤ - (٤٧٦) , (س) ٤٠٢ , (حم) ١٩١٤١
(٥) (ت) ٣٥٤٧ , (س) ٤٠٢
(٦) الدر المختار بهامش حاشية الطحطاوي ١/ ١٠٢ ط دار المعرفة.
(٧) حاشية الدسوقي والشرح الكبير ١/ ٣٤، ويراجع: المجموع ١/ ٨١، ٨٢.
(٨) المغني ١/ ١٨.
(٩) الدر المختار بحاشية الطحطاوي ١/ ١٠٢، والمجموع ١/ ٨٢.
(١٠) حاشية الطحطاوي ١/ ١٠٢.
(١١) المجموع ١/ ٨١، ٨٢
(١٢) المجموع ١/ ٨١، ٨٢